ما هو دور الإعلام المعاصر في بناء عالم متوازن يقوم على العدالة والمساواة؟، ولو أننا أعدنا السؤال بطريقة أخرى، من هي الجهة أو الوسيلة المسؤولة على نشر الأفكار التي تساعد الناس على أن يقفوا الى جانب العدالة والحرية والإنصاف وكل قيم الحق والخير والجمال؟، بطبيعة الحال الإعلام هو الجهة القادرة على إيصال مبادئ الخير والعدالة والسلام حتى أبعد نقطة من الأرض، وهناك سؤال آخر، هل هناك فائدة من فكر جيد يبقى محصورا في مكان محدد وليس بمقدوره الانتقال الى أماكن أخرى من عالمنا؟.
إن الفكر الجيد والمبادئ التي تسعى لبناء مجتمع بشري عادل، ينبغي أن لا تبقى حبيسة الرؤوس والأمكنة المحدودة، لأن الإنسان يكون الخاسر الأكبر في هذه الحالة، وطالما أن أشراف العالم أجمع يتفقون على أن الفكر الحسيني ينتمي الى قيم الخير والحق والإنسانية، فإن حجب هذا الفكر عن الناس في أي مكان من العالم فعل غير صحيح، لأنه يحرم البشرية من فرصة لخلق مجتمع بشري متوازن يقوم على العدل والحرية والإنصاف والإصلاح وكل القيم الجيدة الأخرى التي تسهم في تطوّر البشرية.
بالطبع ستبقى مسؤولية نشر الفكر الحسيني على عاتق الإعلام، ولكن هناك معوقات يصنعها أعداء الإنسان، وقد تم تشخيصهم من خلال التجارب التاريخية والواقعية، إنهم الحكام الطغاة، يساعدهم في ذلك صنّاع التطرف والتكفير، هؤلاء هم الذين يسعون لقمع الفكر الحسيني ويستميتون في عدم نشره، يواجههم مؤمنون أشداء تحملوا أقسى الظروف ولم يتوقفوا عن سعيهم في نشر الفكر الإصلاحي للإمام الحسين (ع).
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة خاطب فيها المسلمين والعالم بمناسبة ذكرى استشهاد أبي الأحرار الامام الحسين (ع): (قال مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه عندما عزم على الخروج إلى العراق: (أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب) صلوات الله عليهما وآلهما. فحال الأعداء دون تحقّق هذا الهدف، وقتلوا الإمام صلوات الله عليه، ومن المؤسف له ان المعتقدين بالإمام صلوات الله عليه وأتباعه تنحّوا جانباً ولم يقدّموا أيّة نصرة. وهذه المسؤولية لم تنتهي، بل هي على عاتقنا نحن المسلمون، ولذا يجب علينا أن نهيّئ مقدمات وجود ذلك، كل حسب قدرته).
يجب تحمّل جميع الضغوطات
من الواضح أن الأطراف التي تتضرر من نشر قيم الخير والإصلاح لن تبقى مكتوفة الأيدي، هذا ما لمسه الجميع من التجارب السابقة، فقد فعلت على مر التاريخ كل ما يمكنها فعله للحد من نشر الفكر الحسيني، فيما سعى أتباع أهل البيت الى استخدام كل الأساليب من أجل نشره.
كما يوجّه بذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (يجب الاستفادة من موسم العزاء والمصيبة، والسعي في طريق تحقيق أهداف أهل البيت صلوات الله عليهم، بالأخص أهداف النهضة الحسينية. فإنّ الله تعالى هكذا أراد للقضية الحسينية، وهكذا أرادها راسخة وشامخة).
إذاً هو صراع مستمر، طرفاه الحكام الطغاة وأعوانهم الأشرار من جهة، يواجههم المخلصون للإنسانية والإسلام وهم المؤمنون العاملون على نشر الفكر الحسيني من جهة ثانية، هذا الصراع كان يدور بين السلطات القامعة وبين أتباع أهل البيت (ع)، تحث في هذه المنازلة المستمرة شتى صنوف التعذيب والقتل والمطاردة والنفي، لكن اصرار المؤمنين دائما يهزم الطغاة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي: (عند حلول شهر محرم الحرام كان الناس يتحمّسون لعاشوراء، وكان أصحاب الحكومات ينفعلون ويصطفّون لمضادة الشعائر الحسينية، فكانوا يعتقلون الناس ويعذّبوهم، وينهبون ممتلكات الناس، وكان يفصلون حتى الموظّف من دائرته بحجج ما).
لذلك ينبغي أن يتوقع الأخيار وأتباع أهل البيت (ع) استمرار الضغوطات عليهم، وينبغي أن يتحضروا دائما لتقديم التضحيات اللازمة دفاعا عن قضية الحسين (ع) التي ينبغي أن يسعى الجميع لنشر مبادئها كي تصل الى العالم أجمع، وهذا ما كان يوصي به أئمة أهل البيت دائما.
كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي: لقد (شجّع الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم على إحياء الشعائر الحسينية المقدّسة. ولذا يجب إبقاء هذا الشعائر حيّة وفاعلة أكثر، فإذا رأيتم الضغوطات عليها في مكان ما من العالم والموانع، فاعلموا أنها في أماكن أخرى لا ترى ذلك. فيجب تحمّل الضغوطات، وهذه من خصائص قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه).
وهكذا ينبغي أن يؤمن كل من يسعى في نشر قيم عاشوراء، بأهمية عولمة هذه القيم وإيصالها الى العالم، وهذا أمر ليس بالسهل، بل ثمة المزيد من العقبات والمواجهات التي تعمل بالضد من نشر هذه القيم، وتمنعها من إحداث التأثير المطلوب، لأنه يُضعف من موقع الشر ويهدد عروش الظالمين.
التضحية في سبيل الشعائر
كلنا قرأنا أو سمعنا كيف انتشرت مبادئ الدين الإسلام في أوائل انبثاق الرسالة المحمدية، لقد واجه المؤمنون الأوائل أنواعا من العذاب والحروب والاقصاء والعزل وكل أساليب المنع القاهرة، ولكن بالنتيجة انتشرت قيم الاسلام التي تقف الى جانب الانسان، وهُزم المتعصبون الجهلة، كذلك الحال مع الشعائر الحسينية المقدسة، حيث تعرض أتباع أهل البيت لكل أنواع التعذيب والتهميش والسجن والمطاردة، ولكن بالنتيجة، كلما ازداد التعذيب واشتد الصراع يقوى الفكر الحسيني ويزداد أتباعه في العالم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إذا وجدت الحاجة إلى حسينية في مكان ما للشيعة ولأتباع ومحبّي أهل البيت صلوات الله عليهم، فيجب الهمّة لذلك ويجب تحمّل مشاكله. ولا ننسى أنه لخلود الشعائر والقضية الحسينيتين المقدّستين، قتل الكثير من الشيعة، وسُجن الألوف منهم وعذّبوا في سجون وزنزانات مرعبة تحت الأرض).
نعم قُ تل الكثير من الشيعة، وقدموا على طريق الحسين كل التضحيات ومنها ما لا يخطر على بال احد، فقد قدم أتباع أهل البيت (ع) حتى فلذات أكبادهم قربانا للقضية الحسيني ودعما لها وانتصارا لمبادئها.
من هنا ينبغي التخطيط العلمي العملي الصائب، لعولمة الفكر الحسيني وإيصاله الى آخر نقطة من العالم، طالما أن هذا الفكر يصطف الى جانب الخير، ويضاعف من قيم الحرية، ويضعف من سطوة الظالمين الطغاة بمختلف أشكالهم وأحجامهم ومآربهم التي تصب كلها في التجاوز على حقوق الآخرين، وكنز الاموال في كنوزهم وخزائنهم، وزيادة الفقراء فقرا، ومحاربة القيم التي تسعى لصنع عالم مزدهر عادل يتساوى فيه الناس بالحقوق والواجبات.
(إن قضية الامام الحسين (ع) وكل ما يتعلق بها (يجب أن تعولم، وتتسع، ويجب الاستفادة من أجواء الحريات الموجودة اليوم في أكثر من مائة وخمسين دولة في العالم، لتحقيق هذا الهدف).
وهكذا ينبغي استثمار الفرص المتاحة لتحقيق هدف عولمة عاشوراء، ونشر قيمها في ربوع العالم، وذلك من خلال الاستفادة من الوسائل الإعلامية الحديثة وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة الى الاستفادة من الحريات التي تتوافر في عالم اليوم في المجال الاعلامي وهو ما يرتّب علينا جميعا أن نسعى كل السعي لجعل عاشوراء والفكر الحسيني قضية تهم العالم كله، لاسيما أننا نعيش في عالم لا يقوم على العدل ويعاني من سطوة الأقلية على الأكثرية، ويسوده الاضطراب والصراعات التي تؤشر حاجة البشرية الى قيم إنسانية قادرة على صنع عالم أفضل.
اضف تعليق