مع اقتراب موعد الاستفتاء الشعبي في تركيا حول تعديل بعض النصوص الدستورية، التي ستمنح الرئيس التركي صلاحيات واسعة وجديدة، زادت حدة التصعيد والتوترات بين انقرة وبعض الدول الاوروبية، حيث صعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من حدة تصريحاته ضد أوروبا بشكل غير مسبوق، ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية، عن أردوغان تحذيرا لقادة دول الاتحاد الأوروبي، قائلا: عليهم ألا ينسوا بأن من يدخل الجحر مع الأفعى لن يسلم من لدغها، فالأسلحة التي يعطونها للإرهابيين سيأتي يوم وتُشهر في وجههم، وفق اتهامه. وسبق لأردوغان استخدامه لمصطلحات مثل النازية و الفاشية واتهمامات بدعم الإرهاب لحكومات دول أوروبية، قامت بممارسات تضييق على الأتراك جراء الاستفتاء القريب. وصرح الرئيس التركي في وقت سابق، بأن التصويت بـ”نعم” سيعني بداية قطيعة مع أوروبا.
وثار غضب أردوغان بسبب تحركات في ألمانيا وهولندا والنمسا وسويسرا لمنع وزراء أتراك من إلقاء كلمات في تجمعات الأتراك المغتربين قبل الاستفتاء الذي سيمنح الرئيس صلاحيات تنفيذية واسعة. وقالت لجنة من خبراء قانونيين في مجلس أوروبا إن التعديلات الدستورية التي تقترحها تركيا لتوسيع سلطات الرئيس ستكون "خطوة خطيرة إلى الوراء" للديمقراطية. وقال بيان صادر عن اللجنة إن التعديلات ستمنح الرئيس "سلطة حل البرلمان لأي سبب كان وهو شيء دخيل على أسس الأنظمة الرئاسية الديمقراطية". ويقول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه يريد رئاسة تنفيذية قوية لضمان الاستقرار ومنع عودة ائتلافات الحكم الهشة التي شهدتها العقود السابقة.
ويقول معارضون إن التغيير سيدفع تركيا نحو حكم الرجل الواحد وتآكل الحقوق والحريات الأساسية. والرأي القانوني للجنة مجلس أوروبا ليس له سلطة إلزامية على تركيا التي انضمت في 1950 إلى المجلس المؤلف من 47 دولة. وتجري تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والبالغ عدد سكانها 80 مليون نسمة استفتاء على التعديلات الدستورية في 16 أبريل نيسان ويحتاج إقرارها إلى أغلبية بسيطة بعد أن وافق عليها البرلمان في يناير كانون الثاني وصادق عليها إردوغان الشهر الماضي.
وستمكن التعديلات الرئيس من إصدار مراسيم وإعلان حالة الطوارئ وتعيين وزراء وكبار مسؤولي الدولة وحل البرلمان. ويقول أكبر حزبين في المعارضة إن التعديلات المقترحة ستلغي توازنات أخل بها بالفعل النفوذ الذي يمارسه إردوغان على الحكومة. وقال خبراء مجلس أوروبا إن لديهم مخاوف من بنود تسمح للرئيس بممارسة السلطات التنفيذية منفردا "بتعيين وإقالة الوزراء وتعيين وفصل كبار مسؤولي الدولة بسلطة لا تخضع للرقابة وعلى أساس معايير يحددها وحده."
أفضل رد
وفي هذا الشأن اعتبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان التصويت بـ"نعم" في الاستفتاء المرتقب الشهر المقبل حول توسيع صلاحياته يشكل "أفضل رد على اعداء تركيا" وذلك في إطار الازمة الدبلوماسية مع هولندا والاتحاد الاوروبي. وقال اردوغان في خطاب ألقاه في انقرة "ان أمتنا ستقدم في 16 نيسان/ابريل أفضل رد عبر صناديق الاقتراع" متهما هولندا بممارسة "ارهاب دولة" بعد منعها وزيرين تركيين من المشاركة في تجمعات مؤيدة له على اراضيها. كما حذر من اجراءات اضافية ضدها بعدما قطعت أنقرة الاثنين كل الاتصالات الرفيعة المستوى مع لاهاي وأبقت على رفضها عودة السفير الهولندي.
وتابع الرئيس التركي "سنعمل" على اتخاذ اجراءات اضافية ضد هولندا مضيفا "هذه الاخطاء لن تحل بمجرد اعتذار". وكانت هولندا منعت السبت وزيرين تركيين من عقد تجمعات على اراضيها ما اثار ردا غاضبا من أنقرة. واضاف اردوغان "الضرر الاكبر هو لاوروبا والاتحاد الاوروبي من ارهاب الدولة التي اظهرته هولندا ". وكان اردوغان اثار غضب هولندا ايضا عبر قوله ان السلطات عمدت الى ممارسات "نازية"، لا سيما وان هولندا احتلت وتعرضت لقصف النازيين في الحرب العالمية الثانية.
وتطرق اردوغان ايضا الى موضوع حساس آخر وهو مجزرة سريبرينيتسا في البوسنة عام 1995 حين فشل جنود حفظ السلام الهولنديون العاملون ضمن الامم المتحدة في منع وقوعها، في فصل لا يزال يشكل مأساة وطنية حتى الان. وقال اردوغان ان "هولندا والهولنديين، نعرفهم من خلال مجزرة سريبرينيتسا. نعلم الى اي حد تصل أخلاقياتهم من خلال تعرض ثمانية الاف بوسني لمجزرة". واضاف "نعلم هذا الامر جيدا. يجب الا يعطينا أحد درسا في التحضر". بحسب فرانس برس.
وندد رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي بتصريحات اردوغان حول مجزرة سريبرينيتسا واعتبرها "تزويرا بغيضا للتاريخ". وقال روتي "انه يواصل تصعيد الوضع، لن ننزل الى هذا المستوى. هذا أمر غير مقبول على الاطلاق" كما نقلت عنه وكالة الانباء الهولندية. واضاف لاحقا لمحطة تلفزيون خاصة ان لهجة اردوغان "اصبحت اكثر هستيرية" موضحا "هذا أمر غير معتاد وغير مقبول". وكان حوالى ثمانية آلاف من رجال وفتيان البوسنة قتلوا ووضعت جثثهم في مقابر جماعية خلال المجزرة التي تعتبر اسوأ الفظاعات المرتكبة في اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
تركيا ترفض
الى جانب ذلك رفضت تركيا يوم تقريرا قانونيا أوروبيا يصف التعديلات الدستورية المقترحة فيها بأنها انتكاسة كبيرة للديمقراطية وقالت إن اللجنة التي وضعته أصبحت مسيسة وإن التقرير لطخ سمعتها. ودب خلاف شديد بين تركيا وهولندا بسبب منع وزراء أتراك من إلقاء كلمات أمام تجمعات قبل استفتاء تركي على التعديلات. وتقول أنقرة إن الإصلاحات مطلوبة لضمان الاستقرار في البلد العضو في حلف شمال الأطلسي والذي تعيش فيه 80 مليون نسمة.
وكانت لجنة البندقية التي تضم خبراء قانونيين في مجلس أوروبا ذكرت أن التغييرات المقترحة التي ستعزز كثيرا من صلاحيات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تمثل "خطوة خطيرة للوراء" بالنسبة للديمقراطية. ويقول خصوم إردوغان إن التغييرات ستدفع بتركيا في اتجاه حكم الفرد الواحد وستقوض الحقوق والحريات الأساسية.
وقال وزير العدل التركي بكر بوزداج على تويتر "لا قيمة ولا قدر لهذا التقرير السياسي وغير الموضوعي على الإطلاق من وجهة النظر التركية." وأضاف "بهذا التقرير تتخلى لجنة البندقية عن موضوعيتها وخبرتها وتفقد حياديتها وتصبح مسيسة وتلطخ سمعتها." وتعطي التعديلات الرئيس سلطة إصدار المراسيم وإعلان حالة الطوارئ وتعيين الوزراء ومسؤولي الدولة وحل البرلمان. ويقول أكبر حزبان للمعارضة في تركيا إنها ستزيل القيود والتوازنات أمام سلطة إردوغان.
وقال بوزداج "انحازت لجنة البندقية لصف ’لا’ في الاستفتاء."وأضاف أن التقرير عكس آراء أحزاب المعارضة التركية وأن الشعب التركي سيرد على ذلك بالتصويت بنعم في الاستفتاء. وقالت اللجنة إن لديها مخاوف من مواد تسمح للرئيس الجديد بممارسة السلطة التنفيذية بمفرده "في ظل سلطة لا تخضع للإشراف لتعيين وإقالة الوزراء." وأضافت أن "النظام غير الكافي أصلا للإشراف القضائي على السلطة التنفيذية" يضعف. بحسب رويترز.
ويقول إردوغان إن التغيير السياسي مطلوب لمواجهة تهديدات أمنية من تفجيرات ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية والمسلحون الأكراد إلى محاولة انقلاب في يوليو تموز راح ضحيتها 240 شخصا على الأقل. والرأي القانوني للجنة التابعة لمجلس أوروبا، المكون من 47 دولة، غير ملزم لتركيا التي انضمت إليه عام 1950.
دور الضحية
على صعيد متصل اعتبر وزير الداخلية الالماني توماس دي ميزيير ان الحكومة التركية تسعى عبر "استفزازاتها" لاوروبا الى لعب دور "الضحية" للتأثير على نتيجة الاستفتاء المرتقب الشهر المقبل حول توسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب اردوغان. وقال الوزير الالماني للصحافيين في برلين ان الانتقادات الاخيرة الصادرة عن السلطات التركية "سخيفة وليس لها سوى هدف واحد وهو وضع تركيا في موقع الضحية لاثارة حركة تضامن لدى هؤلاء المتحفظين" على هدف الاستفتاء المرتقب في 16 نيسان/ابريل.
وكثف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هجماتها على المانيا اثر حظرها تجمعات دعم له في البلاد. واتهمها باعتماد ممارسات "نازية" كما هاجم شخصيا المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بقوله ان المانيا تؤوي ناشطين في سبيل القضية الكردية واشخاصا يشتبه في انهم ضالعون في الانقلاب الفاشل ضده في منتصف تموز/يوليو الماضي. ورد وزير الداخلية الالماني بالقول ان هذه الاتهامات "لا أساس لها من الصحة". واضاف "حين تسعى دولة ما الى ممارسة نفوذ سياسي هنا، فهذا الامر يجب ان يثير قلقنا جميعا". بحسب فرانس برس.
وانتقد الوزير الالماني تركيا لمحاولتها المس بمصداقية المانيا عبر "مقارنات بالنازية خالية من اي احترام" والسعي الى "تأجيج الخلافات بين الاتراك الموجودين على اراضينا" حيث تقيم جالية تركية تعد نحو ثلاثة ملايين شخص في البلاد بينهم 1,4 مليونا يمكنهم المشاركة في الاستفتاء. وحذر الوزير الالماني أنقرة قائلا "هناك حدود واضحة لمدى تسامحنا".
المعارضة والتعديلات
الى جانب ذلك توقع زعيم أكبر حزب تركي معارض أن يصوت غالبية الأتراك ضد تعديل دستوري يوسع صلاحيات الرئيس رجب طيب اردوغان، محذرا من أن التصويت بـ"نعم" سيؤدي الى شل الديموقراطية عبر تركيز السلطة في يد رجل واحد، وأشار رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو إلى أنه حتى أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم يقفون ضد الاقتراح الذي يرى أنه يهدد مستقبل تركيا.
وقال كيليتشدار اوغلو إن "النتيجة ستكون (لا) لأن هناك تساؤلات تطرح حتى ضمن ناخبي حزب العدالة والتنمية بشأن النظام المقترح". وأضاف أن "امتلاك شخص واحد لكل هذه السلطة والتأثير سيشكل خطرا على مستقبل تركيا". وفي 16 نيسان/ابريل، سيقرر الأتراك إن كانوا سيوافقون على تعديلات دستورية تلغي منصب رئيس الوزراء وتسمح للرئيس بتعيين المسؤولين الحكوميين بشكل مباشر، بمن فيهم الوزراء.
وفيما تدافع الحكومة عن التغييرات التي تعتبرها ضرورية من أجل استقرار البلاد، يقول منتقدوها، وبينهم كيليتشدار اوغلو، إنها ستفضي إلى حكم الرجل الواحد. وتشير استطلاعات الرأي ألى منافسة حادة بين الطرفين، اذ تنشر الصحف الموالية للحكومة استطلاعات تفيد بأن معسكر "نعم" يتقدم فيما تنشر صحف المعارضة عكس هذه النتائج. وتولى كيليتشدار اوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري في 2010، حاملا معه بعض الاستقرار للحزب الذي انتصر عليه العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع وأغرقته الفضائح.
لكن حزب الشعب فشل في ظل رئاسته في التقليل من هيمنة حزب العدالة والتنمية الإسلامي فيما لا يزال غير واضحا إن كان كيليتشدار اوغلو سيتمكن من الوقوف في وجه قوة الحزب الحاكم الهائلة في الاستفتاء هذه المرة. وسيبدأ الزعيم المعارض حملة بمسيرات في انحاء البلاد لإقناع الناخبين بالتصويت بـ"لا". ويظهر ملصق الحملة فتاة صغيرة تقف وخلفها شمس ملونة كتب عليها "من أجل مستقبلي، لا."
وسعى مسؤولو الحزب الحاكم والحكومة إلى شيطنة معارضي التعديل الدستوري خلال الحملة عبر وصمهم بـ"الارهابيين"، لكن كيليتشدار اوغلو يقول إن حزبه يستهدف النساء إلى جانب 1,7 مليون ناخب يقترعون لأول مرة. وأوضح "نريد أن نترك لأطفالنا ديموقراطية متطورة في تركيا وقضاء مستقلا، إضافة إلى إعلام حر لرسم وكتابة أي شيء (...) لأجل ذلك نقول (لا)". وأضاف أن قيام "نظام الرجل الواحد" في تركيا سيكون له عواقب "بالغة الضرر" ليس بالنسبة لبلاده فحسب، بل للدول الديموقراطية أينما كانت.
ويأتي الاستفتاء بعد اقل من عام على محاولة انقلاب عسكري في 15 تموز/يوليو لازاحة اردوغان عن السلطة أسفرت عن سقوط نحو 250 قتيلا. ودفع إفشال هذا المخطط الأحزاب التركية الى إظهار وحدة نادرة حيث حضر كيليتشدار اوغلو وزعيم حزب الحركة القومية اليميني، دولت بهجلي، مسيرة مناصرة لاردوغان في اسطنبول. وساعد تحالف حزب بهجلي مع الحكومة على تبني نص التعديل الدستوري في البرلمان في كانون الثاني/يناير. بحسب فرانس برس.
إلا أن كيليتشدار اوغلو رفض مساعدة الحكومة في تمرير النص منتقدا التعديلات الدستورية التي اعتبرها "تغييرا للنظام". ويرى زعيم الحزب الجمهوري أن مسودة الدستور المكونة من 18 بندا ستمنح الرئيس سيطرة فعالة على القضاء، والسلطات التنفيذية والتشريعية. "إذا لم يكن هناك استقلال قضائي وإذا بات من الممكن السيطرة على الأجهزة التنفيذية والتشريعية، فهذا يعني (...) أننا نلغي الديموقراطية." وأوضح كيليتشدار اوغلو ان "هذه السلطة في تاريخنا لم تعط حتى لمصطفى كمال أتاتورك" في إشارة إلى مؤسس تركيا الحديثة وحزب الشعب الجمهوري.
اضف تعليق