سياسة الإسلام المستمَدّة من القرآن الكريم، والتي تم تطبيقها في حكومة الرسول الأكرم (ص)، وأخذها عنه الإمام علي (ع) ومن تلوه من الأئمة الأطهار، كونها سياسة الإسلام الحقيقي الذي ينظر إلى العفو واللاعنف والسلم، باعتباره منهجا حافظا للبشرية وناشرا فيها معايير العدل والمساواة والتعاون المتبادَل...
(انشروا ثقافة أهل البيت عليهم السلام حتى ينعم العالم بالأمن والاستقرار)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
سياسة أو منهج العفو عن الخصوم من أعظم السياسات التي اشتهر بها قادة اللاعنف في الإسلام، وفي المقدمة منهم أهل البيت (عليهم السلام)، بدءًا من حكومة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، عبورا إلى حكومة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بالإضافة إلى ما حفلتْ به سِيَر أئمة أهل البيت الذين أخذوا عن أجدادهم وآبائهم سياسة العفو، منهجا راسخا وناجحا في التعامل مع الخصوم والأعداء وغيرهم.
الجميع كان يشعر بالأمان في ظل حكومة الإمام علي (عليه السلام)، حتى أعداؤه لم يكن أحدهم يشكوا الخوف أو عدم الأمان، رغم أن هؤلاء كانوا يسبّون الإمام ويتجاوزون عليه وجها لوجه وبحضور أصحابه ومؤيديه، مع ذلك كان الإمام علي قائد دولة المسلمين يمتنع هو نفسه ويمنع الآخرين من التعرض لمن يسبّه، أو يدلي برأي معارض لا يتّسق ولا ينسجم مع سياسة أو رأي الحاكم والحكومة.
فالناس كانوا أحرارا في آرائهم، يقولون ما يتصوّرون أنه صحيح، وحين يتجاوز ذلك الرأي إلى سبّ الإمام (عليه السلام) يكون العفو واللاعنف هو سيد الموقف، وهو السياسة التي ميّزت منهج أهل البيت (عليهم السلام).
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته التوجيهية القيّمة:
(هل يوجد في التاريخ في أيّام حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، شخص قال أنا لم أنم ليلتي خوفاً من أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ رغم كثرة المنافقين الذين أقاموا وفرضوا حروباً على الإمام صلوات الله عليه. فقد كانوا يسبّون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وجهاً لوجه، وبوجود أصحاب الإمام، والإمام ذلك اليوم هو رئيس أكبر حكومة على وجه الأرض، ولم يسمح الإمام صلوات الله عليه حتى بمعاتبة الشخص السابّ).
مدرسة عريقة بإنسانيتها ومبادئها
إن مدرسة أئمة أهل البيت مفتوحة للجميع، لاسيما للذين يعلنون أنهم من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه المدرسة العريقة بإنسانيتها ومبادئها، أعلنت ولا تزال سياسة العفو في التعامل بين الناس جميعا، سواء في علاقات الأفراد مع بعضهم اجتماعيا، أو في علاقات الحكام مع المحكومين، وحتى في علاقات الساسة مع بعضهم، فالعفو أولى واللاعنف يتقدم على جميع السياسات إذا أراد السياسيون النجاح في قيادة الدولة.
سياسة العفو تنطلق من القيم الصالحة، وتقوم على منطق الإنسانية والأمن والتعاون والفضيلة بكل أشكالها، ولا فائدة من سياسة العنف، أو الغدر، أو التسقيط وتشويه السمعة وما شابه، فهذه سياسات تنطلق من منطق الشر، فيما تقوم سياسة أهل البيت (عليهم السلام) على منطق الخير وسياسة العفو ومنهج اللاعنف.
فالعفو أولى عند الإمام علي (عليه السلام) من استخدام القوة أو الردّ العنيف تجاه المعارضين أو الخصوم، وهذا المنهج كما نراه اليوم يتفوق على جميع المناهج في التعامل السياسي بين المتخاصمين والغرماء.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لقد كان منطق الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه منطق الأمن، ومنطق الإنسانية، ومنطق الفضيلة، ومنطق لا يموت. فكان صلوات الله عليه يقول تجاه مثل تلك المواقف، أي قبال من يسبّه: (سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب، وأنا أولى بالعفو). ففي أيّة حكومة على وجه الأرض تجد مثل هذا المنطق؟).
في حال تعرّض شخص من عامة الناس إلى السبّ من أحد ما، فمن حقه الردّ بالسب أيضا، لكن العفو أكثر الأساليب رفعة ورحمة وتعبير عن سمو القلب والعقل والأخلاق التي يتحلى بها من يترفّع عن الرد بالسب، وهذا يعبر عن قوة المنهج وأصالته وحكمته وعقلانيّته، على العكس من استخدام العنف، والابتعاد عن سياسة العفو التي تُدخِل الجميع في دوامة العنف، وتمتد النيران إلى مساحات تتجاوز المجال الفردي إلى الجماعي.
كيف نغذّي العقول بمنهج العفو؟
الإمام علي (عليه السلام) يبتعد بنفسه عن العنف والسبّ بالمثل، ويفضّل العفو عن المسيء، وهي سياسة يجب أن يلتزم بها كل من يؤمن بالإمام علي (عليه السلام) وينتمي إلى مدرسته الأخلاقية والعقائدية والسياسية، فهي مدرسة اللاعنف والعفو والجنوح إلى السلم امتثالا إلى ما أوصى به الله تعالى جميع الناس.
وقد جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(يقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنا لي الحقّ أن أسبّ السابّ، ولكن قال الأفضل هو أن أعفو عنه. فهل رأيتم رئيس حكومة يُسبّ بالعلن ووجهاً لوجه، ولا يسمح لأصحابه أو حمايته حتى أن يعاتبوا السابّ؟ وفي أي تاريخ يوجد مثله؟).
هذه هي مدرسة الإمام علي (عليه السلام)، تغذي العقول والنفوس بمنهج العفو، وتقرّب بين المتباعدين والغرماء والمتضادين، وتدعوهم لاعتماد السلم طريقا لهم، وجعل اللاعنف سياسة مبدئية ثابتة لمعالجة العلاقات السياسية والاجتماعية وغيرها، وهذه السياسة مأخوذة من صلب الإسلام وتعاليمه التي عمل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلَّمها للإمام علي (عليه السلام)، ومن ثم شكلت ثقافة أساسية لأئمة أهل البيت الأطهار.
ولوز أن هذه الثقافة نُشِرت في أصقاع العالم أجمع، لدخلت تلك الأمم في الإسلام، بعد أن تأخذ هذه الثقافة كمنهاج عمل لها، يغيّر من الأوضاع المأساوية التي يعيشها عالَمنا اليوم، أما كيف تنتشر ثقافة العفو والرؤية الإسلامية للسلم واللاعنف، فهذه مسؤولية جميع المسلمين، وكل إنسان يؤمن بمنهج الإمام علي (عليه السلام) في مكافحة العنف، والحرص على حقوق الآخرين، ومن بينها حقه في الاختلاف، وحماية حقه في قول الرأي الذي يؤمن به، بالإضافة إلى حقوق المادية والمعنوية المكفولة له.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(كونوا على اطمئنان، أنّه في هذا اليوم، لو تنتشر في العالم ثقافة رسول الله وثقافة أهل البيت صلوات الله عليه وعليهم، فستتسابق بلاد غير الإسلام إلى اعتناق إسلام رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الحسين وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين. وهذه مسؤولية على الجميع).
يحتاج المسلمون ومن بينهم العراقيون إلى تثبيت ثقافة العفو كي يتجنبوا الأزمات والصراعات التي تتأجج فيما بينهم بين وقت وآخر، كذلك لابد من نشر ثقافة أهل البيت التي تقوم على التوازن والاحترام وحماية الحقوق، وهذا الهدف يتطلب أولا جهودا يقوم بها المسلمون، وهي جهود اتصالية بالدرجة الأولى، مستثمرين بذلك التطورات العائلة في وسائل الاتصال بين شعوب ودول العالم المختلفة، والشباب لهم دورهم الكبير في قضية التوصيل والنشر عبر وسائل الشوسيال ميديا الحديثة لكي ينعم عالم اليوم بشيء من الاستقرار والوئام.
كيما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع لنشر أفكار الحسين صلوات الله عليه، ونشر ثقافة رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، حتى ينعم الجميع في العالم، في كل مكان، بكل أمن واستقرار).
هذه هي سياسة الإسلام المستمَدّة من القرآن الكريم، والتي تم تطبيقها في حكومة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأخذها عنه الإمام علي (عليه السلام) ومن تلوه من الأئمة الأطهار، كونها سياسة الإسلام الحقيقي الذي ينظر إلى العفو واللاعنف والسلم، باعتباره منهجا حافظا للبشرية وناشرا فيها معايير العدل والمساواة والتعاون المتبادَل.
اضف تعليق