الصلاة هي وسيلة مناجاة الإنسان لخالقهِ عزّوجل، وهي صلة بينه وبين ربّه، وتترتب على هذا الاتصال الخاص (الصلاة) بين الإنسان وخالقه، شروط ونتائج، فإنْ أخلف أو عجز العابد عن الالتزام بها، سوف تتحول صلاته من الأصالة إلى الشكلية، مما يجعل منها غير فعالة إلا في بعدها الشكلي فقط....
(قد تكون جميع آداب الصلاة ذات أهميّة خاصّة، ولكن الأمر الأهمّ من ذلك كلّه التوجّه إلى الله عزّ وجلّ) سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
الصلاة هي وسيلة مناجاة الإنسان لخالقهِ عزّوجل، وهي صلة بينه وبين ربّه، وتترتب على هذا الاتصال الخاص (الصلاة) بين الإنسان وخالقه، شروط ونتائج، فإنْ أخلف أو عجز العابد عن الالتزام بها، سوف تتحول صلاته من الأصالة إلى الشكلية، مما يجعل منها غير فعالة إلا في بعدها الشكلي فقط.
لقد قال الله سبحانه وتعالى بكلّ وضوح: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)(سورة العنكبوت، الآية: 45).
هذه هي الصلاة الأصلية، حيث تؤثر في منْ يؤدّيها، فتفرض عليه الابتعاد التام عن الفحشاء، وعدم اقتراف المنكر في أي حال من الأحوال، أما الصلاة التي لا تتمكن من إلزام القائم بها بشروط الكف عن (الفحشاء والمنكر)، فإنها تصبح صلاة شكلية لا تغوص في أعماق الإنسان، ولا يمكنها أن تصنع تلك الحالة التامة للانقطاع الكلّي إلى الله، فتصبح عبارة عن ألفاظ وحركات نمطية غير مؤثرة في تفكير وسلوك العابد الذي يكون عرضة للشطط.
الصلاة الشكلية لا نلمس فيها روحاً ولا تأثيراً جليّا، لأنها خالية من التأثير في الإنسان، فهي عبارة عن أداء شكلي روتيني لا أكثر، وهي على نقيض الصلاة الأصلية التي ينقطع فيها العابد بشكل تام إلى ربّه، فيكون تأثيرها عظيما، لأنها تتجاوز الحركة واللفظ إلى الروح والعقل والقلب.
وفي هذه الحالة يمكن للصلاة أن تصقل روح الإنسان وتهذب قلبهُ، وتصنع حاجزا بينه وبين المنكر، وتحميه من الزلل، وتمنعه عن الاقتراب من العمل أو القول الفاحش، كما أنها تمنعه عن المحرّمات بصورة مطلقة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (يا أبا ذرّ):
(إنّ بعض أشكال العبادة تشبه صورة وردة مرسومة على اللوحة أو الجدار، حيث لا فائدة أو ثمرة لها. فترى العابد يقتصر بالعبادة على مجرّد اللفظ والحركة أو السكون، دون أن تجد أو تلمس لها روحاً، أي أنّها وإن بدت كاملة من حيث الأداء الشكلي ومراعاة الأجزاء والشروط الظاهرية وإسقاطها للتكليف، ولكن هذا الإسقاط متأتٍّ من ناحية اللطف الإلهي، دون أن يكون لذات العبادة فائدة أو تأثير).
كيف تخرج الصلاة عن ماهيتها الواقعية؟
ويضيف سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه)، في مجال التفريق بين الصلاة الأصلية والشكلية قائلا:
(مع أنّا نعلم أنّ أصدق كلام في عالم الإمكان هو كلام الله تبارك اسمه، ولكنّا نشاهد كثيراً من الصلوات لا تحول دون الفحشاء والمنكر، بل إنّ منها ما يقترن بالمنكر أصلاً. والسبب: أنّ ذلك كلّه إنّما يعود إلى خروج الصلاة عموماً عن ماهيّتها الواقعيّة وحقيقتها، فصارت عديمة الشبه بالصلاة الأصليّة، اللهمّ إلا في الشكل ورفع التكليف، وإنقاذ صاحبها من العقاب الأخروي. إذاً فهي غير تلك الصلاة التي أشير إليها في القرآن الكريم على أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر).
هناك من تتوقف لدية قضية الصلاة على الأداء اللفظي والحركي، وهذا النوع من الناس لا يتبحّر في المعاني والأهداف العميقة لهذا الركن الأساس من أركان الإسلام، فتتوقف لديه الصلاة عند أهمية آدابها بما في ذلك ما يُستحَّب وما يُكرَه، وقد لا يخطر في بال بعضهم أن الصلاة أعمق وأكبر من هذا بكثير.
فكل مفردة ينطقها الإنسان في الصلاة، لها معناها العظيم المؤثر والفاعل والعميق، ولا يصحّ أن يلفظها اللسان بصورة آلية، لأنها ليست لفظ عادي، إنها لفظ إلهي جُعل الواسطة الاتصالية المهم بين الإنسان وخالقه، لذلك فإن العابد مطالَب بالتعمّق في كل لفظة ترد في صلاته، وعليه أن يحتاط من تحويل هذه الألفاظ المباركة، إلى كلمات معتادة يقولها بشكل روتيني عند الصلاة!!
كلا الأمر ليس كذلك مطلقا، إنها من أعظم الطقوس العبادية التي تحمي الروح من الضعف، وتجعلها في درجة عالية من الإشراق والصفاء والسطوع، مما يجعل الإنسان العابد (المؤدي للصلاة)، عبارة عن كتلة من نور، فهذا الجسد المادي يتحول إلى شيء آخر أثناء الصلاة، لا علاقة له بالمادة، لأن الألفاظ التي تخرج من فم الإنسان ليس كلمات عادية أو بشرية.
التعمّق في كلمة الله أكبر
إن هذه الكلمات تحمل في معانيها وطاقتها التعبيرية أقصى درجات القدسية، وأعظم التأثيرات المعنوية والنفسية التي تحلّق بالإنسان العابد إلى الأعالي، فيشعر بنفسه أنه كائن نقي، مؤمن، محبّ، نظيف، متعاون، خلوق، مسلم يحب لأخيه ما يحبّ لنفسه، يحدث هذا حين يتوجّه الإنسان إلى خالقه، وينقطع بصورة تامة إلى الذات الإلهية، في هذه الحالة ينفصل المؤمن عن كل شيء إلا عن ربّه جلّ وعلا.
هذه الحالة التي يعيشها الإنسان المؤمن أثناء أدائه للصلاة، تعبر عنها الروايات الشريفة بـ (الإقبال)، وهي تجعل الإنسان يُقبل إلى ربه، بصورة مطلقة، تخلو من الانشغال في مشاغل الدنيا، فحين يقول المصلّي جملة (الله أكبر)، لابد أن يعي معنى هاتين الكلمتين جيدا، حتى لو كررهما في الصلاة الواحدة عشرات المرات.
هناك جمل أخرى ترد في الصلاة وتتكرر يوميا، وهذا التكرار غير قادر على أن يجعل منها كلمات (خارج نطاق القداسة)، وهذا يعتمد على من يؤدي هذا الركن الأساس من أركان الإسلام، فإن تمعّن بالكلمات جيد، وأدرك عمقها، وانقطع في أدائها إلى الله تعالى انقطاعاً تامّاً، فإنها أدركتهُ وأنقذته من الفحشاء والمنكر.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه (يا أبا ذر):
(قد تكون جميع آداب الصلاة ـ بما فيها المستحـبّات والمكروهات ـ ذات أهميّة خاصّة، ولكن الأمر الأهمّ من ذلك كلّه التوجّه إلى الله عزّ وجلّ، والذي عُبّر عنه بـ «الإقبال» في الروايات الشريفة، أي: إنّ الإنسان حينما يشرع بصلاته قائلاً: «الله أكبر» عليه أن يعي ما يقول، وإذا قال: «بسم الله» عليه أن يتعمّق في هذه العبارة المقدّسة).
من هنا علينا التفريق بين أداءين من الصلاة، الأصلي وهو يتميز بالوعي والدقة والإيمان الأعمق، وبين الأداء الشكلي الذي تتحول فيه الصلاة إلى ألفاظ يقولها الإنسان بشكل يومي معتاد، دون أن تترك في أعماقه أي أثر، فلا تحميه من ارتكاب الفحشاء التي نهت عنها الصلاة، ولا تنقذه من المنكر، لأنها أصبحت روتينية تُقال عبر كلمات معتادة يلفظها اللسان بطريقة آلية.
يجب الحذر من الانزلاق في الصلاة الشكلية، وعلى المؤمن أن يدرّب نفسه - وهذا ليس خارج إطار الممكن- على الأداء المتّسم بالعمق والوعي والدقة، وهذا يمكن تحقيقه من خلال حالة الانقطاع التام إلى الذات الإلهية عند أداء الصلاة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(ينبغي إيلاء الاهتمام بقضايا الوعي والدقّة أكثر من الاهتمام بالقيام بالمستحبّات، بمعنى أنّ الفرد إذا كان مخيّراً بين الدقّة واستيعاب العبادة وبين إنجاز بعض المستحبّات، فإنّ من المفترض أن يفضّل الخيار الأوّل).
في المحصلة، أصبح التفريق بين الصلاة الواعية المدققة العميقة، وبين الصلاة الشكلية أمرا واضحا، فمن يسعى لإنقاذ نفسه من الانخراط في ارتكاب الآثام، عليه أن يحمي نفسه بالصلاة التي تركّز على الوعي والدقة، وعليه أن يُبعد نفسه عن تحويل الصلاة إلى ألفاظ يقولها لسانه بشكل نمطي، ولا تترك أثرها في نفسه وروحه وقلبه، فكلّنا سوف نؤول إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
اضف تعليق