من هؤلاء الأشهاد كان الإمام الحسن المجتبى (ع) السبط الأكبر لنبي الله الأكرم (ص)، والابن الأول لأول الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، واكثرهم جهاداً في الدِّين الخاتم، أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وزوجته سيدة نساء العالمين، هذا الإمام العظيم الذي افترض الله طاعته...
في 7 صفر الأحزان سنة 50ه كانت شهادته ودُفن في بقيع الغرقد في المدينة المنورة
مقدمة ولائية
الله سبحانه أخبرنا عن أولياء شهداء، وعن شهداء أشهاد على أعمال الخلق، كما أنه سبحانه جعل هذه الأمة شاهدة على كل الأمم بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143)، وأكد هذه الشهادة في قوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (الحج: 78)، فهذا مقام الشهادة الذي جعله الله لأهل البيت الأطهار (ع) من أئمة المسلمين، فهم الحجج والشهداء الأشهاد على العباد.
ومن هؤلاء الأشهاد كان الإمام الحسن المجتبى (ع) السبط الأكبر لنبي الله الأكرم (ص)، والابن الأول لأول الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، وكثرهم جهاداً في الدِّين الخاتم، أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب وزوجته سيدة نساء العالمين (ع)، فهو الحبيب ابن الحبيبين الغاليين على قلب رسول الله (ص)، وهو إمام الأمة وسيد شباب أهل الجنة فيها لا يُشاركه في مناقبه وفضائله إلا صنوه وشقيقه الإمام الحسين (عليهما السلام).
هذا الإمام العظيم الذي افترض الله طاعته وولايته من بعد أبيه على الخلق جميعاً إلا أنه غدرت به الأمه وخذلته لصالح رأس النفاق والكذب والافتراء معاوية بن هند الهنود آكلة الكبود، الذي كان متربِّصاً في الشام ويفعل كل ما يحلو له ويظن أو يرى أنه يُحقق له مصلحته بالوصول إلى الكرسي والسلطان والحكم والصولجان، فهو الذي جاء بمبدأ النفعية قبل ميكيافلي بقرون "الغاية تبرر الوسيلة"، فغايته الكرسي والحكم، فأي وسيلة تخدمه كان لا يتردد لحظة في استخدامها مهما كانت دنيئة أو خسيسة أو رذيلة لأنه أدنى وأخس وأرذل منها.
أليست هذه هي الطامة الكبرى التي وقعت، بل سقط فيها هذه الأمة المرحومة بمحمد وآله الأطهار (ع) فتتركهم بل وتقتلهم لأجل الشجرة الملعونة في القرآن، وأخبث وشر بيت في العرب صبيان النار من بني أمية الطلقاء سُنَّةً، واللعناء كتاباً، حقاً إن هذا من أعجب العجب؟
عظمة وسؤدد الإمام الحسن (ع)
التاريخ الإنساني كله يشهد أنه لا يوجد أحد له ما للإمام الحسن من الفضل والفخر والشرف والسؤدد إلا صنوه الإمام الحسين (ع)، فيُروى أن في مجلس من المجالس تفاخرت قريش والإمام الحسن بن علي (ع) حاضر لا ينطق، فقال معاوية: يا أبا محمد ما لك لا تنطق؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان؟
قال الحسن (ع): (ما ذكروا فضيلة إلاّ ولي محضها ولُبابها)، فأي فضيلة في قريش، وأي كرامة للعرب إلا وكان للإمام الحسن (ع) زبدتها وخلاصتها ولُبابها، فالفخر يأتي من بعده، والشرف بالانتساب إليه، وروي أن معاوية فَخَرَ يوماً فقال: أنا ابن بطحاء مكة...
فقال الحسن بن علي (ع): (أعليّ تفتخر يا معاوية، أنا ابن عروق الثرى، أنا ابن مأوى التقى، أنا ابن مَنْ جاء بالهدى، أنا ابن مَنْ ساد أهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفائق، أنا ابن مَنْ طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، فهل لك أب كأبي تباهيني به؟ وقديم كقديمي تساميني به؟ تقول: نعم أو لا).
قال معاوية: بل أقول لا وهي لك تصديق.
فقال الإمام الحسن (ع): الحق أبلج ما يحيل سبيله *** والحق يعرفه ذوو الألباب
وعن المنهال بن عمرو أن معاوية سأل الحسن (عليه السلام) أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أيها الناس مَنْ عرفني فقد عرفني، ومَنْ لم يعرفني فسأبيِّن له نفسي؛ بلدي مكة ومنى، وأنا ابن المروة والصفا، وأنا ابن النبي المصطفى، وأنا ابن مَنْ علا الجبال الرواسي، وأنا ابن مَنْ كسا محاسن وجهه الحيا، أنا ابن فاطمة سيدة النساء، أنا ابن (خَليات) قليلات العيوب، (أنا ابن) نقيات الجيوب - وأذن المؤذن، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله - فقال: يا معاوية محمد أبي أم أبوك؟ فإن قلتَ: ليس بأبي فقد كفرتَ، وإن قلتَ: نعم، فقد أقررتَ ثم قال: أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً منها، وأصبحت العجم تعرف حق العرب بأن محمدا منها يطلبون حقنا ولا يردون إلينا حقنا). (البحار المجلسي: ج ٤٣ ص ٣٥٦)
هذه هي الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس يُبينها الإمام الحسن السبط (ع) ولكن أنَّى لهذه الأمة الأموية أن تفقه مكانة وعظمة هذا الإمام، وهذه النعمة الكبرى فيها، فقدَّمت الذنابي على المقادم، والطلقاء الملاعين على سادة الخلق طراً، فتاهت وضاعت وما عرفت لأنها دانت بدين قريش وليس بدين الله تعالى الذي أنزله على حبيبه المصطفى (ص) واستودعه أهل بيته الأطهار (ع).
مع عمرو بن العاص
إن من عجائب الدنيا أن يفخر ابن ليلى هذا الهاجي لرسول الله بسبعين بيت من الشعر، وابن الشانئ الأبتر كما وصفه الله تعالى على سيد شباب أهل الجنة، فقد روي أنه لقي عمرو بن العاص الإمام الحسن (ع) في الطواف فقال له: يا حسن! زعمت أن الدِّين لا يقوم إلاّ بك وبأبيك! فقد رأيتَ الله أقام معاوية فجعله راسياً بعد ميله، وبيّناً بعد خفائه، أ فيرضى الله بقتل عثمان؟ أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقئ البيض (قشر البيض الداخلي) وأنت قاتل عثمان! والله إنه لألم للشعث، وأسهل للوعث، أن يوردك معاوية حياض أبيك!
فقال الإمام الحسن (ع): (إن لأهل النار علامات يعرفون بها: إلحاد لأولياء الله وموالاة لأعداء الله، والله إنك لتعلم أن علياً لم يرتب في الدِّين ولم يشك في الله ساعة ولا طرفة عين قط والله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأنفذن حضنيك بنوافذ أشد من الأقضبة (الأسنة)، فإياك والتهجُّم عليَّ فإنِّي مَنْ قد عرفت، ليس بضعيف الغمزة، ولا هش المشاشة، ولا مريء المأكلة، وإني من قريش كواسطة القلادة يُعرف حسبي ولا أُدعى لغير أبي، وأنتَ مَنْ تعلم ويعلم الناس، تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزارها؛ ألأمهم حسباً، وأعظمهم لؤماً، فإياك عنِّي فإنك رجس ونحن أهل بيت الطهارة، أذهب الله عنا الرجس وطهّرنا تطهيراً) فأفحم عمرو وانصرف كئيباً.
علماً أن هذا المنافق كان يقول: أنا أبو عبد الله قتلته (عثمان) وأنا بوادي السباع، والله إن كنتُ لألقى الراعي فأحرِّضه عليه - وفي لفظ البلاذري: وجعل يحرض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم - أنا أبو عبد الله (إِذَا حكَكْتُ قُرْحَةً أَدْمَيْتُها)، وكان الإمام الحسن (ع) من أشد المدافعين عن عثمان كما يروون ولكن يأتي هذا... ليتَّهمه ويُحرِّض معاوية على قتله، ولكن الإمام الحسن (ع) ليس قصير الحربة فقد أقعاه... وقرعه بقوارعه.
مع مروان الوزغ ابن الوزغ
وفي مجلس ومشاجرة عظيمة جرت بين الإمام الحسن (ع) ورهط من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن الأموية جمعه معاوية وأرسلوا إلى الإمام الحسن السبط (ع) فألقمهم بأحجارهم، وقرعهم بقوارعه العظيمة فأقعوا كالكلاب الممطورة، ولكن مروان الوزغ لم يكن حاضراً وقد وسمع بما لقي معاوية وأصحابه من الإمام الحسن بن علي (ع) فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟
قالوا: قد كان كذلك، فقال لهم مروان: أفلا أحضرتموني ذلك؟! فو الله لأسبَّنه ولأسبنَّ أباه وأهل البيت سبّاً تتغنى به الإماء والعبيد.
فقال معاوية والقوم: لم يفتك شيء وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش، فقال مروان: فأرسل إليه يا معاوية، فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي (ع)، فلما جاءه الرسول قال له الإمام الحسن (ع): (ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله إن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة).
فأقبل الإمام الحسن (ع) فلما أن جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير أن مروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الإمام الحسن (ع) حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص، ثم قال الإمام الحسن (ع) لمعاوية: لِمَ أرسلت إليّ؟
قال: لستُ أنا أرسلتُ إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك.
فقال مروان: أنت يا حسن السَّباب لرجال قريش؟
فقال الحسن (ع): وما الذي أردت؟
فقال: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبّاً تتغنى به الإماء والعبيد.
فقال الحسن (ع): أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببتُ أباك، ولكن الله عزّ وجل لعنك ولعن أباك، وأهل بيتك وذريتك، وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة، على لسان نبيه محمد (ص) والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممَّن حضر هذه اللعنة من رسول الله (ص) لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروان بما خوفك إلا طغياناً كبيراً، وصدق الله وصدق رسوله يقول تبارك وتعالى: (والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ونُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (الإسراء: 60)، وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله (ص) عن جبرئيل عن الله عزّ وجل.
فوثب معاوية فوضع يده على فم الإمام الحسن (ع)، وقال: يا أبا محمد ما كنتَ فحّاشاً ولا طيّاشاً.. فنفض الإمام الحسن (ع) ثوبه، وقام فخرج فتفرق القوم عن المجلس بغيظ، وحزن، وسواد الوجوه. (من حياة الإمام الحسن (ع) السيد محمد الشيرازي: ص140)
وكثيرة هي مجالس الإمام الحسن المجتبى (ع) في مجالس بني أمية الطلقاء وفي كل مرة كان يضعهم على حقيقتهم المفضوحة، ويُبين لهم أنه من الأشهاد على العباد وأئمة الحق في الخلق.
شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع)
التاريخ يشهد بأن بنداً من بنود معاهد الصلح بين الإمام الحسن (ع) ومعاوية كان (ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده للإمام الحسن ثم لأخيه الإمام الحسين (ع)، ولذا كان أثقل شيء عليه حياة الإمام الحسن (ع) فلما زيَّن له الشيطان المغيرة بن شعبة البيعة ليزيد بولاية العهد فاحتال على قتل الإمام الحسن (ع) بالسم، وعلى هذا اتفق الفريقان الشيعة والسنة في هذه الأمة والشواهد كثيرة على ذلك سنأخذ بعضها فقط ونأخذ تفاصيلها من الإمام الراحل (قدس سره الشريف) من كتابه (من حياة الإمام الحسن (ع) بتصرف منا بالتقديم والتأخير والاختصار.
يقول الراوي: كان الإمام الحسن (ع) يكلمني إذا تنخَّع الدم، فدعا بطست فحمل من بين يديه ملئ مما خرج من جوفه من الدم، فقلتُ له: ما هذا يا ابن رسول الله إني لأراك وجعاً؟
قال (ع): (أجل دسَّ إليَّ هذا الطاغية مَنْ سقاني سمّاً فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعاً كما ترى). قلتُ: أ فلا تتداوى؟
قال(ع): (قد سقاني مرَّتين وهذه الثالثة لا أجدُ لها دواءً، ولقد رقيَ إليَّ: أنَّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السمِّ القتّال شُربة، فكتب إليه ملك الروم: "أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا"، فكتب إليه: أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة، وقد خرج يطلب ملك أبيه وأنا أُريد أن أدسَّ إليه مَنْ يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه، ووجه إليه بهدايا وألطاف، فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دسّ بها فسُقيتها) (الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص13)
ولعلك تشعر كيف أن ملك الروم كان أشرف وشهم أكثر من ابن هند ولكنه أغرى الرجل بأن المقصود بالسم هو (ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة)، ولم يكتب ابن النبي العربي محمد (ص) لأنه لا يعتبره نبياً بل ملكاً وولده (خرج يطلب ملك أبيه)، وهذا ما فاه به والده الذي ينتسب غليه من قبله صخر بن حرب أبو سفيان حيث قال: (إنما هو الملك ولا أدري ما الجنة والنار)، وكذلك نادى بها وريثه يزيد الشر بقوله: (لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء ولا وحي نزل)، فهي أفكار وعقائد متوارثة في تلك العائلة الرومية، والمجهولة الأصل، ومن بؤس الدنيا فعلاً وحقاً أن يتسلَّط صبيان بني أمية على هذه الأمة ويتآمرون مع الروم واليهود على قتال ومحاربة رسول الله (ص) طيلة الرسالة ثم يتآمرون لقتل ذريته غيلة بالسم، أو جهاراً بالسيف والأمة ساكتة صامتة.
شواهد تاريخية مختلفة
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): (قال الحسن بن علي (ع) لأهل بيته: إني أموت بالسم كما مات رسول الله (ص)، فقال له أهل بيته: ومَنْ الذي يسمّك؟ قال: جاريتي أو امرأتي، فقالوا له: أخرجها من ملكك عليها لعنة الله، فقال: هيهات من إخراجها ومنيتي على يدها، ما لي منها محيص، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها، كان قضاء مقضياً وأمرا واجباً من الله، فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية إلى امرأته قال: فقال الحسن (ع): هل عندك من شربة لبن؟ فقالت: نعم وفيه ذلك السم الذي بعث به معاوية، فلما شربه وجد مس السم في جسده، فقال: يا عدوة الله قتلتيني قاتلك الله، أما والله لا تصيبين مني خلفاً، ولا تنالين من الفاسق عدو الله اللعين خيراً أبداً).
وقال الشيخ المفيد: (إلى أن تمَّ لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد، فدسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس ـ وكانت زوجة الحسن (ع) ـ مَنْ حملها على سمّه، وضَمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي (ع) مريضاً أربعين يوماً ومضى لسبيله).
وقال أبو الفرج: (وانصرف الحسن رضي الله عنه إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه..
وبإسناده عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أني مزوجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم فقبلت وسمّت الحسن فسوَّغها المال، ولم يزوّجها منه، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بني مسمّة الأزواج".
وقال المدائني: (دسّ إليه معاوية سمّاً على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن (ع)، وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوّجك يزيد ابني، فلما مات (ع) وفَّى ـ معاوية ـ لها بالمال ولم يزوّجها من يزيد، وقال: أخشى أن تصنع بابني ما صنعت بابن رسول الله (ص).
وقال الطبري في تاريخه كما نقله عنه ابن أبي أصيبعة: (إن الحسن بن علي رضي الله عنهما مات مسموماً في أيام معاوية وكان عند معاوية كما قيل دهاء فدسَّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن رضي الله عنه شربة وقال لها: إن قتلت الحسن زوجتك بيزيد، فلما توفي الحسن بعثت إلى معاوية تطلب قوله فقال لها في الجواب: أنا أضن بيزيد).
وفي تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي: (قال علماء السير منهم ابن عبد البر: سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي).
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (وقال قتادة وأبو بكر بن حفص: سُمّ الحسن بن علي، سمّته امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي، وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك).
وقال الشعبي: (إنما دسّ إليها معاوية فقال: سمِّي الحسن وأزوّجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد فبعث إليها بالمال، وقال: إني أحب يزيد وأرجو حياته لولا ذلك لزوجتك إياه).
هكذا قضى الإمام المجتبى، والسبط الأكبر نحبه بسم الطاغية معاوية، وذكروا أنه سمَّه مرات ومرات وهو مصرٌّ على جريمته النكراء حتى أرسل إليه ملك الروم سمَّاً شديداً قطَّع أمعاءه وجعله يُلقي كبده في الطست، وبقي أياماً يُعاني من ألم السم حتى انتقل إلى ربه والتحق بجده وأبيه وأمه (صلوات الله عليهم) فترك هذه الدنيا شهيداً سعيداً وشاهداً على ظلم هذه الأمة وتنكرها لحقه فيها، وظلم بني أمية وطغاتها الطلقاء لا سيما معاوية بن هند الهنود وحاشيته الملعونة.
فآلاف التحية والسلام على سيدنا الإمام الحسن المجتبى الشهيد المسموم والشاهد المظلوم.
اضف تعليق