التربية تأتي بالدرجة الأولى ومن ثم التعليم، فبالتربية يمكن ان تتعدل جميع السلوكيات الفردية وبالتالي يتهيأ الفرد لتلقي العلم، وتكون البيئة المدرسية خالية من الشوائب والمناوشات التي تحدث معرقلات وإشكاليات على اليوم الدراسي، وانشغال الإدارة والكادر التدريسي بالمشاكل أكثر من المادة العلمية...
لا يمكن ان تخلوا مرحلة الطفولة من فترة زمنية يتخللها شجار بين أطفال المنطقة الذين اتخذوا من الشارع مكانا للعب واللهو، وتنتقل أحيانا هذه الرغبة في الشجار او العراك الى المدرسة، بعد تكوين مجموعات مصغرة تتواجه فيما بينها مستخدمة الأدوات الدراسية في المعارك الدورية، فمن المسؤول عن إيقاف هذه الظاهرة المدرسة ام العائلة؟
بين فترة وأخرى توجه إدارات المدارس دعوة الى أولياء الأمور لحضور الاجتماع الدوري، للحديث عن بعض المشكلات المتعلقة بسلوك الطلبة تجاه بعضهم البعض، وقد يأخذ موضوع تبادل الضرب بين الطلبة والتلاميذ الحصة الأكبر من الحديث وتبادل الآراء حول هذه المسألة المهمة والخطيرة في اغلب الأحيان.
ولعلي هنا أحاول الإجابة على السؤال المطروح في مقدمة المقال، والراغب بمعرفة المسؤول عن إيقاف ظاهرة المشاجرة في المدارس. سلوك الطالب سواء كان حسن ام لا، ينبع من أسلوب حياته المنزلية، فإذا كان يعيش حياة عبارة عن ضرب وتبادل السب والغلط مع افراد اسرته.
فبالتأكيد سينتقل ذلك معه الى البيئة المدرسية، ويحدث تأثير مباشر على المحيطين به، يأخذ بضرب هذا الطالب، ودفع ذلك الآخر، مما يحدث إرباك في الفصل الدراسي، او الساحة المدرسية، وقد يكون وسيلة من وسائل اثارة الفوضى في المدرسة نتيجة انضمام عدد من الطلبة اليه يشبهونه في الأسلوب.
وبعد هذه الفوضى والشجار المتواصل يخرج لنا أحد الطلبة المشتركين بدائرة المعركة، وفمه ينزف، نتيجة تلقيه ضربة قوية من زملاءه، او ربما الضربة توجه صوب اسنان الطالب فتكسر بعضها، وهنا تكون قد حلت المشكلة الكبرى والتي تمتد بعد ذلك الى خارج اسوار المدرسة.
في كثير من الأحيان تتوسع هذه المشاكل وتتحول الى تبادل الشكاوى بين اهل الطلبة، وقد تشمل الكادر التدريسي ورجال الامن الذين لم يمنعون الطلبة من الاستمرار في الشجار الذي انتهى بنزيف الانف، او كسر السن، وعليك ان تتصور حجم المشكلة واتساع مدياتها بهذه الصورة التي تشبه انتشار النار في الهشيم.
وليس بإمكاننا ان نضع الامر في خانة التربويين او الأمنيين، طالما هنالك قواعد وضوابط تمنع المدرس او المعلم وكذلك الحارس الأمني في المدرسة، تمنعه من توجيه الضرب او التأنيب للطالب، وتقتصر الامر على استدعاء أولياء الأمور والحديث معهم لمنع تكرار مثل هذه الحالة في المستقبل.
وهنا نود التركيز او نبين ان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الاهل في تحسين وتهذيب سلوكيات ابناءهم، من خلال الحث على احترام الأكبر وعدم الانخراط في المشاجرات اليومية، التي تفسد القيمة المعنوية لعنوان التربية والتعليم الذي ترتكز عليها العملية برمتها.
التربية تأتي بالدرجة الأولى ومن ثم التعليم، فبالتربية يمكن ان تتعدل جميع السلوكيات الفردية وبالتالي يتهيأ الفرد لتلقي العلم، وتكون البيئة المدرسية خالية من الشوائب والمناوشات التي تحدث معرقلات وإشكاليات على اليوم الدراسي، وانشغال الإدارة والكادر التدريسي بالمشاكل أكثر من المادة العلمية.
ومن أسباب حدوث هذا النوع من الصراع بين طلبة المدارس هو التنمر الذي يحدث في البيئات التعليمية، والذي يشمل النية العدائية والمضايقة والاستفزاز، وقد يكون للتنمر المدرسي عدة تأثيرات سيئة على الطالب المتنمر عليه منها الغضب والاكتئاب، وقد تصل به حالته السيئة الى ترك مقاعد الدراسة.
وفي حال ضبط البيئة المدرسية من الممارسات العدوانية بين الطلبة، يبقى المجال مفتوح امام الطلبة الذين يحملون روح عدوانية لممارسة ذلك في الطرقات المؤدية الى منازلهم، وهنا تُركن المسؤولية على جهة أخرى، وهي الدوريات الأمنية المنتشرة في الشوارع.
مسؤولية إيقاف التشاجر بين الطلبة او التقليل منها هي مسؤولية تكاملية بين الأقطاب الثلاثة، وهي الاسرة بالدرجة الأولى، والملاكات التربوية، والقوات الأمنية، وأي خلل او تقصير من أحد الأقطاب تبقى الجهود قاصرة عن العلاج النهائي.
اضف تعليق