الشعائر ليست كلمة مجردة، وإنما هي مجموعة مشاعر وأعمال وأنشطة، تنتصر في مجملها للإنسان وكرامته وتنظيم حياته وعلاقاته التي يجب أن تقوم على قواعد المنهج الحسيني، وعلى رأسها العدل، الرحمة، التكافل، والتمسك بمبادئ الإسلام الحقيقي التي تضمن للجميع حياة يسودها الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه...
(عليكم أن تعرفوا إنّ تعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة هو من تقوى القلوب)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
الأهداف العظيمة يصعب تحقيقها دونما تخطيط وإصرار على التنفيذ، وقضية الإمام الحسين عليه السلام ونشر مبادئه الكريمة، تُعدّ من القضايا المصيرية ليس للمسلمين أو الشيعة وحدهم، إنما البشرية كلها بحاجة إلى هذه المبادئ، لأسباب باتت واضحة للجميع وضوح الشمس.
عالمنا يضج اليوم بالظلم والتفاوت الطبقي ويصرّ يوما بعد آخر على تدمير العدالة، وهذه كلها هي المبادئ التي ثار الحسين (ع) كي يحققها، فمنذ أن بدأ المسار الأموي السلطوي رحلة الانحراف بالإسلام، واعتماده للمنهج المادي، وإصراره على الإساءة للإسلام وتعاليمه من خلال إباحة المجون والملذات وسواها، كان لابد من التصدي لهذا المسار المنحرف وإيقافه عند حدّه.
وحين دارت رحى المعركة العظمى بين الحق والباطل، وقاد الإمام الحسين (ع) ثورة التصحيح، لكي يُعاد الإسلام إلى مساره النبوي المحمدي الأصيل، ظلت رحى الصراع تدور بين المسلك المادي الدنيوي الأموي، وبين المنهج الإسلامي الإنساني الذي يرتفع بكرامة الإنسان ويحمي حقوقه ويضمن سعادته.
إذا ليس أمامنا خيار غير الانتصار للمنهج الحسيني، والشعائر المقدسة هي الأسلوب الأقوى والأضمن لدحر مسار الظلم، وهو ما يلزمنا بأهمية إحياء الشعائر الحسينية، والإصرار على التبليغ بمبادئ الإمام الحسين (ع)، واستثمار وسائل التوصيل والإعلام بأشكالها وأنواعها كافة لتحقيق هذا الهدف المصيري.
إنها مسؤولية جماعية، فليس هناك من هو مستثنى من مهمة نشر الفكر الحسيني على مستوى عالمي، ولكن يمكن أن تكون المسؤولية متباينة حسب الإمكانيات المادية والمعرفية لكل شخص، فالعالِم تقع عليه مسؤولية أكبر، والثري مسؤوليته أكبر من الفقير أو الضعيف ماديا، ولكن على الجميع أن يساهم في إحياء الشعائر الحسينية، كل حسب قدراته وإمكانياته.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمته القيمة بمناسبة حلول شهر محرّم:
(ما يجب أن ينصبّ الاهتمام عليه في شهر محرّم، هي قضية تبليغ الدين والإسلام، والإمام الحسين عليه السلام، وعبره يمارس تبليغ الإسلام الأصيل والصحيح، الإسلام الذي لا ينفّذ حتى في البلدان الإسلامية. فيجب إيصال العقائد والأحكام والأخلاق الإسلامية، للعالَمين، وهذه مسؤولية على عاتق الجميع، كل حسب قدرته).
وسائل الإعلام ونشر الفكر الحسيني
مثلما نخطط للنهوض بالشعائر وإحيائها ومساندتها ماديا ومعنويا، لترويجها ونشرها، لاسيما على المستوى العالمي، هناك ما يقوم بالضد من ذلك تماما، بمعنى هنالك من يخطط ويعمل على إضعاف الشعائر المقدسة، وهناك من يسعى لتضليل الآخرين وخداعهم عبر الإساءة للشعائر.
هؤلاء المضادّون للمنهج الحسيني لا يدّخرون جهدا في سبيل تحقيق أهدافهم المبيّتة ضد الفكر الحسيني، وهم يستعينون بوسائل الإعلام المختلفة، ويوظفون مواقع العولمة وشبكات النت والفضائيات كي يحققوا أهدافهم في الإساءة للشعائر المقدسة، هذا العمل المضاد والمخطط من قبلهم، يجب أن نتهيّأ ونستعد لإيقافه، إنها في حقيقة الأمر معركة بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين منهج الحسين (ع) ومنهج يزيد المادي الدنيوي المبتذل.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(اليوم تنشط الكثير من القنوات الفضائية لأجل تشويه صورة الإسلام، والتصدّي لهذا الأمر مسؤولية الجميع، والمسؤولية الأكبر في هذا المجال على العلماء، وأكثر من غيرهم).
لذا ليس أمامنا سوى مواصلة المواجهة، لأن المضادين للفكر الحسيني لن يتوقفوا عن مآربهم ومساعيهم الخبيثة، وهذا يتطلب جهودا حثيثة ومتواصلة لدعم الشعائر وإحيائها، وتقدم كل الجهود والوسائل التي تديم هذه الشعائر وتشد من أزرها، وتجعل منها متوهجة ومضيئة ومثيرة على مدار الزمن.
الوهج الحسيني لن يخبو ولا ينطفئ، والفكر الإسلامي الخلاق ماضٍ إلى عليائه، ولكن هذا يستدعي لإدامته، جهودا سخية قوية مؤمنة، تضع الطرف المضاد ووسائله وأساليبه تحت الرصد والسيطرة المستمرة، لذا يجب علينا كل حسب قدرته أن ندعم الشعائر المقدسة، ونشجع عليها، ونقدم أقصى التضحيات في سبيل ديمومتها، ولا نسمح بمعارضتها أو التقليل من تأثيرها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(تعظيم الإمام الحسين عليه السلام، هو من الشعائر الحسينية. وكل العزاء، والمراسيم، واستقبال محرّم، ورفع السواد وغيرها، هي من الشعائر الحسينية، ومن يعارض ذلك، فإما يعارض عن جهل أو للاحتيال على الناس).
نصرة الشعائر ماديا ومعنويا
يدخل في إطار هذا الصراع المستمر منذ أكثر من ألف و 400 عام، مواقف مؤيدة وأخرى مضادّة، والأخيرة يجب عدم السماح بها، فأي كلام يسعى أو يدعو لعدم نصرة الفكر الحسيني غير مقبول، كونه ينتصر لمنهج (يزيد)، والأخير معروف بملذاته ومجونه ودنيويته، وإدخاله الدين الإسلامي في متاهات لا حصر لها.
لذلك يجب الانتباه إلى كل فعل أو صوت يسعى للتقليل من دور الشعائر الحسينية، ويجب فضحه ومواجهته، لأن القبول بذلك يدخل في إطار التنصل من المسؤولية، كما أنها دعوة صريحة لخذلان الإمام الحسين (ع)، وهي بالأحرى محاولة لخذلان أنفسنا قبل كل شيء، فمن لا يدافع عن الإسلام المحمدي، وينتصر لمنهج الإمام الحسين (ع)، أو يتخذ موقف الصمت والتفرّج، فهذا يعني أنه ضد الشعائر المقدسة، وهو ينتصر للشر والباطل في إطار الصراع المستمر.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(أي شكل من أشكال ترك نصرة القضية الحسينية المقدّسة، هو مصداق الخذلان. فاسعوا، مهما تقدرون، أن لا تتفوّهوا بالسلب تجاه القضية الحسينية).
من هنا يستوجب الأمر السعي لتعظيم الشعائر، وعدم الإذعان إلى المحاولات المستميتة لتشويه الفكر الحسيني، وحتما يتطلب هذا الفعل تضحيات كثيرة، وعلينا أن نكون مستعدين لتقديمها، ومنها حتى الأمور التي تتعلق بالأموال أو الجهود أو الأوقات التي يجب أن نصرفها في إدامة الشعائر المقدسة.
لابد أن نكون على استعداد دائم لتقديم مثل هذه التضحيات، حتى لو اضطررنا للاستدانة، فمن يريد الانتصار لمبادئ ومنهج الإمام الحسين، وهو منهج الحق والعدالة عليه أن يكون مستعدا للتكلفة المطلوبة، لأننا أولا وأخيرا ننتصر للمنهج الحسيني حتى نحافظ على كرامتنا وحياتنا وحقوقنا، وأي تردد أو تهاون أو مجاملة في هذا الإطار سوف تجعلنا في موقف الضعيف العاجز عن حماية نفسه ودينه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(ابذلوا الجهود واسعوا كثيراً في سبيل تعظيم الشعائر الحسينية، واعملوا على توسعتها حتى السنة القادمة. ومن الجدير أن تستقرضوا في هذا السبيل، كما تستقرضون وتستدينون لأمور حياتكم).
مثل هذا الدعم للشعائر، والاستعداد لمؤازرة الدين، توجد شواهد عديدة وكبيرة يحفل بها التاريخ، ومن أهمها تلك الدروس العظيمة التي قدمها لنا، النبي (ص)، والإمام علي (ع)، فلطالما قرأنا وسمعنا لما قدّماه من مواقف عظيمة أعلتْ من شأن الدين ومكانة الإسلام والمسلمين.
تلك المواقف العظيمة يجب أن تكون دروسا كبيرة نقتدي بها ونمتثل لمضامينها وفحواها، كونها منهج الرفض للظلم ومناصرة الحق، ولابد أن نُرضع تلك الدروس لأطفالنا ونزرعها في عقولهم وقلوبهم، لأن مستقبلهم ورفعتهم ومكانتهم بين الأمم، تقوم على استيعابهم لتلك الدروس التي تعتمد سبيل الحق، وإيمانهم به، واستعدادهم المستمر لتطبيقه في إدارة حياتهم ومواقفهم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(لقد استشهد النبي الأكرم والإمام علي صلوات الله عليهما وآلهما، وعليهما الديون التي كانت لأجل إعلاء كلمة الإسلام ولأمور المسلمين. فيجدر بنا أن نتّبع سيرتهما صلوات الله عليهما وآلهما، وأن نستقرض في سبيل توسعة الشعائر الحسينية، وهذا الأمر كرامة وفضيلة لنا).
خلاصة القول، الشعائر ليست كلمة مجردة، وإنما هي مجموعة مشاعر وأعمال وأنشطة، تنتصر في مجملها للإنسان وكرامته وتنظيم حياته وعلاقاته التي يجب أن تقوم على قواعد المنهج الحسيني، وعلى رأسها العدل، الرحمة، التكافل، والتمسك بمبادئ الإسلام الحقيقي التي تضمن للجميع حياة يسودها الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه.
اضف تعليق