q

يُعدُّ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي من أبرز أعلام الفكر الإسلامي الذين أغنوا التراث العلمي والفكري الإسلامي والإنساني بمنجزات عظيمة على كافة الأصعدة, وتدلنا مؤلفاته المتنوّعة والمتعددّة على علمية واسعة, وثقافة موسوعية شاملة, فلم يترك باباً من أبواب العلم إلّا وطرقه وحاز فيه على قصب السبق, وقد دلّت مؤلفاته على ملكة علمية كبيرة وفذّة قلّما تجتمع في شخصية.

فقد ألف الطوسي في التفسير, والحديث, والفقه, والأصول, والعقائد, وعلم الكلام, والتراجم, والسير, والعبادات, والرجال، والفقه المقارن, والأدعية وغيرها من العلوم, كما امتاز بسعة الاطلاع في كل باب ألّف فيه يفوق من تخصصّ في ذلك الباب, فكان ذا أفق واسع وعقلية قلّ نظيرها في سعة اطّلاعها على آفاق العلم المتباينة ومصادره المتنوعة.

ومن كتبه التي حازت الريادة في بابه كتابه الفهرست، الذي جمع فيه من ألّف وصنّف من علماء الإمامية في مختلف مجالات العلوم, ورتبهم على الحروف الأبجدية. والذي دلّ على إن الشيعة هم روّاد الفكر الإسلامي وقادته.

ويُعدُّ هذا الكتاب من أهم الآثار في تاريخنا الإسلامي وكان عليه اعتماد الباحثين والدارسين والمحققين منذ عصر الطوسي ـــ القرن الرابع الهجري ـــ إلى الآن, يقول الأستاذ محمد أبو زهرة عن هذا الكتاب في كتابه (الإمام الصادق): (ص458):

(إنه سدَّ فراغاً في المذهب ما كان يمكن لغير الطوسي أن يسدّه). وفي الحقيقة إن (أبو زهرة) قال نصف الحقيقة في قوله هذا, فلم يسبق الطوسي أحد في تأليف مثل هذا الكتاب من باقي المذاهب الأخرى, ولو وجَد أبو زهرة مثيلاً لهذا الكتاب عند غير الطوسي في المذاهب الأخرى لأبدل في وصفه لذلك الكتاب (كلمة المذهب بالإسلام) وهذا هو ديدن الكتّاب في التقليل من شأن الفكر الشيعي بالرغم من أنه مثّل فكر الإسلام بأبهى صوره، بل مثّل الإسلام كله.

وقبل الدخول إلى هذا الكتاب وتصفّح أوراقه لا بد من القول أن الفكر الشيعي قد امتاز باحتوائه على خصائص لم تتوفر في باقي المذاهب, فلم يرضخ لسلطة, ولم يكن أداة في أيد السلاطين, بل كان فكراً إسلامياً واضح المعالم والدلالات, وقد استقى من منهلٍ صافٍ ومنبعٍ ثرٍ تفرّع من فكر الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

كما تميّز هذا الفكر أيضاً بالشمولية, وحاكى جميع جوانب العلوم المختلفة كالتفسير والفقه والحديث والفلسفة والمنطق وعلم الكلام والتاريخ وعلوم العربية من نحو وصرف, وسائر العلوم المختلفة، فزخر تاريخ الإمامية بأفذاذ العلماء والمفكرين الذين كانوا في طليعة علماء وقادة الإسلام وهذا ما يجعل مهمة إحصاء المؤلفين واستقصاء المؤلّفات والمصنّفات في العلوم المختلفة مهمة عسيرة وصعبة.

ولكن شيخنا الطوسي (قدس سره) وهو النجم السائر في أفلاك العلوم، والرجل العظيم الذي أحاط بشتى العلوم العقلية والنقلية كان القيّم على مقاليد العلم، والقمين بحمل أعباء الزعامة العلمية والدينية.

شرع الشيخ الطوسي في التأليف في سن مبكرة عاملاً بمبدأ (صدقة العلم نشره) كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، فألف في الموضوعات العلمية المختلفة حتى تجاوزت مؤلفاته (الخمسين) مؤلفاً ما بين كتاب ورسالة ذكر أكثرها في كتابه الفهرست، ففي التفسير له ثلاثة آثار هي:

(التبيان في تفسير القرآن) وهو من أهم كتب الطوسي وأشهرها وأكثرها تميّزاً ألّفه بنمط جديد, ومنهج مبتكر لم يسبقه إليه أحد, ويعتبر هذا التفسير هو أول تفسير للإمامية يضم في أبواب متفرّدة مختلف مباحث التفسير, وعلوم القرآن كالقراءات, وحجتها, والمعاني والإعراب, واللغة, والنظم, وأسباب النزول وغيرها, يقول فيه الطبرسي (إمام التفسير): (إنه الكتاب الذي يُقتبس منه ضياء الحق، ويلوح منه رواء الصدق، قد تضمن من المعاني الأسرار البديعة، واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة، ولم يقنع بتدوينها دون تبيينها، ولا بتنميقها دون تحقيقها، وهو القدوة أستضيء بأنواره .....)، كما أشار إلى أهمية هذا التفسير الكثير من المؤلّفين القدامى في تراجمهم كالسبكي والصفدي والعسقلاني والسيوطي وغيرهم ويقع هذا التفسير في عشرين مجلداً.

أما الأثران الآخران فهما:(المسائل الرجبية في تفسير القرآن)، و(المسائل الدمشقية في تفسير القرآن) وهما في تفسير آي من الذكر الحكيم.

أما في الحديث فلا أدل من كتابه: (الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) على علميته الفذة وهذا الكتاب هو أحد المصادر الأصلية الأربعة لدى علماء الشيعة والمعوّل عليها في استنباط الأحكام الشرعية منذ عصر الطوسي وحتى يومنا هذا, ويحتوي على خمسة آلاف وخمسمائة حديث.

ومن مؤلفاته في الحديث أيضاً: (تهذيب الأحكام)، و(المجالس في الأخبار)، وهو المعروف بـ (الأمالي) لأنه أملاه مرتّباً في عدّة مجالس في النجف الأشرف على تلامذته.

أما في علم الكلام فله أربعة كتب هي: (رياض العقول)، و(المسائل في الفرق بين النبي والإمام)، و(الكافي في الكلام)، و(مقدمة في علم الكلام)، وقد شرح هذه المقدمة قطب الدين الراوندي، وعزيز الله الأردبيلي.

أما في الفقه فله: (الإيجاز في الفرائض)، و(المبسوط في الفقه)، وهو كتاب عظيم وأثر جليل يشتمل على ثمانين باباً في فروع الفقه كلها ولذلك وُصف بأنه: (لم يُصنّف مثله)، ويُعدُّ من أجلّ كتبه الفقهية، و(النهاية في مجرد الفقه والفتاوي)، وهو من: (أعظم آثاره وأجل كتب الفقه ومتون الأخبار)، كما يقول الشيخ أغا بزرك الطهراني وأضاف: (حيث كان عليه مدار الدراسات الفقهية عند الإمامية منذ عصر مؤلفه).

ومن مؤلفات الطوسي في الفقه المقارن كتاب مهم هو: (مسائل الخلاف مع الكل في الفقه)، وقد ذكر فيه مسائل الخلاف في الفقه بين الإمامية وغيرهم من المذاهب الإسلامية.

أما في العبادات فللشيخ الطوسي فيها كتابان هما: (الإقتصاد فيما يجب على العباد)، وقد بيّن فيه العبادات الشرعية و(الجمل والعقود في العبادات).

كما ألّف في العقائد خمسة كتب هي: (أصول العقائد)، و(تلخيص الشافي في الإمامة)، و(شرح ما يتعلق بالأصول من جمل العلم والعمل)، و(الغيبة)، و(المفصح في الإمامة).

أما في الأدعية فيُعدُّ الشيخ الطوسي من أقدم المؤلفين في هذا الموضوع من الإمامية وغيرهم، وقد اعتمد عليه كثير ممن جاؤوا بعده فأخذوا يقتبسون من مؤلفاته, أو يختصرونها, أو يجعلون لها ذيولاً وتتمات ونحو ذلك مما يدلّ على اتصالهم العلمي بها واعتمادهم عليها، والكتب التي ألّفها الطوسي في هذا المجال أثنين هما: (مختصر المصباح في عمل السنة)، و(مصباح المتهجد في عمل السنة).

وفي السير له كتاب: (أخبار المختار): و(مقتل الحسين (عليه السلام)). وإضافة إلى هذه المؤلفات فللطوسي عدة رسائل في الموضوعات التي ذكرناها آنفاً، وقد اكتفينا بالإشارة إلى كتبه الهامة فقط، فهناك مؤلفات لم تنلها يد الفهرسة والطباعة بقيت مطمورة في زوايا النسيان.

أما في علم الرجال فللطوسي الباع الطويل في هذا العلم حيث تعدُّ مؤلفاته الرائدة في هذا المجال، فقد ألّف في التراجم والسير ثلاثة كتب هي: (الرجال)، واسم الكتاب يدل على مضمونه وهو من أقدم وأشهر كتب الرجال عند الإمامية، ويتضمن الرجال الذين رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الإثني عشر(عليهم السلام) ومن تأخر عنهم، ويسمى هذا الكتاب أيضاً بـ (الأبواب) لأنه مرتّب على أبواب بعدد أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحاب كل واحد من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

أما الكتاب الثاني فهو: (اختيار الرجال)، وهو تهذيب لكتاب (الرجال) للكشي أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز وقد أملى هذا الكتاب على طلابه في مشهد الإمام علي (عليه السلام) في النجف الأشرف.

أما الكتاب الثالث فهو: (الفهرست) والذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا الموضوع، وقد ذكر فيه الطوسي أسماء من صنّف وألّف من الإمامية، ورتّبهم على حروف المعجم ليسهل الرجوع إليهم، ويُعدُّ هذا الكتاب من آثاره الثمينة، وقد اعتمد عليه الإمامية منذ عصره وحتى اليوم، فهو من أصحِّ كتب الشيعة القديمة في علم الرجال ومن المصادر المعتمدة لدى علماء هذا الفن.

والفهرست يُطلق اصطلاحاً على الكتب التي تُعنى بضبط أسماء الأعلام أصحاب الأصول والمصنّفات بنظام الحروف الهجائية أو بنظام آخر معَيَّن. ويسمى في هذا الباب أيضاً بعلم الرجال، ولأهمية هذا العلم عند العلماء والباحثين والمجتهدين فقد أولى الشيخ الطوسي التأليف فيه والتعمّق به عناية كبيرة، فجعله من أولويات التأليف عنده.

فحاجة الباحث والدارس والعالم والمؤرخ لهذا العلم ماسة وهي من صميم أعمدة البحث، لأن معرفة الرواة ومراتبهم وتصنيفهم تُقاس على الروايات المتعلّقة بالدين وأصوله وفروعه ومعرفة الأحكام الشرعية، ولا يمكن الإستغناء عن هذا العلم مطلقاً، فمن الضرورة أن يكون الباحث مطّلعاً على الرواة وأحوالهم، ومعرفة الثقة من غيره، ومن يعمل بروايته ممن لا يعمل بروايته، ومن يؤخذ عنه ممن لا يؤخذ، ومن يعتمد عليه ممن يهمل ويترك.

ويُبيّن الشيخ الطوسي (قدس سره) في مقدمة الكتاب هذه الأهمية بقوله: (فإذا ذكرتُ كل واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول فلا بد من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعوّل على روايته أو لا ؟، وأبيّن عن اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له ؟، لأن كثيراً من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كتبهم معتمدة.

فإذا سهّل الله تعالى اتمام هذا الكتاب، فإنه يطّلع على أكثر ما عمل من التصانيف والأصول، ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم)

كما ويظهر من كلام الشيخ الطوسي في مقدمة الفهرست، إن تأليفه لهذا الكتاب جاء استجابة لطلب أحد معاصريه الذي وصفه بـ (الشيخ الفاضل) ولم يسمِّه، والذي كان يصرّ على تأليف مثل هذا الكتاب كما يقول الطوسي: (ولما تكررّ من الشيخ الفاضل (أدام الله تأييده) الرغبة فيما يجري هذا المجرى، وتوالى منه الحثّ على ذلك، ورأيته حريصاً عليه، عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات والأصول، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان، لأن في المصنّفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين فيطول).

ويتضح من كلام الطوسي إن هذا الشيخ الذي (لم يسمِّه) كان ذا مكانة علمية كبيرة خصوصاً أن الطوسي قد ألّف كتابيه (الرجال) و(الجمل والعقود)، استجابة لطلب هذا الشيخ أيضاً.

ثم يشير الشيخ الطوسي إلى أن أنه عمل جهده واستطاعته في هذا التأليف مما وجده في زمانه وحدود معرفته بما أُلّف وصُنِّف فهو يضع احتمال أن الكثير من التصانيف والأصول قد فاتته لانتشار أصحابها في البلاد البعيدة فيقول: (ولم أضمن أني أستوفي ذلك إلى آخره، فإن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض، غير أن عليَّ الجهد في ذلك، والاستقصاء فيما أقدر عليه ويبلغه وسعي ووجدي، والتمس بذلك القربة إلى الله تعالى وجزيل ثوابه، ووجوب حق الشيخ الفاضل (أدام الله تأييده)، وأرجو أن يقع ذلك موافقاً لما طلبه إن شاء الله تعالى).

ويظهر من خلال إصرار (الشيخ الفاضل) على تأليف مثل هذا الكتاب هو الحاجة الماسّة إليه وخلو الساحة الفكرية منه، فلم يستوفِ ما ألّف قبل الطوسي جميع ما ضمّه هذا المصطلح من حيث الضبط والتعديل والتجريح كما يدل على ذلك حديث الطوسي في المقدمة:

(أما بعد فإني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب أصحابنا، وما صنّفوه من التصانيف ورووه من الأصول، ولم أجد أحداً استوفى ذلك ولا ذكر أكثره، بل كل منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصَّ بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب، ولم يتعرّض أحد منهم باستيفاء جميعه، إلا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله (رحمه الله)، فإنه عمل كتابين، أحدهما ذكر فيه المصنّفات، والآخر ذكر فيه الأصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو (رحمه الله)، وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب ـ على ما حكى بعضهم عنه ـ )

وأبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله هذا هو الشيخ الغضائري من المعاصرين للشيخ الطوسي وهو أول من كتب في هذا المجال ـ مفصّلاً ـ حيث صنّف كتابين كما يذكر الطوسي أحدهما في الأصول والآخر في المصنفات، إلاّ أنها لم يصلا إلى الأجيال اللاحقة فقد أتلفوها ورثته.

وعن منهجيته في ترتيب وضبط كتابه الفهرست يقول الشيخ الطوسي: (ورتّبت هذا الكتاب على حروف المعجم، التي أولها الهمزة وآخرها الياء، ليقرب على الطالب الظفر بما يلتمسه، ويسهل على من يريد حفظه، ولست أقصد ترتيبهم على أزمنتهم وأوقاتهم، بل ربما يتفق ذكر من تقدّم زمانه بعد ذكر من تأخّر وقته وأوانه، لأن البغية غير ذلك).

ويُعدُّ الفهرست هو الأول في بابه من حيث ضبط أسماء المصنّفين والمؤلِّفين من علماء الشيعة، فدوّن الطوسي ما مجموعه (912) من الأعلام مع ذكر مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم، وهو يروي بذلك عن جملة من العلماء الأعلام أبرزهم: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد) (قُدّس سره)، والشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، وأبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بابن عبدون أو ابن الحاشر، وأبو الحسين علي بن أحمد المعروف بـ (ابن أبي جيد القمي)، وأحمد بن محمد بن موسى بن الصلت الأهوازي، والسيد الأجل الشريف المرتضى وغيرهم.

أما بالنسبة إلى فهرست ابن النديم (المتوفى سنة 385هـ) فإنه يختلف ـ موضوعاً ـ مع فهرست الطوسي، لأنه يشتمل على جميع العلوم والفنون والمذاهب والسنن المستخدمة بين المسلمين مع بيان مؤلّفاتهم في كل واحد منها، بالإضافة إلى بيان مؤلفات غير المسلمين، وهو ما يجعله يفتقر إلى الجرح والتعديل في بابه وقد ألّفه سنة (378هـ)، لذا فإن فهرست الشيخ الطوسي يعتبر أقدم كتاب مفصّل في حقل اختصاصه وصل إلى الأجيال المتأخرة وبقي إلى حد الآن.

أما بالنسبة لما ألِّف في هذا الباب من الشيعة غير فهرست الغضائري قبل الطوسي فقد أشار الطوسي في مقدمة الفهرست إلى أنه لم تتوفر فيه ما يمكن أن يطلق عليه هذا المصطلح بتوفر شروطه، ويبين الشيخ الطوسي (قُدِّس سرّه) في مقدمة الكتاب هذا الشيء بقوله: (أما بعد فإني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب أصحابنا وما صنّفوه من التصانيف ورووه من الأصول، ولم أجد أحدا استوفى ذلك ولا ذكر أكثره، بل كل منهم كان غرضه أن يذكر ما اختص بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب، ولم يتعرض أحد منهم باستيفاء جميعه ......)

فالفهارس التي ألفت قبل الطوسي كفهرست أبي غالب الزراري (المتوفى سنة 368هـ) وفهرست ابن عبدون وغيرها من الفهارس الأخرى التي سبقت فهرست الشيخ الطوسي قد افتقرت إلى الشمولية والجمع، وقد اقتصرت على التعريف ببعض المؤلفين، أو التعريف بمؤلفي ما لديهم من الكتب التي تروي بسندهم فقط، وهي لا تعدو كونها كتب صغيرة، بل هي عدد من الرسائل الخاصة لتعريف عدد من الكتب.

طبع فهرست الطوسي في الهند سنة (1271هـ ـ1853م) بتحقيق (أ.سبرنجر) والمولوي عبد الحق، وقد رُتّب حسب الحرف الأول والثاني والثالث للاسم واسم الأب والجد. كما طبع في ليدن وطهران والنجف الأشرف.

ويشكّل الفهرست أحد الكتب والأصول الثلاثة المعتمدة في هذا العلم إضافة إلى كتابيه: (الرجال) و(اختيار الرجال) وقد حُظي باهتمام كبير من قبل العلماء فكتبت ـ بعد عصر الشيخ الطوسي ـ تعليقات عديدة عليه كما رتبت محتوياته بصور مختلفة، وقد اعتمد عليه الكثير من العلماء الأعلام في مؤلفاتهم منهم: رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (المتوفى سنة 588) في كتابه (معالم العلماء)، والشيخ منتخب الدين على بن أبي القاسم عبيد الله بن بابويه القمي (المتوفى بعد عام 585) في كتابه (أسماء مشايخ الشيعة ومصنّفيهم) وغيرها من المصادر.

كما رتّب الفهرست: الشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسين بن يحيى المعروف بالمحقق الحلي (المتوفى سنة 676) واقتصر في هذا الكتاب على ذكر أسماء الرجال والمؤلفين وبعض خصوصياتهم، وحذف أسماء الكتب والطرق التي وصلت بها إلى المؤلف، كما رتبه المولى عناية الله القهباني الذي جمع الأصول الرجالية الأربعة في (مجمع الرجال)، كما قام الشيخ علي بن عبد الله الأصبعي البحراني (المتوفى سنة 1127) بترتيبه أيضاً.

كما قام عدد من العلماء الأعلام بشرح الفهرست منهم: الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله البحراني الماحوزي (1075 ـ 1121) وسمّاه: (معراج الكمال إلى معرفة الرجال).

اضف تعليق