الإنسان بحاجة إلى عزم دائم في ترك الغضب والتعامل برفق، فإذا لم يعزم على ترك الحدة ولم يمتلك الإرادة على درء الغضب أو التقليل منهما، فإن هذا الإنسان سيصاب بالندم الكبير والحسرة في الدنيا والآخرة. أما إذا عزم الإنسان على أن يتعامل مع الآخرين بلين ورفق...
(صيانة النفس وحفظها من الغضب أسلوب صحيح وبرنامج أخلاقي تعليمي
يشمل جميع الناس)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يوصَف الغضب بأنه نوع من أنواع الطاقة التي أودعها الله في كينونة الإنسان، والغرض الإلهي من إداع قوة الغضب في الإنسان لكي يختبره في أعماله وقراراته وتعامله مع الناس، وهل تتغلب عليه طاقة الغضب ويقسو على الناس ويظلمهم، أم أنه يسيطر على طاقته هذه ويتحكم بها، ويراعي الله تعالى في الناس وفي تعامله معهم خاصة إذا كان ذا منصب أو مسؤولية كبيرة، كأن يكون حاكما على الناس.
فمثلما توجد طاقة الحركة والتفكير وحركة العضلات ممثلة بالقوة الجسدية وقدرات الإنسان باستخدامها في طريق الشر، كذلك توجد طاقة الغضب أيضا عند الإنسان، فالحاكم الذي يمتلك سلطة كبيرة، إذا أفلت منه زمام السيطرة على غضبه يمكنه أن يقتل الناس ويعدمهم بجرة قلم لا تستغرق أكثر من لحظة، وهل خلق الله الإنسان لكي يمون بجرة قلم؟
هذا ما يمكن أن يفعله الغضب بالناس إذا تم استخدام هذه الطاقة بالصورة والطريقة غير المقبولة، لهذا حذر الله تعالى عباده من إساءة استخدام هذه الطاقة الفتاكة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمة قيّمة ضمن سلسلة محاضرات نبراس المعرفة:
(إنّ قوة الغضب هي قوّة وطاقة حقيقية أودعها الله تعالى في كلّ إنسان، لكي يختبره بها كما يختبره في سائر الطاقات الأخرى).
وهكذا فإن الله تعالى أودع هذه القوة الغضبية في الإنسان لكي يستفيد منها إيجابيا وليس العكس، فتوجد الكثير من المواقف العملية التي تمر في حياة الإنسان تحتاج منه إلى أن يتخذ قرارا قويا فعالا مؤثرا، ومثل هكذا قرارا لا بد أن تتوفر لها الطاقة الغضبية اللازمة، ففي بعض الأحيان لا يستفيد الإنسان من موقف المهادنة، لذا عليه أن يكون حازما.
الحكمة والتوازن والاعتدال
وهذا الأسلوب الحاد لا يمثل النمط الدائم والعام في التعامل، بل اللين والحكمة والتوازن والاعتدال هي مجموعة أساليب تميل إلى الهدوء والرزانة والعفو والصفح في التعامل، إلا ما ندر، وفي هذه الحالة يحتاج الإنسان (وهذا أمر نادر) إلى طاقته الغضبية للتعامل مع بعض المواقف واتخاذ قرارات معينة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن الله أودع قوّة الغضب لكي يستفيد الإنسان منها إيجابياً، فهناك موارد نادرة استثنائية تتطلب من الإنسان الحدّة والغلظة، لكن الخط العام يمضي مع اللين لا مع العنف).
يحتاج الناس جميعهم إلى صيانة النفس من الغضب، لأن مخرجات هذا السلوك كبيرة، وتنعكس على حياة المجتمع كله بصورة جيدة، لهذا يحتاج المجتمع كله إلى السيطرة التامة على القوة الغضبية، حتى يعيش الناس في حالة من الهدوء والاستقرار والتفرغ للتفكير في سبل التقدم ومواكبة ما يجري في العالم من تطورات هائلة.
السيطرة على الغضب لا تتعلق بمن يطلبها ويدعو إليها، ويريد المساعدة لكي يتعلم السيطرة على غضبه، بل جميع الناس يحتاجون إلى هذا الأسلوب في الحياة، لأن الغضب أو القوة الغضبية المنفلتة تهدد سلامة حياة الناس واستقرارها وهدوءها.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن:
(صيانة النفس وحفظها من الغضب هو أسلوب صحيح في التعامل وبرنامج أخلاقي تعليمي يشمل جميع الناس في مختلف مجالات الحياة، ليس فقط لمن يطلب الموعظة، بل هو ضروري للجميع نظراً لأهمية تجنّب الغضب في حياة الناس).
وقد لوحظ من خلال ما يحدث من تعاملات ونشاطات اجتماعية، أن الكثير من مشكلات المجتمع سببها القوة الغضبية المنفلتة، ولدينا على سبيل المثال ما يجري بين بعض عشائر العراق من خلافات ومشاكل، فهي لا تستحق كل هذا الغضب مطلقا، لأنها أمور بسيطة جدا وحتى لو كانت معقدة وصعبة، فإن الحوار والجلوس في الدواوين كفيل بحلها، المهم أن يفلت زمام الأمور وينطلق الغضب من عقاله ويفعل ما يشاء في الناس.
فكل إنسان يسيطر عليه الغضب سوف يتخذ قرارا تحت ضغط الغضب ويكون قاسيا وربما متسرعا ويمكن استبداله بقرار أقل حدّة وضررا على الناس والنفس، لهذا تجده سرعان ما يندم على اتخذه من قرار أو ما قام به من أعمال لا تستحق القيام بها.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(كثير من مشاكل الحياة الاجتماعية نتيجتها الغضب، فالإنسان إذا اُبتُلي بالغضب فإنه سوف يتّخذ موقفاً عنيفاً وقراراً خاطئاً، سوف يندم عليه إلى آخر عمره. بل إن الغاضِب يبقى متحيراً، أيعتذر لمن أساء إليه ولا يعتبر ذلك انكساراً، أم لا يعتذر فيكون عمله استمراراً للخطأ وهو جنون بعينه).
محاصرة الغضب بالحكمة والرشاد
التاريخ نفسه يذكّرنا بأن الغضب أشعل معاركا بين أمم بأكملها، بسبب كلمة طائشة أو قول يفلت من اللسان في لحظة ضعف وغضب، فالإنسان الغاضب يكون ضعيفا لأنه يفقد عقله في الغالب، فيطلق سهام الكلام تحت ضغط الغضب من دون أن يقدر فداحة إساءة كلامه، فتشتعل نيران العداوة بين الناس.
وهكذا تبتلي أمة كاملة من كلمة واحدة يطلقها إنسان غير قادر أن يحكم زمام غضبه، فتؤدي هذه الإساءات إلى ما لا يحمد عقباه، فقد تتطور الكلمات إلى أعمال عدوانية وحروب طاحنة، يروح ضحيتها الآلاف والملايين من البشر بسبب أقوال طائشة لا أكثير.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول حول هذه النقطة:
(الكثير من المآسي الاجتماعية تقع بسبب الغضب، قد يقول أحياناً شخص كلمة غضب واحدة في شيء ما، وتبتلي أمّة كاملة من عواقب هذه الكلمة. كما إنّ الكثير من المواقف السلبية التي وقعت في التأريخ وتقع اليوم من عمليات قتل وإيذاء وتناحر بين الناس والتي كبدت المجتمعات ألوف وملايين البشر ظلماً وعدوانا، إنّما وقعت بسبب الحدّة والغضب والعنف).
من هنا لإن الإنسان بحاجة تامة إلى السيطرة على غضبه، ولا يسمح له بالإفلات من قبضته، لأن الغضب كالإنسان الطائش الذي لا يمتك القدرة على تقدير المواقف ونتائجها، فهو بسبب الغضب يرى غير ما يراه الناس الواعون الرعون الحكماء والعقلاء، معم هو سوف يندم ولكن ما فائدة الندم بعد أن يقع (الفأس في الرأس)؟
حول هذه النقطة يرى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
أن (الإنسان بحاجة إلى عزم دائم في ترك الغضب والتعامل برفق، فإذا لم يعزم على ترك الحدة ولم يمتلك الإرادة على درء الغضب أو التقليل منهما، فإن هذا الإنسان سيصاب بالندم الكبير والحسرة في الدنيا والآخرة. أما إذا عزم الإنسان على أن يتعامل مع الآخرين بلين ورفق، سيكون من الممكن أن تصدر عنه بعض الأخطاء في التعامل، لكنها أخطاء قليلة التأثير لمن يتعامل بغضب وعنف من دون رادع ومحاسبة نفسية.
ثم يورد سماحته (دام ظله) المرجع هذا الحديث الشريف عن الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وآله: (مَا وُضِعَ اَلرِّفْقُ عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ وُضِعَ اَلْخُرْقُ عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ فَمَنْ أُعْطِيَ اَلرِّفْقَ أُعْطِيَ خَيْرَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ وَمَنْ حُرِمَهُ حُرِمَ خَيْرَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ).
اضف تعليق