إن زيارة الأربعين المقدسة هي التجمع البشري الأكبر على مستوى العالم كله، ولابد من البحث عن سبل وطرائق تزيد من هذا الجمع ولا تقلل منه، فهذا التجمع ميزة كبيرة للمسلمين، وعليهم استثماره أفضل الاستثمار، بعيدا عن الأرباح المادية التي لا تفيد الإنسان كما تفعل الجوانب المعنوية والروحية العالية...
(اليوم وبمساعي وهمم أغلب الشعب العراقي، جزاهم الله خيراً، ويجزيهم خيراً بلا شكّ، يقوم هذا الشعب الكريم بتوفير وتأمين الطعام للزائرين بشكل مجاني في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه وبالأخص في أيّام الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة).
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
منذُ أن رُفعت القيود والمحددات المختلفة التي كانت توضع في السابق أمام زوار الأربعين الحسيني المقدس، ومنذ أن أصبحت الحكومات العراقية والأجهزة الأمنية حامية للزائرين الكرام، باتت الأعداد تتضاعف سنويا حتى فاق العشرين مليون زائر بحسب إحصائيات دقيقة تجريها الجهات المختصة، وهذا يعني أن زيارة الأربعين في تطور وازدياد مستمر.
ومع هذا الازدياد المتصاعد، لابد أن يكون هناك دعم حكومي يتناسب مع مكانة هذه الزيارة المقدسة، ومكانة الإمام الحسين (عليه السلام)، ومكان الزوار القادمين من أرجاء العالم كله، وإذا تحدثنا عن الدعم الأهلي فهو موجود ومتناقَل بين الأجيال، أي أن إحياء الشعائر وإقامة المواكب الحسينية وضيافة الزائرين الكرام هي مجموعة سلوكيات تعاونية أخذها الناس أبا عن جد، ودرسها الأطفال على أيدي آبائهم وأمهاتهم، فإذا صاروا شباب شمروا عن سواعدهم وأخذوا يخدمون الزوار الكرام بكل ما يستطيعون وما يمتلكون.
هؤلاء هم أهل العراق الذين اعتادوا على تقدم كافة الخدمات بأنواعها وأحجامها ودرجة الحاجة لها كالطعام، والمنام، والاستحمام، يجري ذلك في المواكب التي يتم إعدادها لهذا الغرض بالإضافة إلى الحسينيات ومن ثم بيوت أهالي العراق مفتوحة للزائرين الكريم، وهذا محسوب للشعر العراقي الكريم، ولكن أين الجهد الرسمي الحكومي وماذا قدمت الحكومات لزيارة الأربعين؟، علما هناك في بلدان ليست إسلامية تقام تجمعات وتجد الدعم الحكومي حاضرا بقوة، مثل عدم فرض مبلغ تأشيرة دخول على الزائر، بل الدخول بلا جواز.
كيف نؤازر وندعم زيارة الأربعين؟
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يذكّر الجميع بأهمية زيارة الأربعين، وبوجوب دعمها من قبل الحكومات الإسلامية، جاء ذلك في كلمة توجيهية قيمة لسماحته قال فيها:
(إن الكفّار بالعالم، يحيون سنوياً مناسبة دينية لهم، ويضعون لها القوانين ويقرّرون لها تسهيلات مشهودة. وأنا قد حقّقت جيّداً بالنسبة إلى تلك المناسبة وطالعت عنها بشكل مفصّل، ولست بصدد تبيين تلك التفاصيل. فقد كتبوا حول تلك المناسبة ومراسيمها بأنّ الكفّار يلغون القوانين والتكاليف المرتبطة بجوازات السفر، ويستطيع كل الناس في أية نقطة من العالم أن يشاركوا في تلك المراسيم بلا جوازات سفر).
الجانب الآخر الذي ينبغي أن يتم من خلاله زيارة الأربعين المقدسة، هي تقليل أسعار مختلف السلع والبضائع لاسيما المـأكولات والعصائر وسواها، فهذه الخطوة في تقليل الأسعار من شأنها أن تقلل تكاليف السفر وأداء مراسيم الزيارة، التي تتطلب أموالا قد لا يمتلكها كثيرون، فيؤدي ذلك إلى حرمانهم من الزيارة، في حين ينبغي أن تتخذ الحكومات خطوات للتخفيف عن كاهل الزوار من الناحية الاقتصادية.
هناك من يقول أن الزيارة يجب أن يتم استثمارها اقتصاديا، ولكن هناك تجمعات كبيرة جدا تقام في دول أخرى ليست إسلامية، لكنها تدعم هذه التجمعات بألف طريقة وطريقة، مثل مجانية السفر والنوم في الفنادق وتخفيض أسعار السلع، كل هذا من أجل تشجيع الناس على الانضمام لهذا التجمع، فلماذا لا نقوم بنفس الخطوات لدعم زيارة الأربعين؟
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(والأمر الآخر أنّه تكون كل الوسائل، وبلا استثناء، في أيّام تلك المناسبة والزيارة مجانية وتعرض بالمجان، رغم أنّ هذا العمل هو بخلاف الموازين الاقتصادية الحاكمة على العالم، لأنّه عادة كلما ازداد الطلب على البضائع، ترتفع أسعارها، وينتعش اقتصاد العالم. ولكن بما أنّ تلك المراسيم هي دينية ويشارك فيها الكثير من الناس، توضع هكذا قوانين بأن تعرض البضائع للناس أرخص من قبل).
ويؤكد سماحته (دام ظله) قائلا:
(على سبيل المثال، في أيّام إقامة تلك المراسيم، يرخّصون أسعار الفنادق والمطاعم، وحتى الهدايا التي يشتريها الناس تعرض رخيصة وبأسعار أقل ومخفّضة وبعضها مع خصم وتخفيض بنسبة أربعين أو خمسين وحتى بنسبة ثمانين بالمئة).
شواهد على أهمية الدعم الحكومي
وقد أشار كتاب وإعلاميون إلى التجمعات الكبرى التي تقام في دول غير إسلامية، وقدم بعض الكتاب شواهد دامغة ومؤكّدة على كيفية دعم تلك الحكومات لهذه التجمعات البشرية الكبيرة، ومنها على سبيل المثال تخفيض أسعار الطعام، والمشروبات الغازية (البيبسي) التي يتم عرضها بأسعار أقل بكثير عما كانت عليه قبل حدوث التجمع.
وهذا ما يطمح إليه كل إنسان مؤمن بالإمام الحسين وسائر على نهجه فعلا وقولا، وعلينا أن نستغل التجمع البشري الهائل في زيارة الأربعين، لكي نتفوق على الأمم الأخرى، ونستفيد من هذا التجمع في النواحي المعنوية والثقافية وتحشيد الطاقات في المجالات كافة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(وقد قرأت حول ذلك في مقالة لكاتب لبناني أنّه قد ذكر حتى أسماء البضائع التي يخفضون أسعارها ويرخّصونها في تلك الأيام، ومنها حتى المشروبات الغازية (البيبسي) تعرض بأسعار أرخص من قبل).
إن الاطلاع على التجمعات التي تُقام في دول غير مسلمة، مسموح لنا كي نفيد منها، ونتعلم ما يمكن أن يصب في دعم زيارة الأربعين، ولابد من التذكير أن الحكومات الإسلامية لم تقم بما هو مطلوب ومتوقع منها إزاء هذا التجمع الإسلامي الأكبر على مستوى المسلمين والعالم أيضا، إن الخطوات المطلوبة حكوميا معروفة وينبغي المبادرة لتذليل المصاعب المالية التي تثقل كاهل الزوار الكرام، مثل المبالغ والرسوم التي تستوفى منهم في المطارات أو سواها.
قد يطرح بعضهم تساؤلات اقتصادية في هذا الجانب، ولكن زيارة الأربعين وبركاتها تصب في صالح العراق وكربلاء المقدسة والمدن الأخرى، حيث تكون هناك طيلة شهري محرم وصفر حركة متواصلة من وإلى العراق، وحتى لو تم دعم الزوار فإن الضرر الاقتصادي ينعدم تماما، بل على العكس تكون هنالك حركة جيدة تخدم العراقيين ومدنهم.
لهذا من المهم أن يتوازن الجهد الحكومي ويتناسب مع الجهود المدنية التي يقدمها الأهالي في المواكب الحسينية أو في بيوتهم، حيث يقدم الأهالي كل ما يملكون وما يستطيعون عليه للزوار كي يخففوا عليهم من المصاعب التي تواجههم، وها نفسه مطلوب أن تبادر به الحكومة العراقية والحكومات المحلية وحكومات الدول الإسلامية.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(بلى، لا إشكال أن يتعلّم المسلمون في العالم مثل تلك الفعاليات من الكفّار. فلماذا تأخذ الحكومة في العراق الأموال لأجل المشاركة في الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة؟! وبأي منطق تأخذ سائر حكومات الدول الإسلامية الأموال من الزائرين الحسينيين؟! ولماذا لا يعطون جوازات سفر مجانية للمؤمنين لأجل السفر إلى كربلاء المقدّسة، في حين أنّ الكفّار اليوم لا يأخذون أية مبالغ لإعطاء جوازات السفر للمشاركة في مراسيم تلك المناسبة الدينية لهم؟).
خلاصة الكلام إن زيارة الأربعين المقدسة هي التجمع البشري الأكبر على مستوى العالم كله، ولابد من البحث عن سبل وطرائق تزيد من هذا الجمع ولا تقلل منه، فهذا التجمع ميزة كبيرة للمسلمين، وعليهم استثماره أفضل الاستثمار، بعيدا عن الأرباح المادية التي لا تفيد الإنسان كما تفعل الجوانب المعنوية والروحية العالية.
اضف تعليق