ركيزتان أساسيتان تقوم عليهما حياة الانسان، هاتان الركيزتان هما الأخلاق الفاضلة، والعلم النافع، فالعلم اذا لم تسنده الأخلاق ربما ستكون نتائجه عكسية، وكلنا نتذكر مخترع مادة (البارود) التي لم يكن يخطر في باله أنها ستقف وراء أكبر مآسي الانسان، فبدلا من أن يستخدمها الانسان للأغراص الصالحة والصحيحة، انحرف بها الى صنع السلاح، فأزهقت ملايين الأرواح، بسبب عدم خضوع العلم للأخلاق.
وهكذا ينبغي أن يكون المعلم والعالم والمفكر، صاحب أخلاق فاضلة تحكم علمه، وتجعله يسير في الاتجاه الصحيح، وهنا يبرز دور التنافس، حيث يحق للإنسان أن يسعى الى الخير والنجاح من خلال اتباع اسلوب المنافسة، فهذا أمر متاح للانسان، بل هو امر مطلوب منه، طالما كان على قيد الحياة، من أجل تطوير أساليب العيس الدنيوي، فضلا عن أهمية أن يراعي ما تريده الدار الأخرى منه من عبادة وأخلاق وأعمال تصب في صالح الانسانية.
إن إخضاع العلم والمعرفة بكل انواعها، الى التنافس امر لا يمكن التخلي عنه، كون التنافس هو الطريقة التي يمكن من خلالها أن يتفوق الانسان وينجح، والتنافس لا ينحصر في العلم، بل في العمل الصالح والاخلاق والعمل النافع، فيمكن أن تكون هناك منافسة في هذا المجال بين أفراد العائلة، وبين الزوج وزوجته، وبين أفراد العمل في منتج او معمل واحد، وفي صف الدراسة وفي أي مكان يعمل فيه الناس مجتمعين، فمن حقهم أن يتنافسوا في الأعمال الصالحة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في احدى كلماته التي خاطب فيها مجموعة من زائريه: (يقول القرآن الكريم: (فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) سورة المطفّفين: الآية26. إنّ اللام في (فليتنافس)، وكما ذكر علماء البلاغة، هي لام الأمر، وهذا يعني ان الله تعالى أمر بالتنافس. وفي الدنيا يتنافس بعض الناس، مثلاً، في السوق في تحصيل مالاً أو أموالاً أكثر. وبعض يتنافس في السياسة لكي يحصل على منصب أعلى. وأما القرآن الكريم فقد أمر بالتنافس في الأخلاق الفاضلة وفي العلم النافع(.
ويضيف سماحته قائلا حول هذا الموضوع: (إن التنافس الذي ذكره القرآن، قد يحدث بين الزوجين، أو في العائلة الواحدة، مثلاً بين الأمّ والبنت، وهكذا. أي يسعى كل واحد منهما في التنافس لنيل الدرجات الأحسن والأرقى في الأخلاق الحسنة والعلم النافع).
التمسّك بالتربية والعبادة
التربية نعني صناعة شخصية الانسان كما يجب، ويحتاج الأمر الى توجيه خارجي، مع دافع ذاتي ورقابة ذاتية، ومؤهلات يمتلكها الانسان، وهي الارادة والقدرة على التنافس مع الاخرين من اجل التفوق والنجاح، ولابد أن تكون ثمة مشكلات ومصاعب قد يكون بعضها كبيرا، يتطلب ارادة قوية جدا، لأن التنافس لا يكون سهلا، بل يحتاج الى مؤهلات من بينها التصميم والارادة على النجاح، أما في حالة العكس فإن النتائج معروفة بطبيعة الحال.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (لقد جعل الله تبارك وتعالى طريق التنافس ميسّراً للجميع، وممكن للجميع أيضاً، ولا يحتاج سوى إلى التصميم، وإلى تحمّل الصعاب. فمن صمّم وتحمّل، فلا شكّ ينال التوفيق.والعكس بالعكس أيضاً).
علما أن الانشغال بالتربية لا يعني اهمال المنافسة والمثابرة في مجالات تحصيل الاخلاق وتطويرها وتحصينها، وبناء النفس وتحصيل العلم وتربية الاولاد داخل محيط العائلة وخارجها، ولا يصح الاخلال بتربية النفس بحجة تربية الأولاد.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله الواضح في هذا المجال: (إنّ تربية الأولاد مهمّة جدّاً وجدّاً، وهي أهم من الفضائل. ولكن يمكن بجنب تربية الأولاد، عندما تسنح الفرص ووقت الفراغ، حتى وإن كان لمدّة عشرة دقائق، يمكن الاستفادة من هذه الفرص، وهذا الوقت، للعبادة، وللعلم، والتقوى، وهداية الناس، ولتزكية النفس).
ولا شك أن التوفيق في حياة الانسان لن يأتي جزافا، بل هناك مثابرة وجدية وسعي وارادة حديدية تقف وراء هذا النجاح، عن طريق المنافسة مع الآخرين، بالطرق والمبادئ التي تحكم المنافسة الشريفة التي لا تتسبب في ظلم او أذى أو غبن للآخرين، وهكذا ينبغي على الانسان المؤمن والذكي أن يستغل الفرص التي تتاح له من اجل النجاح والتطور والتفوق في الحياة، عن طريق المنافسة مع الآخرين، علما أن اهمال الفرص المتاحة للانسان تعني خسارته للنجاح والتطور في مجالات الحياة المتعددة، وهكذا فإن شرط النجاح هو حتمية انتهاز الفرص.
كما نلاحظ ذلك في مضمون قول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ الذين وفّقوا في حياتهم، قد انتهزوا الفرص القليلة، واستفادوا منها، فصاروا من الموفّقين).
النجاح والارادة والتصميم
وهكذا تدخل المنافسة كعنصر أساسي بين الناس، في طريقة بناء النفس والمجتمع، ولكن ينبغي توافر التصميم دائما، لاسيما في بناء الاخلاق الفاضلة، فهي الطريق الى الجنة، في حين أن من يتقاعس ويتلكأ في تحصيل الاخلاق والاعمال الصالحة، فإنه سوف يفقد هذا الامتياز.
حيث يدعو سماحة المرجع الشيرازي المسلمين الى أهمية التصميم على التنافس، قي مجال الاخلاق والاعمال الجيدة التي تطور حياة الانسان وتجعل منه عنصر خير في الحياة، ليس لشخصه فقط، وإنما لجميع الناس:
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كلمته المذكورة نفسها: (ليصمّم كل واحد منكما، على التنافس في الأخلاق الفاضلة. فمن كان منكما أحسن أخلاقاً في طول حياته، فسيدخل الجنة يوم القيامة أسرع وأسرع، لاشكّ. ومن لم يتحلّ بنسبة جيّدة وكبيرة من الأخلاق الحسنة منكما، فسيبقى في المحشر طويلاً منتظراً الحساب).
علما ان مجال المنافسة مفتوح ومتاح للجميع، حتى تكون النتائج مفيدة للجميع، شريطة أن تكون هناك حالة مبدئية من حيث الالتزام بمبادئ المنافسة الايجابية، إذ من غير الممكن أن نسمح للمنافسة بالتحول الى صراع، في هذه الحالة لن تكون هناك فائدة مطلقا، حيث الصراع يفسد الأمور، ويجعل الاوضاع اكثر تعقيدا.
على أن المنافسة يمكن أن تكون بين الزوج وزوجته، على أن يصمم احدهما التفوق على الآخر وبالعكس من خلال قوة التصميم والارادة على تحسين الأخلاق، حيث يدعو القرآن الكريم الى أهمية الاخلاق في حياة الناس.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (ليصمّم الزوج على أن يكون أحسن أخلاقاً من زوجته. ولتصمّم الزوجة على أن تكون أحسن من زوجها أخلاقاً، وهذا يعني التنافس الذي يريده القرآن الكريم).
وثمة تأكيد كبير من سماحته على أهمية الارادة والاصرار على النجاح في المنافسة على حسن الاخلاق وتحصيل العلم وحسن العمل، حتى لو كانت المنافسة بين أقرب الناس الى بعضهم البعض، فقد أكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (إنّ الموفق منكما أكثر في هذا المجال، يرتبط بأيّكما الأقوى تصميماً وإرادة).
اضف تعليق