لقد مضت عقود كثيرة، وتتابعت سنوات ثقيلة، ولا تزال هذه الجريمة من دون معالجة، لذلك لابد من مواصلة الضغوط الهائلة، والعمل المنسَّق والدقيق والمتواصل، لكي تُعالَج آثار هدم قبور أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والعمل بمضمون الآية الكريمة التي تحث على المودّة بأهل البيت الذين طهّرهم الله من الرجس...
(هدم قبور البقيع تجاسرٌ على القرآن الكريم) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
مرّت علينا هذه الأيام الذكرى الأليمة لفاجعة تهديم قبور أربعة من أئمة أهل البيت، وتم ذلك في أرض البقيع الغرقد، حيث قامت مجاميع الضلال والانحراف، بأوامر من أعداء الله ورسوله والإسلام، فتم تهديم تلك القبور المباركة، في تطاول سافر وتجاسر لم يشهد الإسلام أشنع منه، لاسيما أن القرآن يؤكد بصريح الكلام ويطالب بـ (المودّة في القربى).
لكن مع كل هذا التأكيد، ومع معرفة الجناة بأن هذه القبور تعود لأبناء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وتشكّل امتدادا له ولرسالته وللإسلام وتعاليمه ومبادئه، إلا أنهم لم يترددوا قيد أنملة في هدم تلك القبور المقدسة، في حالة من الهيستيريا ضد كل ما يتعلق بالإسلام والرسول (ص) وأهل بيته (عليهم السلام، بل هو فعل مضاد لله تعالى ولكتابه الحكيم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى محاضراته ودروسه القيّمة:
(إن هذا التجاسر السافر والتجرّي الصريح على هدم قبور أئمة أربعة من أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين هو في الواقع تجاسر على الله تعالى الذي أمر بمودّة أهل البيت صلوات الله عليهم وطاعتهم وإكرامهم).
وقد جاءت هذه الفاجعة وهذا الفعل الآثم والتجاسر الشنيع، ليؤكد أن هناك من يحسب نفسه على المسلمين، لكنه لا يحترم دينه، ولا يعترف برسوله (صلى الله عليه وآله)، ولا تعنيه النصوص القرآنية الصريحة والواضحة التي جاءت في آيات القرآن الكريم، وأكدت على التقديس والاحترام والإجلال لأئمة أهل البيت، والمودة لهم.
لكن المنحرفين لا تعنيهم تعاليم القرآن وآياته الواضحة، بسبب الأحقاد الجاثمة فوق صدورهم، والضغائن التي أعمت بصائرهم، فسوّلت لهم أنفسهم بالاعتداء على تلك القبور المقدسة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، مع أنهم يعرفون ويعلمون تماما، ومن دون أدنى شك، إلى من تعود هذه القبور وماذا يشكل امتدادها؟
ولو أننا نظرنا إلى الأمر من زاوية احترام التراث الإسلامي والإنساني، فإننا سوف نكون أمام تجاوز شنيع على التراث الإسلامي والإنساني، حيث تدعو المنظمات المهتمة بالتراث العالمي إلى المحافظة على مثل هذه الكنوز التراثية التي تعد ملكا للبشرية كلها، ولا يحق لكائن من يكون التجاسر عليها وإزالتها لأي سبب كان.
ليس هذا فحسب إنما هو (تجاسرٌ على القرآن الحكيم الذي صدع بقول الله سبحانه في الآية الثالثة والعشرين من سورة الشورى: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، وتجاسرٌ على الإسلام العظيم الذي عظّم أمر أهل البيت وجعلهم امتداداً للرسول الأمين، وتجاسرٌ على الرسول الكريم الذي جعل أهل بيته المعصومين عِدل القرآن الحكيم) كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله).
كيف نعالج هذه الفاجعة المؤلمة؟
إن المسلمين جميعا يجب عليهم التفكير الجاد والحازم، في كيفية معالجة هذه الفاجعة الأليمة، وهذا التجاوز غير المبرّر وغير المقبول، ولابد أن يكون هناك عمل مستمر ومخطّط له لإزالة الآثار الجارحة التي خلّفها هذا العمل الغادر (هدم قبور البقيع)، والتنكّر لما أوصى به الرسول الأكرم خيرا بأبنائه وذريته، في مقابل ما قدمه للمسلمين والبشرية جمعاء من جهود نبوية عظيمة انتشلتهم من الظلمات لتنقلهم إلى رحاب النور.
إن الحل الناجع، والفعل الوافي لمعالجة هذا التجاسر الشنيع، يكمن في المبادرة الفورية لإعادة هذه القبور المهدّمة إلى سابق ما كانت عليه، وتحويلها إلى روضة من الجنان، لتصبح كما كانت وكما هي مراقد أئمتنا المقدسة، محجّا للزوار من كل أصقاع العالم، لتزيد من شحنات ونفحات الإيمان في قلوب المسلمين من كل حدب وصوب.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكد على هذا الحل الحازم قائلا:
(هذا التجاسر البذيء مازال باقياً ومستمراً مادام البقيع على حاله موحشاً، وقبر أئمة أهل البيت فيه مهدّمة، ولا يزول هذا الوهن ولا يعالج إلا بزوال آثارة المفجعة، وبقاياه المؤلمة، وذلك بإعادة بناء المراقد الشريفة والقباب المنيعة وتشييد الأضرحة الكريمة والمآذن الشامخة).
كما أن المبادرة لهذه المعالجة، والدعوة إلى معالجة التجاسر الشنيع يجب أن يشارك فيه الجميع، ليس المسلمين وحدهم، وإنما أحرار العالم أينما وُجِدوا، عليهم مسؤولية المشاركة التضامنية الفعلية، في الدعوة إلى إعادة بناء هذه القبور، وجعْلها من أملاك البشرية التراثية، فضلا عن كونها تراثا إسلاميا يهم المسلمين في الأرض قاطبة. لأن (مسألة معالجة هذه الفاجعة المؤلمة ورفع هذا التجاسر البذيء المتطاول على الله والرسول، والاسلام والقرآن، والقيم والاخلاق، لابد وأن يكون من جميع المسلمين بل من جميع الناس الأحرار) وهذا ما دعا إليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله).
جهود مباركة للسيد الشهيد حسن الشيرازي
لم ينس المسلمون هذه الفاجعة، بل شمّروا عن إراداتهم وعقولهم وكل الوسائل التي يمتلكونها، ودعوا من خلالها إلى إعادة بناء قبور البقيع، وأن الحل لا يكون إلا من خلال إرجاع الأمور على ما كانت عليه، والمباشرة بإنصاف أبناء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وشارك في هذه الدعوات مفكرون وكتاب ورجال دين وشخصيات متنورة، وحشدوا كل طاقاتهم وإمكاناتهم لتحقيق هذا الهدف ومعالجة تداعيات هدم قبور البقيع.
كما أكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(لقد وقف موقف المطالب بنهاية هذا التجاسر البغيض تجاه الله ورسوله، والاسلام والقرآن، وطالب بإعادة بناء قبور أئمة البقيع الكثير من العلماء الاعلام، والسادة الكرام، والشخصيات الدينية والاجتماعية ومن جملتهم الأخ الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدّس سرّه، وذلك قبل أكثر من أربعين عاماً، حيث بدأ حملة واسعة النطاق في المطالبة ببناء البقيع، وكرّس كل جهوده وعبّأ جميع طاقاته من أجل ذلك).
إن الفعل النشاز لا يزال قائما في عدم معالجة التطاول البغيض على أضرحة أئمة أهل البيت، ولابد من التحرك المستمر لوقف التداعيات، واستمرار هذا التجاوز المنكر، فالمؤمنون وأحرار العالم لا يزالون يواصلون إعادة الأمور إلى نصابها، ومعالجة الخلل الفادح الذي نتج عن تهديم قبور البقيع، والتي لا تزال نتائجها واضحة للعيان.
وها هم المسلمون الغيارى، يسعون بكل جهودهم، وبجميع الوسائل المتاحة لهم، ويضغطوا على السلطات السعودية، كي تكف عن حالة الصمت تجاه الطلبات المتزايدة لإعادة بناء قبور البقيع وفتحها كمزارات مقدسة يُئمّها المسلمون إبان مواسم الحج لبيت الله الحرام، وفي الأيام والأخرى، وهذا حق من حقوق المسلمين لا يمكن التنازل عنه.
إن هذا المنكر الأشدّ الذي لا يزال مستمرا، يجب أن تتم معالجته، وهي معروفة، ولا يمكن أن يضيع الحق طالما وُجدَ من يداعي به، وها هم المسلمون وكل الأحرار معهم يطالبون السلطات السعودية، بتصحيح المسار، ومحو آثار هذه الجريمة النكراء، والمبادرة فورا إلى إعادة القبور إلى سابق عهدها، وقد أصبح هذا المطلب عالميا قبل أن يكون إسلاميا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(بقاء البقيع الغرقد موحشاً، والمراقد الشريفة مهدّمة، منكر من أشدّ المنكرات، وهو بمرأى من المسلمين جميعاً ومسمع، ولابدّ من يوم وهو في الطريق، وساعة صفر هي على الأعتاب، يزول فيه هذا المنكر ويغسل عاره وشناره، فهنيئاً لامّة ناشطة وقوم غيارى يستطيعون صنع العام المجموعي واتخاذ الموقف الموحّد، للقيام برفع هذا المنكر ودفعه، وسدّ هذا الصدع وردمه).
لقد مضت عقود كثيرة، وتتابعت سنوات ثقيلة، ولا تزال هذه الجريمة من دون معالجة، لذلك لابد من مواصلة الضغوط الهائلة، والعمل المنسَّق والدقيق والمتواصل، لكي تُعالَج آثار هدم قبور أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والعمل بمضمون الآية الكريمة التي تحث على المودّة بأهل البيت الذين طهّرهم الله من الرجس، وجعلهم في مقامات متسامية وخلّدهم التاريخ، لذا يجب العمل فورا على تصحيح هذا العمل الشنيع.
اضف تعليق