تلتقي الأعمال الجيدة على اختلاف أنواعها في عامل مشترك يربط بينها جميعا، ويوحدها في هدف واحد هو خدمة الإنسانية ومؤازرة القيم التي تسعى الى جعل العالم أكثر توازنا واستقرارا، ولا شك في أن الشعائر وإقامتها على نحو مستمر إنما تهدف الى نشر الفكر الحسيني والقيم المتميزة التي ينطوي عليها.
لذلك كان هناك تشجيع دائم من لدن المراجع العظام على أهمية الشعائر ودورها في حماية المجتمعات من القيم الدخيلة، لكن إقامة الشعائر تتطلب مستلزمات مهمة وكبيرة، غالبا ما يتصدى لها ويتحمل مسؤوليتها أناس يمتلكون الاندفاع الكبير في هذا الاتجاه، ولكن هذا الاندفاع وتحمّل المسؤولية لا يعني عدم وجود عقبات ومشكلات تواجه القائمين على إحياء الشعائر والمشاركين فيها، ومنها مثلا حالات المنّ التي قد ترافق الدعم المادي لبعض المتبرعين.
ويطالب سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) من جميع المشاركين في إحياء الشعائر من خلال الدعم المادي، وعبر إقامة المجالس او بناء المساجد والحسينيات او أية مشاركة أخرى، يطالبهم سماحته بعدم الملل وتحمل المشكلات التي تعترض طريقهم في هذا المجال، كذلك ينبّه سماحته بعدم اقتران التبرعات بالمن الذي يؤدي بالنتيجة إلى فناء الأعمال الصالحة..
إذ يقول سماحته عن هذا الجانب في كلمته القيمة الموجّهة الى المسلمين قائلا: (أشكر جميع الذين شاركوا في إقامة وإحياء الشعائر الحسينية والعزاء الحسيني، في كل البلدان، سواء التي يسكنها الشيعة، كالعراق وإيران، والبلدان الغربية، وعليهم أن لا يملّوا أو يقلّ حماسهم إذا واجهوا صعوبة ما أو تعرّضوا لإهانات أو إساءات، لأنهم سينالون الرعاية من أهل البيت صلوات الله عليهم).
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي، على أن الأجر الذي يحصل عليه الساعي لإدامة الشعائر والحفاظ عليها، كبير ومتميز، وتبقى مكانة من يرعى هذه الشعائر ويؤسس لها ويدعمها ويشارك فيها مكانة كبيرة لدى أهل البيت عليهم السلام.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال: (ذكرت الروايات الشريفة ان الإمام الصادق صلوات الله عليه، سجد، وبكى كثيراً، بحيث عندما رفع رأسه الشريف من السجود، كانت لحيته الشريفة مبتلة بالدموع. يقول الراوي فسألته عن ذلك، فقال صلوات الله عليه (ما مضمونه) كنت أدعو لمن أقام الشعائر الحسينية).
مؤازرة المرأة لزوجها لإقامة الشعائر
من أهم الأدوار التي تساعد في استمرارية الشعائر هو دور الزوجين في هذا الجانب، الرجل والمرأة أيضا، فالزوجة على سبيل المثال ربما ينشغل عنها زوجها ويقل اهتمامه بها في أيام عاشوراء وإقامة الشعائر، لذلك يدعو سماحة المرجع الشيرازي الزوجات الى تشجيع الأزواج في هذا المجال، كذلك يدعو الرجال الى التحمّل أثر فأكثر في سبيل الإمام الحسين عليه السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن: (على المرأة التي يسعى زوجها في إقامة العزاء الحسيني، إن قلّ اهتمامه أو رعايته لكِ في هذه الأيام، فأنت شجّعيه في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه، حتى لا ينتابك الخجل في ساحة المحشر أمام السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. وكذلك الرجال والأزواج، أقول لهم إن قلّ، أو لم تقدر زوجاتكم على الاهتمام بكم، فاحتسبوا ذلك في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولا تسيؤوا الخلق معهنّ).
كذلك هنالك بعض الاعتراضات التي قد يبديها الأب أو الأم، حيث يتم منع الشاب بالمشاركة في الشعائر، وهذا بطبيعة الحال لا يتفق مع إيمان الاهتمام بالشعائر وإقامتها بالطريقة والصورة التي تستحقها، إن احترام الأبناء للوالدين أمر لا نقاش فيه، ولكن ماذا يفعل الابن عندما يعترض عليه أبوه أو أمه في قضية المشاركة في هذه الشعيرة أو تلك؟.
لا شك أن هذا الأمر يشكل عقبة في وجه الشباب الساعين الى إحياء الشعائر الحسينية التي يحتاجها المسلمون كونها تضاعف التقوى في القلوب، لهذا ينبغي على الوالدين التحلي بسعة الصدر، من أجل الإمام الحسين (ع)، لذا ينبغي تشجيع الأبناء وحثهم على أداء الشعائر وليس منعهم، لسبب واضح أنها تصب في مجال إحياء ذكر أهل البيت (ع) وإحياء أمرهم، لذا لا يصح أن يتدخل الآباء ويمنعوا الأولاد عن القيام بالشعائر.
نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (أقول للوالدين الذين يتدخّلون فيما يقوم به أبنائهما في إقامة العزاء الحسيني ويشكلون عليهم: لا شكّ ان احترام الوالدين هم أمر مهم وضروري، ويجب حفظ حرمة الوالدين، ولكن على الوالدين أن يتحلّيا بسعة الصدر أكثر في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه).
ويؤكد سماحته أن بعض الشباب يواجهون ضغوطا من آبائهم أو أمهاتهم، وقد يعترض أحدهما أو كليهما على الابن، المطلوب من الأب والأم العكس تماما، خدمة للإمام الحسين (ع) وإحياء ذكر أهل البيت (ع) في هذه المناسبة الراسخة في ذاكرة المسلمين.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه على أن: (الكثير من الشباب يأتون إليّ كراراً، ويقولون بأنهم يريدون القيام بشعيرة من الشعائر والعزاء، ولكنهم يواجهون الاعتراض أو المخالفة من آبائهم أو أمهاتهم أومن كلاهما).
دور أصحاب الحسينيات والمواكب
من الأمور المعروفة أن الشعائر الحسينية تحتاج الى مستلزمات مهمة، ينبغي التحضير لها، والسعي لتوفيرها، حتى يكون بمقدور الراغبين في إقامة الشعائر الاستمرار في نشاطهم وأعمالهم كافة من دون عقبات، وأهم الأشخاص الذين يسعون الى إقامة وإدامة الشعائر هم أصحاب الحسينيات والمواكب وإدارتها بصورة جيدة.
ويعد دور هؤلاء محوريا وأساسيا لاستمرارية الشعائر التي تنطلق من المواكب الحسينية ومن الحسينيات أيضا، كونهم يقومون بأعمال الإشراف والمتابعة وتوفير الأمور المطلوبة التي يحتاجها الموكب كي يستمر في أداء الشعائر الحسيني بصورة متميزة ومفيدة في وقت واحد.
ولكن قد تواجه هؤلاء العاملون الفاعلون المتميزون في مجال إحياء الشعائر، مشكلات منها على سبيل المثال قيام المتبرع بالمال لأصحاب المواكب أو الحسينيات، بإلحاق ذلك بالمن، أي أنه يمنّ على صاحب الموكب لأنه تبرع له بكذا مبلغ من المال، في الحقيقة هذا الأمر لا يخدم الشعائر الحسينية، وقد يؤدي الى عرقلتها.
إن المن لا يتسبب فقط بتثبيط عزيمة أصحاب الحسينيات والمواكب والقائمين عليها، بل قد يدفع بهم الى معاناة كثيرة تصنع بعض المعوقات وتضعها أمام أداءهم لمهام إدارة المواكب والحسينيات وما تقوم به في إطار إحياء الشعائر، ومنها على سبيل المثال أهمية توفير الأموال والمصاريف التي يستوجب وجودها ديمومة العزاء واستمرارية إحياء الشعائر.
لذلك قد تكون هناك بعض المشاكل في هذا المجال، لاسيما عندما يتبع المتبرع عمله هذا بالمن، وهو أمر يؤدي بالنتيجة الى فناء أعمال الخير، لذا من المهم جدا أن يبتعد الداعمون والمتبرعون لإدامة الشعائر عن هذه الصفة المذمومة، فلا يصح أن تقترن أعمال الخير كالتبرع لإقامة الشعائر، مع الأفعال المذمومة كأن يتبع المتبرع عمله الجيد بالمن، فيؤدي ذلك الى محق عمل الخير.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (من الأسباب المهمة في إقامة العزاء على مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه هم أصحاب الحسينيات والمواكب، والساعين في تهيئة وتوفير أموال ومصاريف العزاء. وهذا العمل يواجه أحياناً أذى ومفاسد أيضاً، ومنها المنّ. فقد ذكرت الروايات الشريفة أن المنّ يوجب المحق، أي فناء الأعمال).
اضف تعليق