q
الانتخابات التي اجريت بمراقبة أممية وتحت إشراف خبراء ومجلس مفوضين من القضاة قد سارت بالاتجاه الصحيح ولا عودة إلى الوراء والاعتراض يجب أن يكون في حدود القانون على وفق الإجراءات التي حددتها مفوضية الانتخابات، واي لجوء للعنف قد يعقد المشهد كثيرا ويفقد الشرعية الدولية، وربما يعرض العراق للعقوبات...

لا شك في أن الانتخابات هي ايقونة التداول السلمي للسلطة وجوهر العمل الديمقراطي لما تمثله من أبعاد واقعية وحسابية لاختبار رؤية الشعب وقراره لمن يستحق أن يمثله ولاسيما في الأنظمة البرلمانية بشرط أن تكون العملية الانتخابية حقيقية ويهيأ لها البيئة المناسبة من أمن انتخابي، وحرية الرأي، ونزاهة، وتنافس، وإلّا تفقد رونقها مثلما هو حاصل في الأنظمة الدكتاتورية التي هي أيضا تجري بها عمليات انتخابية شكلية.

وقد شهد العراق بعد عام 2003 العديد من التجارب الانتخابية التي تطورت مع تطور الوعي المجتمعي بعد ما كان العراق دائرة واحدة، وقائمة انتخابية مغلقة تحول بعدها نحو الدوائر المتعددة والقوائم المفتوحة، ومن ثم قانون سانت ليغو وبعدها سانت ليغو المعدل مع كل الاعتراض الذي صاحب تلك القوانين التي حاولت الأحزاب والقوى السياسية أن تراوغ بها بما يتفق مع وجودها وضمان اعادة تمثيلها.

الدوائر المتعددة وإجراءات المفوضية

بعد حجم الضغوط التي مورست خلال تظاهرات تشرين 2019 والتي كانت أهم مطالبها إيجاد قانون انتخابي عادل يختلف عن السابق لذلك جرى تشريع قانون رقم 9 لسنة 2020 والذي جاء على وفق نظام الفائز الأعلى عبر تقسيم العراق لـ(83) دائرة انتخابية بعدد كوتا النساء على أن يجري التنافس داخل كل دائرة انتخابية بعدد مقاعد محدد مسبقًا، إلى جانب السماح للمستقلين بالمشاركة الى جانب القوائم الانتخابية، وفعلًا جرت انتخابات 10/10 في ظل أجواء أمنية جيدة وإشادة بإجراءات المفوضية وآلية عملها، وكيف سار اليوم الانتخابي من دون خروق كبيرة تذكر، وقد التزمت المفوضية بما ألزمت نفسها به بإعلان النتائج الأولية خلال 24 ساعة مع مطابقة المحطات التي افرزت يدويا والتقرير الالكتروني الذي اثبتت نتائجه تطابق بين الاثنين، لذلك شرعت المفوضية بفتح باب الطعون والشكاوي للشروع بتصفيتها مع إعادة عد وفرز يدوي لقرابة الـ2000 محطة في انتظار البت بها.

طبيعة اعتراض الخاسرين

في كل انتخابات لا بدّ من وجود فائز وخاسر، وهنا مكمن الاقتراع فالفائز يمضي ببقية الإجراءات، والخاسر إمّا يتحول لجبهة المعارضة أو يراجع نفسه لتصحيح مساره، إلّا إن في العراق يبدو الأمر مختلفا، فالجميع يريد أن يكون فائزا والدليل حجم التذمر والتشكيك الذي أُثير في اعقاب إعلان النتائج حتى مع حصول البعض على عدد قليل من مقاعد وخسارته لكنه لم يرغب بالاعتراف بذلك.

وأما عن إفرازات الانتخابات الأخيرة فقد أظهرت النتائج تقدما كبيرا للكتلة الصدرية بما يقارب الـ 73 مقعدا، ويليها تحالف تقدم ومن ثم دولة القانون، وبعدها الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حين كان أبرز الخاسرين تحالف الفتح الذي يضم قوى شيعية عدة بواقع 17 مقعدا، في ما حصل تحالف قوى الدولة الذي يضم تيار الحكمة والنصر على 5 مقاعد، وحصل المستقلون على قرابة الـ40 مقعدا، وحصلت امتداد (الحركة الجديدة) وهي احدى إفرازات احتجاجات تشرين على 9 مقاعد، لهذا فقد سارعت القوى الشيعية كالفتح ودولة القانون وتحالف الدولة في تأليف الاطار التنسيقي للمطالبة بإعادة عد النتائج وفرزها في مجمل محطات الاقتراع، الأمر الذي ترفضه المفوضية مدافعة عن سلامة إجراءاتها.

فالقوى الخاسرة هنا اذا عندما أرادت المضي قدما كي تدرس أسباب التراجع، وطبيعة النتائج، وربما تشخيص مكامن الخلل، فتقسيم الدوائر المتعددة يحمل نوعا من المجازفة والحساب الرياضي، وهو ما أدركه التيار الصدري عندما قسم مرشحيه على مناطق معينة وزج بالعنصر النسوي في مناطق أخرى لضمان الحصول على الكوتا، لكن المجازفة تحتاج لالتزام جماهيري لتلك القوى ربما تخفق بزج مرشحين اثنين في دائرة معينة فتتشتت الأصوات ما بينهما ويخسر كلاهما، وربما الدوائر تحتاج لمرشح واحد يكون قويا، وهذا ما تعمل عليه الماكنات الانتخابية المحترفة التي لديها مجسات استشعار ثقلها ومقبوليتها، وقد أجاد التيار الصدري في ذلك بوصف أن جمهوره شبه ثابت مع نوع من الالتزام المناطقي ولهذا فقد تمكن من حصد هذا العدد.

وهنا نود التوضيح إن العملية قد تكون حسابية أكثر من سياسية في بعض الدوائر الانتخابية إذا ما جرى إدارة الأمور بحنكة، وبالتالي يبقى خيار الناخب لمن يدلي بصوته وكيف قرأ الأمور خلال السنوات التي مضت.

الاعتراف الدولي

يعد الموقف الدولي ولاسيما من قبل الامم المتحدة ومجلس الأمن وبقية المنظمات مهما جدا على وفق الترابط والتعامل والتعاون والاتفاق بين تلك الدول، ومن الصعب أن يكون بمقدور أية دولة من الدول أن تعيش في عزلة دولية مع وجود هذا الكم الهائل من المخاطر الاقتصادية والأمنية والصحية، لذلك تتطلع الدول لتقوية أواصر العلاقات مع بعضها البعض أو مع الدول المؤثرة في العالم والتجارب كثيرة لدول عاشت في عزلة أو لم تحصل على تمثيل شرعي دولي مما أدى بها أن تبقى حبيسة الأزمات، فقرارات مجلس الأمن الأخيرة التي أشادت بتجربة الانتخابات في العراق وجرت وسط مراقبة أممية ودولية. كما ادان المجلس أي تهديدات تتعرض لها مفوضية الانتخابات أو بعثة الامم المتحدة في العراق، وفي الوقت نفسه فإن الاتحاد الاوروبي هو الآخر قد أشاد بالانتخابات محذرا المساس ببعثة الأمم المتحدة، فضلا عن ترحيب الكثير من الدول.

معنى ذلك إن الانتخابات التي اجريت بمراقبة أممية وتحت إشراف خبراء ومجلس مفوضين من القضاة قد سارت بالاتجاه الصحيح ولا عودة إلى الوراء والاعتراض يجب أن يكون في حدود القانون على وفق الإجراءات التي حددتها مفوضية الانتخابات، واي لجوء للعنف قد يعقد المشهد كثيرا ويفقد الشرعية الدولية، وربما يعرض العراق للعقوبات.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق