q

تمر تونس اليوم في ظل استمرار وتصاعد الاحتجاجات والاعتصامات في العديد من المناطق، كما يرى بعض المراقبين، بمرحلة صعبة على جميع الأصعدة، الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، يمكن ان تدخل البلاد في مشكلات خطيرة قد تهدد امن واستقرار البلاد بشكل عام تجعلها ايضا عرضة لخطر الإرهاب، ولعل ما تشهده مدينة تطاوين كما نقلت بعض المصادر، من احتجاجات متصاعدة من قبل الشباب، الذين يعانون من البطالة، ويطالبون بحصة من عائدات النفط الذي يتم إنتاجه في مناطقهم، هو من أبرز الأزمات التي تعيشها تونس. وأصدر الرئيس التونسي، مؤخرا قرارا بتكليف الجيش بتأمين مواقع أنتاج النفط والغاز، وتصاعد الأمر بعد مقتل أحد المتظاهرين بعد أن دهسته سيارة "عن طريق الخطأ"، كما تقول الشرطة التونسية. حيث أشعل المتظاهرون النار في مركزين للشرطة، وفي عدة مركبات تابعة للشرطة في شوارع المدينة. كما اضطرت بعض شركات النفط والغاز الأوروبية لوقف الانتاج مؤقتا بسبب الاحتجاجات.

وتضيف أزمة تطاوين المزيد من الضغوط على الحكومة التي تحاول تنفيذ اصلاحات اقتصادية طالب بها صندوق النقد الدولي لمنح مساعدات ميسرة لتونس، وتواجه تونس في الوقت الحالي عجزا كبيرا في الموازنة العامة للدولة، وتراجعا كبيرا في قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، وذلك بسبب تراجع المعروض من هذه العملات مع انخفاض ايرادات السياحة، وتراجع الاستثمارات الخارجية في تونس، وزيادة في نسبة البطالة بحيث بلغت 15% من أجمالي قوة العمل عام 2016. ويبدو أن الشباب مصرون على رفض الوضع القائم بعد أن وصلت نسبة البطالة في جنوب ووسط تونس الى ما لايقل عن 26% من قوة العمل، ووصلت نسبة الفقر الى 30% من مجموع السكان، وهي نسبة تصل الى أربع أمثال نسبة الفقر في باقي مناطق تونس.

وأمام كل هذا تتصاعد المخاوف من دخول البلاد في حرب اهلية، خاصة في ظل صراعات سياسية مستمرة منذ الثورة التي أطاحت بنظام زين الدين بن علي عام 2011.

يذكر ان اعتصامات واحتجاجات الأهالي بولايتي تطاوين و قبلي ترتب عنها نقص في المبيعات بحوالي 24 مليون دينار اسبوعيا. و تساهم هذين الولايتين بحوالي 46 بالمائة من الإنتاج الوطني للنفط و27 بالمائة من الإنتاج الوطني للغاز، كما اكدت بعض المصادر والشخصيات الحكومية ، إن الاعتصام الذي ينفذه عاطلون عن العمل في الكامور قرب المنشآت النفطية في ولاية تطاوين، قد يدفع الحكومة إلى زيادة أسعار المحروقات، وهو ما يعقد الامور ويزيد التوترات، ويعتصم عاطلون في خيام قرب المنشآت النفطية بتطاوين منذ أكثر من شهرين للمطالبة بفرص عمل وبنسب من عوائد النفط لتمويل مشروعات للتنمية في تطاوين، وأوقفوا في وقت سابق محطة لضخ النفط في الكامور للضغط على الحكومة.

احتجاجات واشتباكات

وفي هذا الشأن اشتبكت قوات الأمن التونسية، التي أطلقت الغاز المسيل للدموع، مع محتجين بعد أن أشعلوا النار في مركزين للشرطة عقب مقتل شاب صدمته سيارة شرطة أثناء احتجاجات في جنوب البلاد للمطالبة بتوفير فرص عمل. وتحولت الاضطرابات في تطاوين إلى العنف بعد أن استهدف محتجون منشآت للنفط والغاز لوقف الإنتاج للضغط على حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد من أجل توفير فرص عمل في المنطقة وتنميتها.

وقال مصدر بوزارة الصحة إن شابا قتل في احتجاجات تطاوين بعد أن صدمته سيارة شرطة. وقالت إذاعة تطاوين الحكومية إن شبانا أشعلوا النار في مركزين للشرطة المحلية خلال الاشتباكات وإن الشرطة انسحبت من البلدة. وأظهرت صور من البلدة مركبات محترقة في الشارع وجدران مكاتب الشرطة وقد احترقت.

وكان محتجون قد أغلقوا لفترة وجيزة في وقت سابق محطة فانا للضخ في تطاوين وهي إحدى عدة منشآت للنفط والغاز تأثرت بالاحتجاجات في مطلع الأسبوع بعد أن سمح الجيش لمهندس بإغلاقها لتفادي حدوث مواجهة. وقالت وزارة الدفاع إنها ستستخدم القوة لحماية واستعادة المنشآت النفطية والغازية في جنوب البلاد وقد تفجرت اشتباكات عند فانا عندما عاد الجيش للسيطرة على محطة الضخ وذلك حسبما قال شاهدان. بحسب رويترز.

وحذرت وزارة الدفاع في بيان "كافة المواطنين من التبعات العدلية نتيجة التصادم مع الوحدات العسكرية والأمنية والأضرار البدنية التي يمكن أن تلحقهم في صورة التدرج في استعمال القوة مع كل من يحاول الاعتداء على أفرادها أو منعهم من أداء مهامهم أو من يحاول الولوج عنوة إلى داخل المنشآت التي يقومون بحمايتها". وتونس منتج صغير للنفط حيث تبلغ طاقة إنتاجها 44 ألف برميل يوميا. لكن عمليات الإغلاق تلك تمثل تحديا واضحا لسلطة حكومة الشاهد مع محاولتها تطبيق إصلاحات اقتصادية طالبت بها جهات إقراض دولية وتعزيز تحول تونس إلى الديمقراطية بعد ست سنوات من انتفاضة أنهت حكم زين العابدين بن علي. وتفجرت أعمال عنف واحتجاجات عدة مرات في المناطق الجنوبية والوسطى من تونس منذ انتفاضة 2011 مع احتجاج شبان عاطلين كثيرين على أن سقوط بن علي والتحول إلى الديمقراطية لم يوفرا فرصا اقتصادية تذكر لهم.

توقف تام

من جانب اخر توقّف الإنتاج بشكل تام في حقول النفط والغاز بولايتيْ تطاوين وقبلي جنوب تونس بسبب اعتصامات واحتجاجات سكان يطالبون بتوظيفهم في تلك الحقول، حسبما أعلنت الجمعة وزيرة الطاقة والمناجم هالة شيخ روحو. وقالت الوزيرة لإذاعة "شمس إف إم" الخاصة "الانتاج كلّه توقّف" في تطاوين وقبلي ما أدى إلى "نقص في مبيعات" تونس من الغاز والنفط بقيمة 24 مليون دينار (حوالي 9 ملايين يورو) "أسبوعيا". وتنتج تطاوين وقبلي 46% من إجمالي إنتاج تونس من النفط و27% من الغاز، وفق وزارة الطاقة.

وتشغل حقول النفط والغاز في الولايتين نحو 1700 شخص "أكثر من نصفهم" من سكان تطاوين وقبلي، بحسب هالة شيخ روحو التي نبهت إلى أن هذه الوظائف اصبحت "مهددة" في حال تواصل توقف الانتاج. وبدأ في الثالث من نيسان/أبريل 2017 اعتصام قرب منشأة "الكامور" النفطية في تطاوين "ثم توسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل عدة مناطق بولاية قبلي" وفق بيان نشرته وزارة الطاقة. بحسب فرانس برس.

ومنذ 23 نيسان/أبريل الماضي، يمنع معتصمو الكامور عبور الشاحنات والسيارات الى حقول النفط في صحراء تطاوين. ويطالب هؤلاء بتوظيف آلاف من سكان تطاوين في حقوق البترول وتخصيص 20 بالمئة من عائدات الانتاج لولاية تطاوين وهي مطالب وصفتها الحكومة بـ"التعجيزية". وكلف الرئيس الباجي قائد السبسي الجيش حماية مناجم الفوسفات وحقول البترول والغاز من اي تحركات احتجاجية قد تعطل انتاجها. وقتل المتظاهر أحمد السكرافي (21 عاما) عندما صدمته سيارة درك "على وجه الخطأ" (وفق وزارة الداخلية) خلال مواجهات بين قوات الدرك ومعتصمين قبالة منشأة الكامور النفطية.

من جانب اخر طالب وزير التكوين المهني والتشغيل عماد الحمّامي، خلال جلسة عمل انعقدت، بمقر وزارة التكوين المهني والتشغيل، حول إعتصام الكامور، طالب بفضّ الاعتصام الذي تسبّب على حدّ قوله في خسائر قُدّرت بـ 400 مليون دينار لحدود 15 ماي. هذه الخسائر الماديّة أوضح الحمّامي أنّها كانت في شكل خطايا لعدم قدرة الشركات البترولية على التّعهد بالتزاماتها نحو حرفائها..

وشدّد الحمّامي على أنّه أمام هذه الوضعية قد تضطّر الدولة للترفيع في أسعار المحروقات، مشيرا إلى أن الشركات البترولية بدورها تهّدد بمغادرة تونس. كما أشار وزير التكوين المهني والتشغيل، إلى تمسّك الحكومة بتنفيذ الـ 64 قرار الذي أعلن عنهم يوسف الشاهد لدى زيارته لولاية تطاوين، معلنا في السياق ذاته عن إحداث لجنة لمتابعة إنجاز المشاريع تجتمع بشكل دوري بين تونس وتطاوين.

اعتقالات واتهامات

في السياق ذاته اعتقلت السلطات التونسية ثلاثة رجال أعمال أحدهم كان مرشحا سابقا لرئاسة الجمهورية، وكان آخر ضابطا في الجمارك "تورطوا" في قضايا فساد وتهريب وفي المس بالأمن القومي عبر التحريض وتمويل احتجاجات ومظاهرات مناهضة للحكومة، وفق ما أفاد مسؤول رفيع المستوى.

وقال المسؤول طالبا عدم إيراد اسمه "تم بموجب قانون الطوارئ (المطبق منذ أكثر من عام ونصف) إلقاء القبض على (رجال الأعمال) شفيق جراية وياسين الشنوفي ونجيب بن إسماعيل، ورضا العياري المسؤول في الديوانة (الجمارك) ووضعهم تحت الإقامة الجبرية". وأوضح أن الموقوفين الأربعة "تورطوا في جرائم فساد وتهريب والمساس بأمن الدولة بعد أن حرضوا ومولوا احتجاجات بمنطقة الكامور من ولاية تطاوين (جنوب)، واحتجاجات حصلت في وقت سابق بمناطق أخرى".

وأضاف أن "بن إسماعيل تم توقيفه في بن قردان (جنوب) عندما كان يحاول الهرب" إلى ليبيا المجاورة. وأفاد أن قوات الأمن "داهمت في ساعة متأخرة منزل شفيق جراية" في حي البحيرة الراقي شمال العاصمة تونس من دون إضافة تفاصيل. ورفض المصدر الكشف عن مكان احتجاز الموقوفين. والشنوفي وبن إسماعيل جمركيان سابقان دخلا عالم الأعمال، وفق وسائل إعلام محلية. وترشح الشنوفي للانتخابات الرئاسية في 2014. بحسب فرانس برس.

وكان شفيق جراية بائع خضراوات في صفاقس (وسط شرق) ثم أصبح بفضل "ذكائه" رجل أعمال يدير "مشاريع في أربع قارات بمئات المليارات" حسبما صرح في مقابلة مع تلفزيون "الحوار التونسي" الخاص في 23 تشرين الأول/اكتوبر 2016. ويومها قال جراية إنه "تعود" على وصفه في تونس بأنه "رمز من رموز الفساد" معتبرا أنه يتعرض لعملية "شيطنة". وأضاف أنه من "مناصري" وممولي حزب "نداء تونس" (أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي) الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي. وفور شيوع خبر اعتقال جراية والشنوفي اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في حين تصدر هذا الخبر معظم نشرات الأخبار.

اضف تعليق