الأزمة في فنزويلا وكما يرى بعض المراقبين، تزداد تعقيداً بسبب استمرار الاحتجاجات والاضطرابات، التي اودت بحياة اكثر من 60 شخصا وجرح 1000 آخرين منذ 4 نيسان/أبريل الماضي، يضاف الى ذلك وجود بعض التدخلات الخارجية وهو ما قد يسهم في تنفجر حرب أهلية، حيث تشهد فنزويلا أزمة سياسية حادة، حيث صوتت الجمعية الوطنية (البرلمان)، التي تسيطر عليها المعارضة، في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي لصالح بدء عملية إقصاء الرئيس نيكولاس مادورو عن منصبه، بينما اتهم مادورو المعارضة بمحاولة تنفيذ "انقلاب برلماني"، وفي وقت لاحق أعلنت المحكمة العليا أن جميع قرارات الجمعية العامة الأخيرة تعتبر باطلة، هذا الامر اثار غضب وانتقاد بعض الدول ومنها الولايات المتحدة الامريكية، المتهمة ايضا بالتدخل في شؤون البلاد من خلال تقديم الدعم لأطراف مختلفة بهدف استمرار الازمة وبالتالي تحقيق مكاسب خاصة.
وقد حذرت الولايات المتحدة الامم المتحدة من خطر ان تتحول الازمة السياسية في فنزويلا الى صراع واسع النطاق مماثل للوضع في سوريا وجنوب السودان. وقُتل العديد من الاشخاص في الاسابيع الاخيرة في اشتباكات بين القوات الفنزويلية والمعارضين للرئيس نيكولاس مادورو الذي يواجه انتقادات بسبب طريقة تعامله مع الازمة الاقتصادية والسياسية التي تعانيها البلاد.
وقالت السفيرة الاميركية في الامم المتحدة نيكي هايلي للصحافيين اثر مناقشات في مجلس الامن ان الوضع "لا يتحسن، ويصبح اسوأ، ونحن نحاول القول ان من الضروري ان يقول المجتمع الدولي احترموا حقوق الانسان الخاصة بشعبكم وإلا فإنّ (الوضع) سيَسير في اتجاه سبق أن رأينا آخرين كُثراً سلكوه". وكانت واشنطن طلبت عقد مشاورات خلال جلسة مغلقة لمجلس الامن، رغم اعتراضات اعضاء اخرين في المجلس اعتبروا ان الازمة في كراكاس لا تمثل تهديدا للامن الدولي.
ووفقا لهايلي، فإن الخطوة الاميركية هدفها تجنب حصول صراع وضمان أن يلقى الوضع في فنزويلا اهتماما من اعلى هيئة في الامم المتحدة. وتساءلت "لماذا لا نحاول حل المشكلة قبل أن تبدأ؟". وانتقدت كراكاس خطوة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، واتهمت واشنطن بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقال السفير الفنزويلي رافايل راميريز بعد الاجتماع "فنزويلا ستحل مشاكلها الداخلية، سنفعل ذلك بأنفسنا"، مضيفا "لن نقبل بالتدخل". وكانت هايلي اعتبرت في وقت سابق أنّ فنزويلا باتت "على شفير ازمة انسانية"، وحضت المجتمع الدولي على العمل معا "لضمان أن يضع مادورو حداً لهذا العنف والقمع، وأن تتم استعادة الديموقراطية".
عقوبات امريكية
وفي هذا الشأن قال مسؤولون أمريكيون إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرضت عقوبات على أكبر قاض في فنزويلا وسبعة آخرين من أعضاء المحكمة الفنزويلية العليا لحلها البرلمان الذي تقوده المعارضة. وتهدف مجموعة العقوبات الجديدة إلى تصعيد الضغط على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو اليسارية وحلفائه وسط قلق متنام حيال قمع الاحتجاجات ومساعيه لإحكام قبضته على الحكم.
وردا على هذا الإجراء، أدانت وزيرة الخارجية الفنزويلية ديلسي رودريجيز في تغريدة على موقع تويتر قائلة "إنه لأمر مشين وغير مقبول من الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على دولة مستقلة ذات سيادة في انتهاك للقوانين الفنزويلية والدولية". وواجه قرار حل الجمعية الوطنية التي هيمنت عليها المعارضة بعد أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في عام 2015 احتجاجا دوليا. وحدث تراجع جزئي عن القرار غير أن ذلك لم يوقف الاحتجاجات.
وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين "يعاني الشعب الفنزويلي من اقتصاد متداع نتيجة سوء الإدارة والفساد في الحكومة. وفاقم أعضاء المحكمة العليا الوضع بالتدخل المستمر في عمل السلطة الشريعية". وأضاف "بتوقيع هذه العقوبات تدعم الولايات المتحدة الشعب الفنزويلي في جهوده لحماية ودفع الحكم الديمقراطي في بلاده". وتحدث مادورو في التلفزيون لمدة ساعتين عقب فرض العقوبات لكنه لم يتطرق لها. بحسب رويترز.
وحذر مسؤول أمريكي بارز من إجراء إضافي ضد من وصفهم "بالعناصر الخبيثة" إذا لم تتغير سياسة الدولة لكن العقوبات لم تستهدف حتى الآن القطاع النفطي في فنزويلا وهي مزود رئيسي للولايات المتحدة بالنفط. وقال السناتور الجمهوري ماركو روبيو، الذي سعى لفرض مزيد من العقوبات، إن الإجراء رسالة "لمادورو وبلطجيته بأن تصرفاتهم لن تمر دون عقاب".
الى جانب ذلك قالت السلطات في فنزويلا إن مسلحين قتلوا قاضيا رميا بالرصاص عند حاجز على أحد الطرق في أحدث واقعة في الاضطرابات المناهضة للحكومة. وقال مكتب المدعي العام إن نيلسون مونكادا (37 عاما) قتل وسرقت متعلقاته لدى محاولته الفرار من حاجز في حي إلبارايسو في كراكاس الذي يشهد اشتباكات بصورة متكررة.
وقالت مواقع إخبارية محلية على الإنترنت إن الواقعة تبدو عملية سطو في حين أشارت مواقع أخرى إلى إنه ترأس محكمة نظرت قضية مقتل متظاهر خلال موجة أخرى من الاحتجاجات المناوئة لمادورو في 2014. وتطالب المعارضة في فنزويلا بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لاختيار رئيس بدلا من الرئيس الاشتراكي الذي لم يعد يحظى بشعبية ويتهمه خصومه بتدمير اقتصاد الدولة العضو في أوبك وبتحوله إلى ديكتاتور. ويصف مادورو (54 عاما) معارضيه بأنهم يروجون لانقلاب ويسعون للإطاحة به بالقوة بدعم من الولايات المتحدة مثل الإطاحة لفترة وجيزة بسابقه الرئيس الراحل هوجو تشافيز في 2002.
البرلمان الأوروبي والازمة
من جانب اخر قال رئيس البرلمان الأوروبي الإيطالي "أنطونيو تاجانى" وكما نقلت بعض المصادر، إن جهود الوساطة فى فنزويلا لم تسفر عن النتائج المتوقعة، لذلك فلابد من اتخاذ إجراءات ملموسة"، وبدأ رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، فى التفكير بفرض عقوبات على الحكومة الفنزويلية والإجراءات التى يمكن اتبعها.
ووفقا لصحيفة "إيه بي سي" الإسبانية، فإن رئيس البرلمان الأوروبي حث الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على حكومة نيكولاس مادورو المتهمة بالعمل على تعزيز النظام الاستبدادي فى فنزويلا، ووصف تاجانى أيضا خطط مادورو بأنها "انقلاب". وقال تاجانى إن "الوضع يزداد سوءا، لذلك فإنه لابد من التوصل لحلول أخرى، موضحا أن البرلمان الأوروبي لا يمارس أي "تدخل" فى فنزويلا، مشددا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يكون غير مبال لانتهاكات حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية التي تعيش في البلد الواقع فى أمريكا اللاتينية.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يجب عليه التوصل لتدابير محددة ضد الجهات اتى تتبع القمع، وتجنب اتخاذ أى تدابير عامة يمكن أن تؤثر على الشعب الفنزويلي. وكان رئيس البرلمان الفنزويلي، خوليو بورخيس، الذى يمثل المعارضة طلب من نظيره رئيس البرلمان الأوروبى فرض عقوبات ضد نظام الرئيس نيكولاس مادورو، ووفقا لبورخيس فإن اقتراح الرئيس مادورو بإنشاء جمعية تأسيسية لا يهدف من جانب آخر إلا إلى تعزيز نظامه السلطوى ولا يؤدى إلا إلى زيادة العنف. وقال بورخيس أن "فكرة إنشاء جمعية تأسيسية ليس سوى وسيلة لتمديد الانقلاب فى فنزويلا". وحذر من أن جمعية غير منتخبة تقام بدون الرجوع إلى الشعب الفنزويلي "لا تؤدى سوى إلى مزيد من الانقسام ومشاكل أكثر وعنف أكثر في البلاد".
من جانب اخر تعهد الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو بأن الشعب سيكون له الكلمة الأخيرة في رفض أو قبول الدستور الجديد. ونقلت قناة (روسيا اليوم) الناطقة باللغة الانجليزية اليوم الجمعة عن مادورو قوله في خطاب إنه سيتم إجراء استفتاء بشأن الدستور الجديد حتى يقول الشعب إذا كان يوافق أم لا على الدستور الجديد المعزز. وأضافت القناة أن مادورو لم يعط مزيدا من التفاصيل بشأن الموعد المقترح للاستفتاء، إلا أنه أشار إلى أن عملية تشكيل الجميعة التأسيسة الوطنية المنوطة بصياغة الدستور الجديد تجرى على قدم وساق. وكانت كبيرة المدعين العامين في فنزويلا لويزا أورتيجا قد قالت إن الخطط من أجل تشكيل جمعية تأسيسية لإعادة صياغة الدستور الحالي تهدد بالقضاء على الديمقراطية.
تمويل الدكتاتورية
على صعيد متصل وجه متظاهرون في نيويورك انتقادات الى غولدمن ساكس بعدما اكد بنك الأعمال الاميركي انه اشترى الدين الفنزويلي وقدم بذلك جرعة اوكسيجين الى حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، فيما تزداد التحركات الاحتجاجية في هذا البلد. وعلى وقع هتافات "غولدمن ساكس، عار عليك" و"غولدمن ساكس يدعم ديكتاتورية مادورو"، تظاهر اربعون شخصا يحملون لافتات واعلاما فنزويلية، امام مقر المصرف في مانهاتن. وقد اشترى سندات لشركة النفط الوطنية الفنزويلية.
وفي بريد الكتروني، رد غولدمن ساكس الذي يرمز في نظر منافسين كثيرين لوول ستريت، الى جشع التمويل "اننا نستثمر في سندات لشركة النفط الوطنية الفنزويلية لاننا نعتبر على غرار كثيرين في قطاع ادارة الاصول ان الوضع في البلد سيتحسن عما قريب". واضاف "اشترينا هذه السندات الصادرة في 2014 من خلال وسيط، ولم نجر (بالتالي) اي اتصال بالحكومة الفنزويلية". لكنه اوضح انه يعترف بأن "فنزويلا تواجه ازمة".
وقد اشترى غولدمن ساكس ب 2,8 مليار دولار سندات اصدرتها شركة النفط الوطنية الفنزويلية لطرف ثالث في السوق الثانوية، اي عن طريق الاتفاق المتبادل. ودفع المصرف 861 مليون دولار، كما قال مصدر قريب من الملف. ويفترض ان تتيح له هذه الصفقة تحقيق قيمة مضافة كبيرة، اذا ما اوفت الحكومة الفنزويلية بالتزاماتها.
وانتقد ادواردو لوغو (23 عاما) الذي نظم التظاهرة امام مقر غولدمن ساكس، الاتفاق، وقال ان "هذا الاتفاق غير اخلاقي. انه يدوس مصالح الشعب الفنزويلي المقموع منذ اشهر لانه يطالب بالحرية والديموقراطية". واضاف هذا الفنزويلي الذي يقيم في نيويورك منذ اربع سنوات، ان "شراء سندات دم فنزويلا وبؤسها، يعني سحق الشعب الفنزويلي ودعم الانتهاك المنهجي لحقوق الانسان". بحسب فرانس برس.
وتعتبر الفنانة ديانا كارفالو (65 عاما) التي تعيش بين كراكاس ونيويورك، ان "غولدمن ساكس قام بصفقة جيدة على حساب حياة" الفنزويليين. واضافت ان "هذا المال سيستخدم لشراء الغاز المسيل للدموع واسلحة ورصاص للقمع". ويريد ادواردو وديانا ان تفتح وزارة العدل الاميركية تحقيقا حول هذه الصفقة، التي انتقدها ايضا المعارضون في فنزويلا وتظاهروا بالالاف في شوارع كراكاس ، لزيادة الضغط على رئيس الدولة ومشروعه اصلاح الدستور المثير للجدل. وقد لقي ستون شخصا مصرعهم واصيب حوالى الالف منذ انطلاق هذا التحرك الاحتجاجي في الاول من نيسان/ابريل، كما تفيد حصيلة اخيرة للنيابة العامة.
من جانب اخر اتهم رئيس الكونجرس الذي تقوده المعارضة في فنزويلا بنك جولدمان ساكس الأمريكي بأنه "يساعد ويحرض نظام الحكم الدكتاتوري في البلاد" وكتب خوليو بوجيس في رسالة إلى لويد بلانكفاين رئيس جولدمان ساكس يقول "شريان الحياة المالي الذي قدمه جولدمان ساكس للنظام الحاكم سيعمل على تقوية القمع الوحشي الذي أطلق ضد مئات الآلاف من الفنزويليين ممن يحتجون سلميا للمطالبة بتغيير سياسي في البلاد."
وأضاف قائلا "بالنظر إلى الطبيعة غير الدستورية لإدارة نيكولاس مادورو وعدم استعدادها لإجراء انتخابات ديمقراطية وانتهاكها الممنهج لحقوق الإنسان أشعر باستياء أن جولدمان ساكس قرر الدخول في هذه الصفقة". وتضيف الرسالة أن الكونجرس سيفتح تحقيقا في الصفقة وأنه سيوصي "أي حكومة ديمقراطية في فنزويلا مستقبلا بألا تعترف أو تدفع هذه السندات". وقال متحدث باسم جولدمان ساكس إن البنك يمتنع عن التعقيب.
اضف تعليق