q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الاستعداد لإحياء الشعائر الحسينية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

أننا نقف على أعتاب شهر محرّم، ليبدأ العد التنازلي لذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة، وثائر كربلاء البطولة والسلام الإمام الحسين (عليه السلام)، فما علينا جميعا إلا الاستعداد اللائق بهذه المناسبة، كي نحي شعائر عاشوراء، ونعزز ثقافتها، ونوصل أفكار ومبادئ الإمام الحسين إلى الجميع، بل إلى كل أصقاع الأرض...

(إنّ أياً من الشعائر الحسينية المعهودة لم يفتِ مجتهد بحرمتها)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

في كل مرة نقترب فيها من شهر محرم، ونستعد فيها لإحياء الشعائر الحسينية، يدور لغط بين أناس ليسوا مجتهدين ولا هم بمراجع تقليد، ولا رجال دين، وهذا اللغط ينصبُّ حول الشعائر الحسينية حيث تبدأ الفتاوى تنطلق من هذا وذاك، فيحرّمون هذه ويرفضون تلك من الشعائر بلا سند ولا تخصص ولا اجتهاد صحيح، كون هؤلاء ليسوا فقهاء بالمطلق ولا علاقة لهم بموضوع الشعائر، لأنها ليست من تخصصهم، فهي محصورة بالمراجع والمجتهدين المعترَف بهم، ولا يحق لك من هبّ ودب أن يتكلم كما يشاء عن أحكام الله تعالى.

لكننا مع اقتربنا من أيام عاشوراء واستعدادنا لإحياء مناسبة استشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام)، نلاحظ هذه الحالة غير المحمودة التي يقوم أصحابها بإطلاق الانتقادات غير الصحيحة للشعائر، فيحرّمون كما يشاؤون ويحللون ما يروق لهم، مع أن هذا الأمر حساس ودقيق ومهم كونه يتعلق بالعقائد التي يؤمن بها الناس، ولا يجوز أن تكون الشعائر محل انتقادات لأناس هم بعيدون عن معرفتها، ولا يفهمون منها شيئا، والأهم من هذا وذاك أن معظمهم لا يؤمنون بها وينظرون إليها بعين الرفض.

ولا يصح مثل هذه السلوكيات، لأن معظم الناس يؤمنون بالشعائر الحسينية، وينظرون إليها بروح التقديس والاحترام، ويتعاملون معها روحيا ومعنويا، فيستمدون منها الكثير من إيمانهم ووعيهم وتمسكهم بثوابت الإيمان والتقوى والورع، والتمسك بمنهج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وبخارطة الطريق التي رسمتها الثورة الحسينية كي يسيروا في هدْيِها.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهدى):

(العجيب أنّه عندما تأتي مناسبة استشهاد الإمام الحسين سلام الله عليه وينصب عزاؤه يصبح كلّ شيء حراماً وكلّ الناس فقهاء!! مع أنّ أحداً من المجتهدين لم يفتِ بحرمة أيّ من شعائر أبي عبد الله سلام الله عليه).

إذَا لا يجوز الافتاء بحرمة أي من الشعائر، لأن أهل الشأن أنفسهم (المراجع الأجلّاء) أنفسهم لم يفعلوا ذلك، مع أنهم هم المخوّلون بهذا الأمر، لكننا نجد الذين لا علاقة لهم بالشعائر، يتربعون على قمم الكلام ويفتون بما يشاؤون حسبما يتخيّلون أو يرغبون، فيحرّمون هذه الشعيرة وينتقصون من تلك، مدفوعين بحماس فردي فارغ لا يدعمه علم ولا قرينة ولا شواهد برهانية داعمة، فمجرد أنه لا يرغب بهذه الشعيرة يقوم بنسفها من الجذور، وهذا تصرّف عشوائي لا يقبله أحد كونه غير صادر من ذوي الشأن.

عواقب الإفتاء العشوائي

وهؤلاء لا يعرفون العواقب التي تنتج عن أفعالهم ولغطهم العشوائي، فهناك لكل كلمة ينطقونها نتائج إلهية تعود عليهم بالضرر، وعلى غيرهم بسببهم، فمن يحرّم الحلال، أو يحلّل الحرام وفقما يشاء وكما يرغب ويشتهي، فهو يرتكب معصية كبيرة أمام الله، ويعد من المتجاوزين على أحكامه تعالى، ولا يكتفي هؤلاء بذلك بل يتعاملون مع المكروه والمستحب بالطريقة الفاشلة نفسها، فتأتي العواقب بما لا يحبون ولا يرغبون.

إن العواقب التي يتسبب بها هؤلاء المحرِّمون والمحلِّلون كما يشتهون، هي عواقب إلهية بمثابة عقوبات تمنع عن الأرض البركات، وتحبس عنها الأمطار، فتتوقف الحياة وتضمر وتضمحل، وتغدو جافة وغير صالحة للعيش، وتصبح المعيشة (ضنكا) لا لشيء إلا لما يقوم به أناس جاهلون بالشعائر المقدسة، فيسيئون لها لينتج عن ذلك حبس البركات عن الأرض، فيتأثر بذلك من أساء للشعائر وأراد أن يمس بقداستها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إنّنا لو قلنا عن أمر إنّه حرام مع أنّ الله لم يحرّمه، أو إنّه حلال وهو عند الله ليس بحلال، وكذا المكروه والمستحب والواجب فإن ذلك القول بغير ما أنزل الله يمنع الأمطار من النـزول ويحبس بركات الأرض).

إن الإمام الحسين (عليه السلام)، هو سبط الرسول الأكرم نبي المسلمين الأعظم الذي جاء برسالة إسلامية معروفة، انتقل فيها بالناس من ظلام الجهل والتطرف والنزاعات إلى نور الحياة المجدية المضيئة القائمة على التعاون والتراحم والتكافل والعلم والإتقان، وسبط الرسول واصل الرسالة النبوية في المنهج نفسه، وهو منهج العدالة، ورفض الظلم والطغيان والفساد، لذلك حين خرج الحسين (عليه السلام) أعلن منذ اللحظات الأولى بأنه خرج لإصلاح أمة جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

وكان الإمام الحسين (عليه السلام) كما هو حال الائمة والأنبياء والرسل من قبله، مستعدا للقتل والشهادة من أجل إعادة الإسلام وترسيخ أحكام الله ومنع التلاعب بها من خلال الفتاوى غير الجائزة ولا المقبولة، تلك التي تصدر من أشخاص لا علاقة لهم من بعيد أو قريب بأحكام الله، أو برسالة الحسين (عليه السلام).

الإمام الحسين والعلم المسبق بالشهادة

فما كُتِب على الحسين (عليه السلام) لابد أن يحصل، وحصل فعلا، وقدم الثائر الأعظم نفسه قربانا للمسلمين وللإسلام الذي استعاد طريقه النبوي الشريف، وتم إسقاط الشر الأموي الذي انحرف بالدين إلى الفسق والفجور والطغيان والظلم الذي استهتر بحقوق المسلمين واستهان بحريتهم وسلامتهم وكرامتهم، فما كُتب على الحسين (عليه السلام)، كان معرفا ومعلوما لجده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ومعلوما للإمام الحسين (عليه السلام) أيضا.

ألا يستحق ذلك أن يستعد المسلمون وشيعة أمير المؤمنين لإحياء استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي ركب صهوة الشهادة وحلق بها عاليا، لكي يعلو بأمة الإسلام، ويستعيد لها الدين من خط الانحراف الأموي؟، إن من قدّم روحه ونفسه ودمه وأهله قرابين للإسلام، سوف تبقى شعائره قائمة إلى أبد الآبدين، وهذا ما كتبه الله تعالى لمن آمن به وحمى أحكامه واستشهد من أجلها، وهو يعلم بشهادته وسبي عياله أيضا.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(لقد قُتل الأنبياء والأولياء في سبيل أحكام الله تعالى، وأخبر الإمام الحسين عليه السلام أخاه محمد بن الحنفية - لمّا أراد ثنيه عن الخروج إلى كربلاء - أنه رأى جدّه صلى الله عليه وآله في المنام، فقال له: يا حسين اخرُج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً!، فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون! فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟ فقال له: قد قال لي إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا. لماذا شاء الله ذلك؟ لأنّ أحكام الله فوق الحسين وزينب وأمّ كلثوم).

ومن المهم أن يعلم المعارضون لإحياء الشعائر الحسينية، بأن جميع المراجع المشهود لهم بالمكانة العالة والرصانة والاحترام، لم يحرموا الشعائر، ولم يفتوا بحرمة إحداها، بل أيدوا ودعوا لإقامتها، وإحيائها، وأجازوا للمسلمين ممارستها، بل أعلنوا استحباب ذلك، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية إحياء الشعائر الحسينية وحمايتها من الصوات النشاز التي تحاول بطريقة أو أخرى أن تعارضها أو تمنعها أو تشوّه صورتها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول حول هذه النقطة:

(الأمر الآخر الذي ينبغي أن لا ننساه هو أنّ أياً من الشعائر الحسينية المعهودة لم يفتِ مجتهد بحرمتها، بل الفقهاء قاطبة أفتوا بجوازها بل استحبابها؛ فلا يجوز لغير الفقيه أن يفتي من عند نفسه بحرمة شيء منها).

وها أننا نقف على أعتاب شهر محرّم، ليبدأ العد التنازلي لذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة، وثائر كربلاء البطولة والسلام الإمام الحسين (عليه السلام)، فما علينا جميعا إلا الاستعداد اللائق بهذه المناسبة، كي نحي شعائر عاشوراء، ونعزز ثقافتها، ونوصل أفكار ومبادئ الإمام الحسين إلى الجميع، بل إلى كل أصقاع الأرض.

اضف تعليق