يركّز سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في جميع كلماته التوجيهية ومحاضراته ومؤلفاته المختلفة، على أهمية وحدة العراق شعبا وأرضا، ولا تنحصر هذه الأهمية القصوى على العراق وحده، وإنما تهم هذه الوحدة عموم العرب والمسلمين في مختلف بقاع العالم، فجميع المؤشرات وفق رؤية سماحته، تؤكد أن العراق إذا كان قويا موحدا، فهو يشكل ضمانة للجميع، وهذا يدل على أن مشاريع التقسيم، خاصة تلك التي تأتي من خارج الحدود لا يمكن أن تخدم العراقيين أو المسلمين، لسبب واضح أن من يضع مخططات التقسيم دول وقوى أجنبية تراعي مصالحها على حساب مصلحة العراق والمسلمين.
وانطلاقا كمن هذا الاستنتاج الواضح، فإن أية خطوة تذهب باتجاه تقسيم العراق، سوف تهدف بالدرجة الأولى الى إضعاف هذا البلد وشعبه، ليس هذا فحسب، إنما يؤثر ذلك على العرب والمسلمين أيضا، ليس في المجال السياسي وحده، او طبيعة العلاقات بين العراق ومحيطه العربي والإسلامي، او حتى ما يتعلق بقوة الاقتصاد العراقي، وأهمية ذلك في بناء دولة عراقية قوية موحدة، تمثل سندا قويا للعراقيين أنفسهم، وللعرب والمسلمين على حد سواء.
من هنا يرد في كلمة توجيهية، لسماحة المرجع الشيرازي يؤكد فيها على: (إنّ العراق الموحّد ضد العدو والمستعمر هو ضمانة للعرب والمسلمين).
وهذا يعني أن أي توجّه نحو التقسيم والتشرذم وتشتيت الطاقات والثروات والإيرادات العراقية، لا يمكن أن يخدم العراق والعراقيين، لأن الهدف من التقسيم يمثل بالدرجة الأولى طريقة سهلة وسريعة لتفتيت العراق، وإضعاف مواطن القوة لديه، وهذا يعني إضعاف العراق شعبا وقيادة، وبالتالي تسهل قيادته وفق ما يرغب الطامعون به، فهذا البلد الذي يضم في أرضه ثروات طبيعية هائلة، ومواقع للسياحة الدينية الكبيرة التي تتمثل (بمراقد أئمة أهل البيت عليهم السلام)، فضلا عن الزراعة والتجارة واحتلال موقع يتوسط مواصلات العالم، وسوى ذلك من المزايا الكبيرة، يجعله دائما تحت أنظار الطامعين.
وهؤلاء لا يمكن أن يصلوا الى هدفهم المتمثل بالسيطرة على العراق، إلا بطريقة واحدة، هي تقسيم العراق أرضا وشعبا، وزرع الفتنة بين مكوناته، ونشر الاحتراب والإرهاب بين نسيجه الاجتماعي، وبهذه الطريقة يستطيع الطامعون، وهم كثر (دول إقليمية وعالمية معروفة)، الوصول الى أهدافهم في السيطرة على العراق وشعبه، ليخسر الجميع هذا البلد كضمانة للعراقيين أنفسهم وللعرب والمسلمين.
لذلك يحذر سماحة المرجع الشيرازي، في كلمته نفسها، قائلا في هذا المجال: (على العراقيين الغيارى أن يعملوا لإزالة العراقيل التي تحول دون وحدتهم).
إبعاد المؤامرات عن الساحة العراقية
لقد كان للمؤامرات التي تحاك ضد العراق من خارج حدوده ولا تزال كثيرة، ولقد أكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية أن يعي العراقيون طبيعة تلك المؤامرات، وأهدافها ويعرفون مصادرها وأسبابها، حتى تسهل عليهم مهمة إحباطها، ولعل الأساس الأهم في إحباط تلك المؤامرات الخارجية، والتي يتم تنفيذها من لدن مجاميع تابعة ومنفذة، يتمثل بحماية وحدة الشعب العراقي وتماسك مكوناته كافة.
فالسبيل الى درء الخطر عن العراق، يتمثل بوحدة شعبه وتماسكه وقدرته على كشف المؤامرات، وأهدافها، ومن ثم العمل الجماعي المنظم والمدروس لإحباطها، ولعل جل هذه المخططات الخارجية تصب في مجال تمزيق النسيج المجتمعي للعراق، لذلك ينبغي العمل من لدن جميع المكونات العراقية لمقارعة هذه المخططات، وإبعادها عن الساحة العراقية، وجعل العراق مستقلا خاليا من المؤامرات التي تعمل بالضد من استقلاله.
لاسيما أن هذا البلد العريق، هو بلد آل بيت النبوة الأطهار، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (العراقيون مسؤولون عن إبعاد المؤامرات عن الساحة العراقية، خاصّة أن العراق هو بلد أهل البيت صلوات الله عليهم).
ولا يمكن أن تتحقق وحدة العراقيين، ما لم تبادر الى ذلك جميع مكوناته، وتعي خطورة ما يُحاك ضد وحدة الشعب من مخططات، تهدف الى زعزعة الأمن بين طوائفه، وإثارة الفتن، ومن ثم نشر الإرهاب، والعمل على تشتيت طاقاته، ونشر الاحتراب، وتصارع المكونات فيما بينها، كي يسهل السيطرة على الشعب، وإخضاع قادته الى المخططات الأجنبية للدول والقوى الطامعة.
ولذلك لابد أن يعمل الجميع على ترسيخ وحدة الشعب، لأنها السبيل الأهم لمقارعة المؤامرات، وبناء العراق والنهوض به الى غد أفضل، وهذا الهدف الجوهري، لا يمكن أن يتحقق إذا تضاربت المكونات العراقية فيما بينها، لأن الوتر الحساس الذي يضرب عليه أعداء العراق، هو زرع التفرقة بين العراقيين، لذلك ليس هناك مفر من التقارب والانسجام المجتمعي ضد كل من يحاول استخدام سياسة (فرق تسد) مع العراقيين.
ولهذا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي على هذه النقطة بالذات عندما يقول: (على مكونات الشعب العراقي كافة أن تكون متعاونة ومتماسكة ومتعايشة لدحر الإرهاب والقضاء على الفتن، وللنهوض بالعراق إلى غد مشرق).
تضحيات الشعب العراقي الكريم
وليس كثيرا على العراق، أن يحتل هذه المكانة الكبيرة، فقد قدم شعبه تضحيات كبيرة وعظيمة من اجل الحق، وتعددت هذه التضحيات لتبلغ الأنفس والممتلكات وكل أنواع التضحية، إذ تعرض هذا الشعب المعطاء الى شتى أصناف الظلم والطغيان والقتل والتجويع والمطاردة والحرمان، ومع ذلك بقي متمسكا بخط أهل البيت عليهم السلام، وظلّ ملاذا للمسلمين، وقبلة للزائرين من عموم دول ومدن العالم الكبيرة والصغيرة.
وقد صمد العراقيون بوجه الحكومات المستبدة التي تعاقبت على حكمه، وسامته كل أنواع العذاب، وألحقت به الظلم بشتى أنواعه، على أيدي حكام طغاة، كانوا بمثابة الأعداء للشعب العراقي بسبب تمسكه بأفكار وأقوال وأحاديث ومبادئ أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهكذا قدم العراقيون التضحيات العظيمة في سبيل الدين والمبدأ، لذلك يُنظَر لهم على أنهم شعب صامد وكريم ومظلوم في الوقت نفسه.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (الشعب العراقي الكريم، هذا الشعب المظلوم، هذا الشعب الصامد، هذا الشعب المقاوم، هذا الشعب الذي لقي كل أنواع التعسّف والظلم، قدّم الملايين من التضحيات).
وهكذا ينبغي أن يرى المسلمون والعرب في العراق ضمانة لهم، وهو يستحق المؤازرة منهم كونه الأرض التي ضمت مراقد الأئمة الأطهار عليهم السلام، كما انه يستحق المكانة الكبيرة التي تزيد من شأنه، وترفع من مقامه، لاسيما أنه لا يزال مصدر الإلهام والإقدام في مقارعة الظلم، وهذا يتضح من حالات الاستهداف التي يتعرض لها هذا البلد.
فهناك الإرهاب الذي يحيط به من كل حدب وصوب، وهناك المحاولات المستمرة واليائسة لإثارة الفتن والاقتتال بين مكوناته، وهناك الكثير من المؤامرات التي يتم طبخها على نار هادئة، في مطابخ الدول والقوى التي لا يزال يسيل لعابها على ثروات العراق الجريح، ومع كل ذلك، لا يزال يكافح العراقيون من اجل درء المخاطر الكبيرة التي تتهدد وجودهم، وهم ينظرون اليوم الى مكانتهم التاريخية، كون أرضهم مهبط الأنبياء، وضمّ ثراها أطهر الشخصيات على مر التاريخ، وجلّهم من آل بيت النبوة، لذلك يحتل الشعب العراقي مرتبة عليا في التضحيات والإقدام، الأمر الذي يؤكد مكانته الكبيرة في نفوس العرب والمسلمين.
ولهذا نقرأ قولا لسماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّني أقدّر في جميع المؤمنين والمؤمنات، في كل مكان، خصوصاً الشعب العراقي الكريم، المؤمنين منه والمؤمنات كافّة، أقدّر فيهم هذه التضحيات التي يقدّمونها اليوم).
اضف تعليق