q

عاد ترامب للولايات المتحدة بعد جولة خارجية استغرقت تسعة أيام، انتهت هي الاخرى بطريقة مثيرة وغريبة ليجد في انتظاره الكثير من المشكلات والازمات. حيث قلب ترامب وبحسب بعض المصادر، موازين السياسات الخارجية الأمريكية التقليدية رأسا على عقب خلال الجولة التي تضمنت عدة محطات في الشرق الأوسط وأوروبا مشيدا بقادة في الشرق الأوسط لهم سجلات مثيرة للجدل في حقوق الإنسان في الوقت الذي اثار غضب وقلق الحلفاء في اوروبا وطالبهم بدفع المزيد من الأموال من أجل الدفاع عن دولهم.

عاد ترامب من جديد ليواجه كثيرا من المشكلات والتحديات التي كان قد تركها خلفه قبل جولته وأهمها تلك المتعلقة بالتحقيقات الجارية حول إمكانية وجود علاقات بين حملته ومسؤولين روس وصلت إلى حد أن أحد المسؤولين الحاليين في إدارته قد تلقي أموالا من الروس. وقد أظهر استطلاع خاص أن شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هوت لأدنى مستوى لها منذ تنصيبه بعد اتهام ترامب بإساءة التعامل مع معلومات سرية والتدخل في تحقيق لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي). وخلص الاستطلاع إلى أن 38 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع يؤيدون ترامب فيما كان 56 بالمئة معارضون له أما الستة بالمئة الباقين فكانت لديهم آراء مختلطة بشأنه.

من جانب اخر تشهد أسواق المراهنات على الإنترنت حركة متزايدة على رهانات تتوقع مساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بغرض عزله في أعقاب الجدل المرتبط بعزل جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي). وفي سوق بريدكت إت للتوقعات السياسية والمالية على الانترنت سجلت احتمالات مساءلة ترامب في العام الجاري رقما قياسيا وصل إلى 30 في المئة وذلك نتيجة المشاركة الكبيرة.

وسجلت النسبة بعد تقارير عن مذكرة كتبها كومي قال فيها إن ترامب طلب منه إنهاء تحقيق مكتب التحقيقات الاتحادي في اتصالات بين مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق مايكل فلين وروسيا. ووصل عدد المراهنات إلى رقم قياسي بلغ 60700 مقارنة مع 5500. وقالت (بتفير) البريطانية للمراهنات إن مقامرين راهنوا بأكثر من خمسة آلاف جنيه إسترليني (6470 دولارا) على الرحيل المبكر لترامب بعد ساعات من نشر تقرير ذكر أن ترامب طلب من كومي إغلاق التحقيق بشأن روسيا.

أزمة وعزلة متزايدة

وفي هذا الشأن يبدي جمهوريون من حزب ترامب في الكونجرس إشارات على أنهم يتصرفون وفقا لأهوائهم فيما يخص السياسة وطرق ممارستها مع تصميمهم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجندتهم في مجالات مثل الرعاية الصحية والإصلاحات الضريبية في أعقاب واحد من أصعب الأسابيع التي شهدتها رئاسة أمريكية. وفي ذات الوقت فإن فشل ترامب في تعيين من يشغلون مناصب عليا في وكالات اتحادية يعني أنه يفتقر لكوادر تدين له بالولاء يمكن أن تساعده في كبح جماح جهات حكومية يعتقد الكثيرون في الدوائر المقربة من ترامب أنهم يسربون معلومات بهدف إلحاق الضرر بسمعة الرئيس. وزاد ذلك من حدة عزلة البيت الأبيض في مدينة تعتمد على الأصدقاء والحلفاء للخروج من أزمة.

والنتيجة هي مشكلات على عدة جبهات. حكومة تتعرض علاقاتها بالكونجرس وبالوكالات الاتحادية وصورتها العامة لشروخ متزايدة وبرنامج إصلاحات طموح لكنه معطل ورئيس تهدد نسب شعبيته الآخذة في التدني بفقدان حزبه للأغلبية في الكونجرس في انتخابات نصفية تجرى العام المقبل. ويقول مساعدون في البيت الأبيض إن ترامب وأعضاء فريقه يشعرون أنهم محاصرون بوابل من القصص السلبية وأن الجمهوريين في الكونجرس تخلوا عنهم في الوقت الذي لم تظهر فيه أي علامة تذكر على تراجع الغضب من إقالة مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) جيمس كومي ومزاعم بمحاولة ترامب التأثير على تحقيق في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة العام الماضي.

ومنذ نشر مقتطفات مسربة مما قيل إنها مذكرة تفصيلية من كومي لمحادثاته مع ترامب لم يسارع إلا القليل من الجمهوريين من خارج البيت الأبيض إلى الدفاع علنا ضد إشارات على اتهام للرئيس بإعاقة العدالة عندما طلب من كومي إنهاء التحقيق في أداء مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين.

ومع دخول التحقيق في الصلات بروسيا مرحلة جديدة بتعيين مدير إف.بي.آي السابق روبرت مولر مستشارا خاصا للتحقيق وهي خطوة ستضع البيت الأبيض على الأرجح محل المزيد من التمحيص عبر جمهوريون عن دهشتهم من عدم بذل البيت الأبيض لمزيد من الجهود لتكليفهم بحماية الرئيس. وقال السناتور جيمس إنهوف وهو جمهوري من ولاية أوكلاهوما "الأمر هزلي نوعا ما. الإجابة لا... لا أعرف أي شخص آخر أيضا تواصلوا معه". ولم يستجب البيت الأبيض لطلب بالتعليق على هذه القصة.

وظلت الإدارة الأمريكية تواجه صعوبات جمة في شغل مئات من المناصب الشاغرة في مستويات عليا في الحكومة الأمر الذي جعل البيت الأبيض وحيدا في مجابهة التحديات. على سبيل المثال ما زالت مواقع بارزة في وزارة العدل شاغرة من بينها رئاسة إدارات مكافحة الاحتكار والحقوق المدنية والجنائية إضافة إلى مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات وذلك وفقا لموقع الوزارة على الإنترنت والوضع كذلك في وزارتي الأمن الداخلي والتعليم.

وشكا ترامب مرارا من أن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يعطلون عملية التصديق على مرشحيه للمناصب. لكن البيت الأبيض كان أبطأ من إدارات سابقة أيضا في إرسال المرشحين لمجلس الشيوخ. وهناك مواقع قيادية في وزارة الخارجية شاغرة أيضا ونتيجة لذلك قال عدة مسؤولين إن خبراء الوزارة لم يقوموا بالكثير لإبلاغ ترامب بالمعلومات الضرورية التي يحتاجها في محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا لاجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والسفير سيرجي كيسلياك وهي مواقف قال عنها مسؤولون إنه أفشى خلالها معلومات مخابراتية سرية.

ويقول مسؤولون في وزارة الخارجية وفي أجهزة المخابرات إن تركز السلطة بشكل متزايد في يد قلة من المخلصين لترامب في البيت الأبيض قلص من أدوار المحترفين في الخارجية والمخابرات والدوائر الحكومية مقارنة بأدوارهم في عهد إدارات سابقة. وتسبب الافتقار إلى التواصل مع البيت الأبيض في شعور كثيرين من الجمهوريين في الكونجرس بالإحباط فيما خيم شعور بالأزمة على الأسبوع المنصرم. وشكا أحدهم علنا من الأمر وهو ريتشارد بور رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ التي تجري تحقيقا منفصلا بشأن الصلات مع روسيا.

إذ قال بور بعد أنباء عن كشف ترامب عن معلومات سرية لمسؤولين روس إنه لم يتمكن من الاتصال بالبيت الأبيض فيما كانت القصة تشعل البرامج الإخبارية على التلفزيون ومواقع التواصل على الإنترنت. وقال "ربما هم مشغولون". وقال بعض الجمهوريين إن التركيز المستمر على الرد على مزاعم متعلقة بالتحقيق الروسي تستنفد طاقتهم المطلوبة للدفع بأجندتهم. وقال أحد المستشارين إن أعضاء جمهوريين في الكونجرس بدأوا، في ظل عدم وجود توجيهات، في اللجوء لاستراتيجياتهم الخاصة بشأن سبل الرد على سيل الأنباء السيئة. بحسب رويترز.

وفي البيت الأبيض الذي تبدو فيه قنوات الاتصال مع الكونجرس متقطعة في بعض الأوقات هبت دائرة ضيقة من الأشخاص للدفاع عن الرئيس مع مكافحة كبار الموظفين للتعامل مع الموقف ليس فقط بسبب وابل من الأنباء الآخذة في التكشف لكن بسبب تصريحات الرئيس على تويتر التي تتناقض أحيانا مع حججهم أيضا. وقال مستشار في البيت الأبيض "الجميع متعبون فحسب".

ترامب والحلفاء

من جانب اخر وفي قمة لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في منتجع تاورمينا في جزيرة صقلية رفض ترامب التماسات من الدول الست الأخرى الحليفة لبلاده لمواصلة الدعم الأمريكي لاتفاق باريس للمناخ وأصر على أنه بحاجة لمزيد من الوقت لاتخاذ قرار بهذا الشأن. وفي حظيرة للطائرات في قاعدة سيجونيلا البحرية في صقلية أشادت ميلانيا بزوجها ترامب بعد أن صدته مرتين علنا خلال الجولة عندما رفضت أن يمسك يدها. وقالت "زوجي بذل جهدا كبيرا في هذه الرحلة وأنا فخورة به جدا".

وأعلن ترامب بعد هبوط طائرته الهليكوبتر قادمة من تاورمينا بعد يومين من اجتماعات قمة مغلقة أن رحلته تكللت بالنجاح. وقال ترامب إنه ساعد على تكثيف التعاون الدولي في مجال الحرب على المتشددين الإسلاميين وهو تهديد قال إنه اتضح أكثر في هجوم انتحاري استهدف مانشستر في انجلترا وفي قتل مسيحيين في مصر. وأضاف "كان اجتماعا مثمرا بقوة عززت فيه من الروابط الأمريكية... لدينا روابط عظيمة مع دول أخرى ومع بعض أقرب حلفائنا. أنهينا أسبوعا تاريخيا بحق".

وفوت ترامب مؤتمرا صحفيا تقليديا كان سيعقد في نهاية الجولة لتجنب مواجهة أسئلة عن حزمة من المشكلات سيواجهها لدى عودته إلى واشنطن في وقت لاحق. وأثارت إقالته في التاسع من مايو أيار لمدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) جيمس كومي مخاوف عما إذا كان يحاول إجهاض تحقيق اتحادي عن صلات حملته مع روسيا خلال العام الماضي.

وتصاعدت الشكوك والتساؤلات في أعقاب الكشف عن أن مستشاره البارز وصهره جاريد كوشنر تواصل مع دبلوماسيين روس في ديسمبر كانون الأول بشأن فتح قناة خلفية سرية للاتصالات مع موسكو. واستخدم ترامب رحلته للترويج لسياساته التي تضع "أمريكا أولا" وأبرم صفقات سلاح بأكثر من 110 مليارات دولار مع السعودية وأبلغ حلفاءه في مجموعة السبع بأن الولايات المتحدة تحتاج للمزيد من التكافؤ في مجال التجارة. بحسب رويترز.

وطالب ترامب حلفاءه في حلف شمال الأطلسي بدفع المزيد من الأموال لتمويل نفقات دفاعهم فيما رفض أن يبدي تأييدا صريحا من بلاده للبند الخامس من ميثاق الحلف الذي يتطلب من كل دولة الدفاع عن باقي الدول الأعضاء. وكان دفعه جانبا لرئيس وزراء الجبل الأسود ليأخذ موقعا في صورة جماعية موضوعا للعناوين الرئيسية في أنحاء أوروبا. وفي سيجونيلا قال ترامب إن مطالباته لحلفاء بلاده في حلف شمال الأطلسي بدفع المزيد تؤتي ثمارها. وقال "بدأت الأموال تتدفق... هذا أمر عادل بالنسبة للولايات المتحدة. نقف خلف الحلف للنهاية. لكن نريد أن نعامل بإنصاف".

في السياق ذاته قال وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، إن الولايات المتحدة لم يعد لها دور قيادي بالغرب تحت قيادة دونالد ترامب، في حين اعتبر مارتن شولتز، زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين بالبلاد، أن رئيس أمريكا "يفضل الابتزاز السياسي على الدبلوماسية".

غابرييل قال، في تصريحات للصحفيين من برلين: "أعتقد أن واشنطن لم يعد لها دور قيادي في العالم الغربي تحت قيادة ترامب"، بحسب ما نقلته صحيفة "دي فيلت" اليمينية الألمانية. وأضاف: "ما حدث في قمة مجموعة السبع للأسف مجرد إشارة على التغير في موازين القوى بالعالم". ومضى قائلاً: "الولايات المتحدة تفشل تحت قيادة ترامب في أن تكون أمة مهمة"، مضيفاً أن الغرب "يصبح أصغر قليلاً"، في إشارة إلى ابتعاد واشنطن عن أداء دور في العالم الغربي، وانتهاجها سياسة "انعزالية"، بحسب مراقبين.

من جانبه، شن مارتن شولتز، زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا، هجوماً حاداً على ترامب، قائلاً: إنه "يفضل الابتزاز السياسي على الدبلوماسية"، في مقال لصحيفة "تاغس شبيغل" المحلية. وذكر شولتز، الذي ينافس أنجيلا ميركل على منصب المستشار بالانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، أن "الرئيس الأمريكي يعول على الانعزال والحق المزعوم للأقوى، وليس التعاون الدولي".

اضف تعليق