يستذكرُ المسلمون وشيعة أهل البيت (ع)، ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام، كي ينالوا سعادة الدنيا والآخرة، من خلال بناء الثوابت والقيم الصحيحة للحياة، وهذه القيم يستمدها المسلمون من الإرث الفكري الأخلاقي المبدئي، للأئمة الأطهار، والسيَر المعطّرة بملاحم الكفاح الإنساني ضد الظلم والطغيان والاستبداد بكل أشكاله...
(إياك أن تمنع في طاعة الله فتُنفق مثليْه في معصية الله)
الإمام الكاظم (عليه السلام)
يستذكرُ المسلمون وشيعة أهل البيت (ع)، ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام، كي ينالوا سعادة الدنيا والآخرة، من خلال بناء الثوابت والقيم الصحيحة للحياة، وهذه القيم يستمدها المسلمون من الإرث الفكري الأخلاقي المبدئي، للأئمة الأطهار، والسيَر المعطّرة بملاحم الكفاح الإنساني ضد الظلم والطغيان والاستبداد بكل أشكاله.
فمن يسير على خط الإمام الكاظم (ع) وينهل من تجربته التاريخية الخالدة في مكافحة الاستبداد، سوف يحصل على العِبَر التي تزيد من إيمانه، وتقواه، وتمسكه بالحق حتى لو كانت التضحيات جسيمة، كتلك التي قدمها سليل الحكمة وكاظم الغيظ في الطوامير المظلمة للمستبدين، لكن الحق ظهر في نهاية المطاف، وعلا شأنه كالفنار الشاهق غير القابل للانطفاء، فيما ذهب الطغاة الظالمون إلى مزبلة التاريخ.
في مناسبة استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام، لابد أن يرمم المسلمون الثغرات التي تجعل من حياتهم مشوهة، وغير قادرة على العبور بهم إلى العالم الآخر بما يضمن لهم السعادة في الدارين، وأول هذه الثغرات التي يجب غلقها، أن يتجنب الناس المعصية، فهي كالمعول الذي يهدّم البنيان السليم، فما فائدة أن يبني الإنسان بيد ويهدّم ما بناه بيده الأخرى؟
هكذا هو حال المسلمون اليوم، إنهم يبنون بيد ويهدمون بأخرى، بعد أن تكاثرت المعاصي والذنوب، ولابد من إيجاد السبل الصحيحة التي تجعل الناس قادرين على تحصين أنفسهم، وجعل طاعة الله في مقدمة أهدافهم، ولهم في الأئمة المعصومين عليهم السلام خير دليل.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمة له بمناسبة استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام:
(المعصومون الأربعة عشر صلوات الله عليهم هم أعدال القرآن الكريم. والقرآن الكريم والمعصومون هم الملاك الوحيد في سعادة الجميع في الدينا والآخرة. وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الكاظم صلوات الله عليه، أنه قال: (إيّاك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله).
متى يكون الحساب والعقاب مضاعَفا؟
المسلم عليه أن لا يتوقف عن تقديم الطاعة لله تعالى والالتزام بها، بل عليه واجب آخر أن لا يمنع الطاعة سواء من شخصه أو سواه، ولابد أن يلتزم بتعاليم الله بشكل تام، لأن التأخر في إبداء هذه الطاعة، تعني الذهاب في طريق الذنوب، وبهذا فإن أي إحجام في الطاعة سوف يتحول إلى سبل المعصية بشكل مضاعف، فيكون الحساب والعقاب مضاعفا أيضا، لهذا على الإنسان أن يحذر كل الحذر من إبدال الطاعة لله إلى حزمة من الذنوب والمعاصي التي تدمر حياته وآخرته معا، فيكون الخاسر الأكبر.
الجميع مشمولون بهذه الطاعة، ولا يعفى أو يُستثنى منها أحد، بغض النظر عن الأجناس والأعراق والأعمار والانتماءات والمسميات، فالكل مطالبون بالطاعة ومواجهة هذا الاختبار، والناجح هو الذي لا يعصي الله فتتحول طاعته إلى ذنوب مضاعفة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(ان كل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، وغنيّاً أو فقيراً، وعالماً أو جاهلاً، إذا كان عليه حق من مال أو من حقوق أخرى، مثل الحقّ الذي على بدنه، وعينيه، وإذنيه، ولسانه، ومن ذلك، ولم يؤدّ هذا الحقّ، أو منع عنه، فسيبتلى بأن يدفع ضعف ذلك في باطل).
لسان الإنسان عليه واجبات يجب أن يؤديها دونما تأخّر أو تلكّؤ، لأنها واجبات غير قابلة للتأجيل كونها تأتي في صالح الإنسان نفسه ومن يحيط به وصالح المجتمع كله، فإذا استخدم الإنسان لسانه وأطلق أقواله عليه أن يعمل بقاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وأن لا يلوذ بالصمت، ولا يلجأ للمحاباة في هذه الحالة.
قد تكون المحاباة مطلوبة في وقتها وظروفها، ولكن لا يصح أن تكون على حساب الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق لا يجوز التنازل عنه كونه يبني الفرد والمجتمع، ويخلصه من الظواهر الشاذة، ويقلل نسبة الأفعال والأعمال والأقوال المحرّمة التي تهدم الإنسان ولا تبنيه، فالصالح له أولا وأخيرا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هكذا الإنسان الذي عليه وبذمّته حقّ، أوجب الله عليه أن يستفيد من لسانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا منع هذا الحقّ الواجب عليه في لسانه، سيبتلى في يوم من الأيام بأن يصرف هذا اللسان في باطل، أكثر مما يصرفه في حقّ).
الآباء والأمهات نماذج مهمة لأبنائهم
هناك مهمة كبيرة ومضاعفة تقع على الآباء والأمهات، فهؤلاء هم النماذج الأولى لأبنائهم (بنينا وبنات)، وعليهم أن يحرصوا كل الحرص إظهار الطاعة لله أمام أبنائهم لكي يتعلموا منهم الالتزام بهذه الطاعة الكبيرة التي ستجعل من حياتهم أفضل وأكثر سعادة واستقرار.
على العكس مما لو كانوا من العاصين المذنبين وغير الملتزمين بطاعة الله، فهؤلاء يصبحون نماذج سيئة لأبنائهم، في حين الصحيح يجب عليهم تجسيد طاعة الله عمليا أمام أبنائهم وليس بالقول وحده، لأن العمل أكثر تأثيرا بالأبناء من القول.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(كل إنسان، خصوصاً الأب والأم، بالنسبة إلى أولادهما، عليهما أن يجسّدوا الدين بأعمالهم، وأن يلتزموا بما يجب عليهما عملاً، فإذا التزما، فهذا هو التبليغ العملي، وسيكون تأثيره أقوى من التبليغ القولي، في الأولاد، وبالنسبة لغير أولادهما أيضاً).
إنها فرصة الحياة المتاحة أمام الناس، والتي يجب أن يغتنموها في طاعة الله، لكي يؤدوا ما عليهم من واجبات تجاه الله تعالى، لاسيما تلك التي تقع على أبدانهم وأموالهم وسلوكياتهم، وأن لا يمتنعوا أو يمنعوا أنفسهم عن أداء هذه الواجبات كي لا تتحول إلى ذنوب ومعاصٍ تضاعف عليهم الأوزار التي ستثقلهم في يوم لا عمل فيه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، أشار إلى هذه النقطة فقال:
(يجب على الجميع أن يستفيدوا من أيام الحياة الدنيا، ويلتفتوا إلى ما جعله الله عليهم من الواجبات في أبدانهم، وفي أموالهم، وفي طاقاتهم، وفي تصرّفاتهم، ولا يمنعوها، حتى لا يذهب أجرهم).
العمل بالحق والخير من الواجبات المهمة الملقاة على الناس جميعا، ليس هذا فحسب، بل لابد أن يلتزم الناس بعدم الممانعة تجاه أعمال وأقوال الخير التي بالنتيجة سوف تصب في خير الناس جميعا، وكما يبدوا أن هذه الدعوة إلى عدم الممانعة ضد الخير ومساندة الحق، تصب في صالح الناس وتبني مجتمعا متماسكا منصفا لبعضه بعضا.
التأكيد على طاعة الله، وعدم سماح الانسان بتحويل أعمال من الطاعة إلى الذنوب، إنما تصب في صالح الإنسان أولا والمحيط الذي يعيش فيه أيضا، وهذه فائدة أخرى له، فهل الأفضل للفرد أن يعيش في مجتمع صالح أم شرّير؟
لذلك نصح الإمام الكاظم (عليه السلام) الناس بالتزام طاعة الله، وعدم تحويلها إلى ذنوب صالحة، لأن من لا يطيع ولا يعمل صالحا، فإن أعماله سوف تذهب في الطريق المضاد.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) علينا:
(أن نحاول بصرف طاقاتنا وإمكاناتنا، وعلمنا، وفهمنا، وعقلنا في الحقّ والخير، ولا نمنع ذلك، وإلاّ يسلب منّا، ونبتلى بصرف مثليه في الباطل، كما قال الإمام الكاظم صلوات الله عليه، في حديثه الشريف).
نعود لنؤكد مرة أخرى على أهمية اغتنام ذكرى استشهاد الإمام الكاظم (ع)، لكي نركز في أعمالنا وأقوالنا وأداء واجباتنا على طاعة الله، لأنها السبيل إلى منع وإبعاد الذنوب المضاعفة عنا، وبالتالي النجاة والفوز بسعادة الدارين بإذن الله تعالى.
اضف تعليق