يتعرض العراق في المرحلة الراهنة الى جملة من المصاعب على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وسواها، ولعل المصدر أو السبب الأساس الذي أنتج هذه المصاعب وضاعف منها وأوغلَ في ديمومتها، هو الكره والذي يكنه آخرون (أعداء) للعراق والعراقيين، بالإضافة الى حالة الخوف من أن يقف العراق على قدميه في تجربة سياسية تنتهي الى بناء دولة قوية مستمرة ومجتمع موّحد منتج متطور.
لهذا حاول أعداء العراق ولا زالوا يحاولون زرع الفتن وبثّ الفرقة بين مكونات المجتمع العراقي، وعوّلوا كثيرا على تجزيء وتقسيم المجتمع والدولة العراقية على أساس الهويات الفرعية، وحاولوا بكل ما يمتلكون من وسائل خداع وإعلام وسياسات خبيثة ودسائس أن يشعلوا نيران الفتنة بين العراقيين بعضهم مع بعض، حتى يخلو لهم الجو، كي ينهبوا ويسرقوا كما يشاؤون، فيما ينشغل العراقيون بصراعاتهم الجانبية التي صنعها أساسا أعداؤهم.
ولكن مراجعنا العظام، ووجوه المجتمع الأفاضل، ومثقفوه والمفكرون وكل المعنيين، وقفوا بوجه هذه الأساليب الخبيثة بقوة، وفضحوا من يقف وراءها، وقدموا للعراقيين صورة واضحة للأعداء الذين لا يريدون لهم الخير ولا يتمنون لهم السعادة والاستقرار.
فقد جاء في تنبيه لسماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في هذا الإطار: (إن العدو اللدود يتربّص بالشعب العراقي المظلوم، ويحاول بشتّى الوسائل أن يشعل فتنة طائفية بينهم).
وبيَّن سماحته أن جميع هذه المحاولات التي تسعى لإشعال الفتنة بين العراقيين سوف تنتهي بالفشل، وقد استخلصنا من والوقائع السنوات التي مضت صحة هذه الرؤية، فقد أفشل العراقيون بالفعل رهانات أعدائهم على الطائفية، وذهب سعيهم سدى، ولا يزال العراقيون يكافحون من أجل ترصين وحدتهم، وزيادة لحمتهم، وتقوية حضورهم، وتوحيد صفوفهم، وكلمتهم، كي يكونوا بالنتيجة كالبنيان المرصوص.
لهذا فشلت جميع المحاولات البائسة في هذا الإطار كما أشار الى ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله الواضح: (مثل هذه الفتن لا تنتهي إلا بفشل الجميع، كما أنها تعبّد الطريق لهيمنة الضلال والانحراف، والظلم والفساد، كما ألمع إلى ذلك القرآن الحكيم حيث يقول : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)..
التزام الصبر والحلم
التسرّع لا يجدي نفعا، ولا يصل بأحد الى هدفه، خصوصا إذا كانت المصاعب تحيط به من كل حدب وصوب كالعراق والعراقيين، لهذا لا يمكن معالجة هذه الصعوبات الجمة إلا باعتماد الصبر والحلم والتأني والدقة في معالجة الأمور، والتعامل معها بعلمية ورؤية ثاقبة، خاصة عندما يتم التخطيط لهذه المصاعب في مطابخ أتقنت مثل هذه الأعمال العدائية القائمة على إثارة الفتن بين مكونات الشعوب على أسس الاختلاف في الرأي أو النظرة أو حتى العقيدة.
لهذا تحاول هذه الجهات أن تصطاد في الماء العكر بعد أن تلجأ الى سياسة خلط الأوراق التي غالبا ما ينتج عنها أجواء متداخلة من الغموض، ما يجعل رؤية الحقيقة أشد صعوبة وتعقيدا، وهذه هي الأجواء المناسبة لهم، حيث يحاول أعداء العراق من خلالها أن يمارسوا حرفتهم فيما يسمى (بالاصطياد في المياه العكرة) ولكن أثبت الزمن فشل هذا الأسلوب وعدم قدرته على التأثير في وحدة الصف العراقي المتماسك.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (لقد أثبت التاريخ أن مثل هذه الفتن باءت بالإخفاق لكل الأطراف، وسبّبت هدر الطاقات، وضياع الفرص الذهبية، واصطياد العدو المشترك في الماء العكر).
وهكذا نلاحظ أن الأساليب التي يتبعها أعداء العراق كثيرة ومتداخلة، وقد تكون غامضة، لاسيما أنها تُعدّ في دوائر لها خبرتها في مجال إثارة الفتن، من هنا بات لزاما على العراقيين، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، أن يتنبّهوا جيدا الى هذه المخططات التي تسعى دائما الى زرع الأحقاد وتحريك الضغائن بين أفراد الشعب الواحد، حتى يتاح لها أن تنفذ الى ما تريد من أهداف شريرة ومآرب تقوم على الشر وسلب حقوق الشعوب وخيراتها.
وهذا يستلزم من حكماء الأمة، وعقلاء العراق، أن يتنبّهوا للفتن، وأن يحيطوا بها، ويجنبوا الناس شرورها، فهذه مهمتهم، وهم أقدر من الآخرين على فهمها والتعامل معها وفضح أهدافها ومن يقف وراءها، كما أن عامة الشعب العراقي يسمع جيدا النصائح التي يقدمها لهم الحكماء من وجوه القوم، ومن نخب المجتمع بمختلف مكوناته.
لذا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي الجميع على ذلك قائلا: (ينبغي على الجميع ـ في هذه المرحلة الحساسة والعصيبة ـ التزام الصبر والحلم.. كما ينبغي تطويق الحكماء للفتن التي يراد إشعالها، والقضاء عليها في مهدها).
توحيد الكلمة واجب على الجميع
وبهذا يتضح العلاج لمن يرغب بمعرفة ذلك من وجوه المجتمع العراقي، ونخبه، ومن عامة الناس أيضا، فالحل كما يطرحه سماحة المرجع الشيرازي في مواجهة أعداء العراق، يكمن في توحيد كلمة المؤمنين، بل يذهب سماحته الى جعل هذه القضية واجبا على الجميع، أما كيف يمكن أن يتم توحيد الكلمة، فإن سماحته يطرح بعض الحلول الناجعة في هذا الإطار، فيؤكد على وجوب نبذ الخلافات بأنواعها كافة، لاسيما القبلية منها والإقليمية والفئوية، حتى تكون النتيجة الحتمية هي جمع العراقيين على رؤية واحدة وكلمة واحدة بخصوص مواجهة الأعداء.
وهكذا يصبح من العسير على من لا يريد الخير للعراقيين، أن يخترق صفوفهم، أو يبعثر موقفهم الموحد، أو يفكك وحدتهم في الرؤية والرأي والأهداف، وحينئذ يصبح من المستحيل على الطرف المقابل أن يخترق صفوف العراقيين المتراصة.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال إذ يؤكد سماحته على: (جمع كلمة المؤمنين واعتبارها واجب على الجميع، وذلك بنبذ الخلافات القبلية، والإقليمية، والفئوية وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه).
كذلك لابد من غلق الثغرات التي قد تحدث لأي سبب كان بين المؤمنين، فهناك كما ذكرنا من يسعى نحو تحقيق هذا الهدف الخبيث، لذلك لابد أن يتنبّه المؤمنون جميعا الى هذه الأساليب والألاعيب التي يلجأ إليها أعداء العراق، والتي باتت معرفة من حيث المضمون والأفكار والأهداف الخبيثة أيضا، مثلما بات من يقف وراءها معروفا أيضا.
لاسيما أن هذه الثغرات يمكن أن ينفذ منها أعداء المؤمنين، فتكون سبيل العدو الى إثارة الفتن، وتحريك الأحقاد والضغائن، وقد تشتعل نيران الصراع بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد، لذا وجب التنبيه والتنبّه الى ذلك على مدار الساعة، واتخاذ ما يلزم من وسائل توعية وتثقيف وتحصين ومواجهة، حتى يمكن أن ندرأ شرور الأشرار، ونمضي قُدُما في تحقيق أهدافنا المشروعة، وهي أهداف معروفة لا تتجاوز على دولة قريبة أو بعيدة، إنما تهدف الى توحيد رؤية العراقيين والمسلمين نحو ما يدور حولهم، والاستعداد الدائم لمواجهة وسائل التخريب التي يعتمدها الأعداء للوصول الى مآربهم، فضلا عن خلق فرص التقارب فيما بينهم، فمن المهم أن يتوحد المؤمنون ويبتعدون عن الفرقة والتناحر.
لذا وجب وفق قول سماحة المرجع الشيرازي: (عدم فسح المجال للرؤى المختلفة لكي تتسلّل وتوجد الانشقاق والفرقة، وتمزّق وحدة الصف والكلمة، فإنها هي الأخرى تعوّق سير المؤمنين قدما إلى تحقيق الأهداف الإسلامية السامية، قال تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) سورة الحجرات.
اضف تعليق