من الأمور المهمة التي يثني عليها العلماء والمفكرون، ويؤكدون على أهميتها في حقليّ السياسة والاجتماع، هي القائد النموذج الذي يؤثر في شعبه، من خلال أقواله وسلوكه، التي تلتزم بالأعراف والقوانين، وتشكل مثالا للانسان المضحي الملتزم والدؤوب، فضلا عن التضحية ونكران الذات وما شابه من صفات ومزايا، اذا تواجدت في شخصية القائد السياسي والعاملون في السياسة، فإنها تصبح مثالا نموذجيا للشعب.
لذلك كانت هناك شخصيات سياسية في الامم الحية، شكّلت نموذجا للأمة، بعد أن أسهمت في ترسيخ القيم الانسانية العظيمة في فكر وسلوك تلك الأمة، وربما يقول قائل إن زمن الشخصيات العظيمة قد مضى، في ظل المستجدات الراهنة في عالمنا، ولكن هذا القول بعيد عن الواقع، لأن الأمثلة الحية للشخصيات السياسية المؤثرة في شعوبها، لا تزال حاضرة، كذلك هنالك افراد سياسيون، قادة لشعوبهم، استطاعوا أن يؤثروا في هذه الشعوب، وأن ينتقلوا بها من التخلف والجهل والتراجع، الى التقدم والتطور والازدهار.
والأمثلة على ذلك كثيرة وقريبة من الواقع، كما هو الحال مع (مهاتير محمد، ونيلسن ماندلا، وغاندي سابقا)، وغيرهم من القادة الذين أثروا في سلوك وتفكير شعوبهم، بعد ان كانوا النموذج الأمثل لها، لذا يقول المعنيون، أن تأثير شخصية القائد على شعبه، يمثلا رافدا أخلاقيا وتربويا كبيرا للشعب وللأجيال القادمة، ويسهم في تطوره بصورة فاعلة وحاسمة.
من هنا يأتي قول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الشيرازي (دام ظله) حول هذا الموضوع، واضحا في كتابه القيم، الموسوم ب، (السياسة من واقع الاسلام)، عندما يقول سماحته في هذا المجال: (القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر).
ومن المزايا المهمة لشخصية القائد السياسي حتى يكون مؤثرا في شعبه، الابتعاد عن وظاهر الترف غير الصحيحة، واعتماد المظاهر البسيطة في المظهر والمأكل والملبس، وفي السكن ايضا، مع مراعاة السلوك الشخصي، كونه يؤثر في الشعب، لأنه صادر من شخصية قيادية، ينظر إليها الشعب باحترام، فإذا أحسنت القول والسلوك، أثرت في الناس وساعدتهم على التطور، وإن فعلت العكس، فإنها أيضا ستؤثر فيهم ولكن بطريقة سلبية.
وقد كان مثال المسلمين في ذلك شخصية الامام علي عليه السلام عندما اصبح قائد الدولة، فقد اعتمد البساطة والوضوح، والابتعاد عن البذخ والترف، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الأمر: إن (المال، والحكم، والسلطة، والفرش، واللباس، والقصور، والأكل، والشرب.. كلها عند علي عليه السلام لا شيء، إلا بمقدار الحاجة الضرورية).
البساطة في الحياة الشخصية
هناك معادلة تتعلق بالشخصية وبنائها، تقول، كلما ازدادت بساطة الشخصيات المهمة، كلما أصبحت أكثر قربا من الناس، وأعمق تأثيرا بهم، وهذا القول استقاه أصحابه من التجارب والواقع والتاريخ، فمعظم الشخصيات السياسية المؤثرة في شعوبها، لم تكن تميل الى التجمّل في المظهر، ولا تميل الى البذخ والترف، بل على العكس من ذلك تماما، كانت بسيطة في حياتها، لدرجة أنها قد لا تختلف في ملبسها ومأكلها عن أبسط الناس.
وهذه البساطة في طريقة العيش والسلوك ومواصلة الحياة، تمثل ميزة للشخصية المهمة، ولا تلحق نقصا بها، أما القائد السياسي، فنظرا لامتلاكه صلاحيات واسعة ونفوذا وسلطة، فإنه يكون قادرا على البذخ والعيش في حياة رغيدة، لكنه عندما يربأ بنفسه عن ذلك، ويميل الى البساطة، فإنه يثبت للآخرين مدى اقترابه من روح الاسلام، ومدى شعوره بالشعب، على العكس تماما ممن يذهب الى حياة الترف والنعومة، هو وذويه والمقربين منه، فيما يتضور الشعب جوعا وحرمانا، وهو امرع اشته وتعيشه دول تسمي نفسها إسلامية للأسف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي جول هذا الجانب في كتابه (السياسة من واقع الاسلام): (البساطة في الحياة الشخصية، مما عرف بها أمير المؤمنين عليه السلام فكان لا يعبأ بالتجملات إطلاقاً، ولا يصرف ثواني من وقته في سبيلها. وهكذا ينبغي أن يكون القائد الإسلامي لكي يصرف أوقاته كلها في أمور المسلمين والمستضعفين).
وعندما يدرك القائد السياسي أهمية أن يكون مثالا لشعبه، ويتصرف وفقا لهذا التصور بإيمان عميق، وليس إيمانا شكليا، لأن السلوك الشكلي للقائد السياسي قد يدفعه للظهور الاعلامي بهذه الصفة الجيدة او تلك، ولكنه يتصرف في الواقع بصورة لا تليق بالقائد، وهذا ما يحدث بالضبط لبعض قادتنا، فهم يظهرون الجانب الجيد منهم في الاعلام، وفي الحقيقة يسيئون للشعب وللأمانة الملقاة على عاتقهم، فلا يمكنهم أن يكونوا مثالا ونموذجا للناس!.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (الحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).
القضاة وصنع الحياة الآمنة
ومع بساطة حياة القائد السياسي المسؤول عن الشعب، لابد أن تكون هناك اجراءات حازمة لتثبيت اركان العدل والمساواة بين افرد ومكونات الشعب، فالبساطة في حياة القائد، لا تعني تساهله في تطبيق العدالة بين الجميع، فقد كان المعروف عن الامام علي عليه السلام ابان قيادة لحكومة دولة المسلمين، انه يعيش حياة غاية في البساطة في الملبس والمأكل وفي أشكال العيش كلها، ولكن مع هذه البساطة العفوية الحقيقية، كان هناك حسما وحما قاطعا في تثبيت العدالة وتطبيقها بين الجميع.
لذلك لو أن القادة السياسيين للمسلمين طبقوا في حياتهم وقيادتهم ما قام به الامام علي عليه السلام ابان حكمه من حيث ادارة الحكم وشؤون الناس، لكان المسلمون في صدارة الدول المتقدمة اليوم، بسبب انتشار العدل بينهم، لكن الحقائق الظاهرة في الواقع الاسلامي تظهر عكس ذلك تماما، وتؤكد انهم بعيدون عن سلوك وتفكير النموذج الأمثل للمسلمين.
لذلك يطالب سماحة المرجع الشيرازي قادة المسلمين بهذا القول الذي يرد في كتابه (السياسة من واقع الاسلام): (على الحكّام، والقضاة، والرؤساء أن يطبقوا سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حياتهم الشخصية أوّلاً، لكي يأمن المجتمع من الظلم والحيف).
ومما شاع بين الناس في سلوك المسؤول في الدول الاسلامية، قضية الفساد الاداري، وانتشاره بين الاداريين واصحاب المسؤوليات وبعضهم من اصحاب القرار، لدرجة أن (الرشوة) باتت امرا متعارفا عليه ومتدولا بين المسؤول والمواطن، وهذا لا يليق اطلاقا بالقائد الاسلامي، وحتى لو تم ذلك بغطاء الهدية، فهذا سلوك غير مقبول لأنه يعمل بالضد من الحق، لذلك لابد للقائد والمسؤول أن لا يتساهل في هذا الجانب، وأن لا بحث عن تبرير او غطاء لقبول (الهدية الرشوة)، ولعل هذا هو السبب الأساس الذي جعل من نصوص الأحاديث الشريفة تؤكد بقوة على أهمية تحاشي (القضاة) للهدايا مهما كان الهدف الذي يقف وراء تقديم الهدية للقاضي.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: إن (الهدية التي تهدى لأصحاب الحكم كثيراً ما يراد بها استمالة قلب الحاكم لكي يبطل بها الحق، أو يحق الباطل ولذا كان التأكيد شديداً في الأحاديث الشريفة على تحاشي الحكّام والقضاة ومن بيدهم الحول والطول، والحل والعقد، من قبول الهدايا. قطعاً لهذه الجذور التي تدع المجتمع غير آمن من الظلم والحيف والإجحاف).
اضف تعليق