q
كورونا اصاب حقوق الانسان في مقتل فسلطات بعض الدول تستخدم الجائحة كذريعة، فتلجأ إلى تدابير أمنية وإجراءات طارئة للقضاء على المعارضة وتجريم الحريات الأساسية وإسكات المعلومات المستقلة وتقويض أنشطة المنظمات غير الحكومية. جائحة أخرى كشفها الوباء وهي التضليل ونشر المعلومات الزائفة فهناك مكتبة هائلة من المعلومات...

فيروس كورونا اصاب حقوق الانسان في مقتل فسلطات بعض الدول تستخدم الجائحة كذريعة، فتلجأ إلى تدابير أمنية وإجراءات طارئة للقضاء على المعارضة وتجريم الحريات الأساسية وإسكات المعلومات المستقلة وتقويض أنشطة المنظمات غير الحكومية.

جائحة أخرى كشفها الوباء وهي التضليل ونشر المعلومات الزائفة عن كوفيد-19. فهناك مكتبة هائلة من المعلومات عن كل شخص منا، إلا أننا لا نملك مفاتيح هذه المكتبة ولا نعلم كيف تُستخدم هذه المعلومات، هذه البيانات تستخدم تجاريا للإعلان والتسويق، كما أصبحت أنماط السلوك على الإنترنت سلعا تُباع وتُشترى. وتستغل السلطات هذه البيانات للسيطرة على سلوكيات مواطنيها وانتهاك حقوق الإنسان لأفراد أو مجموعات.

فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه الاثنين للجوء بعض الدول الى استخدام الوباء ذريعة من أجل قمع "الأصوات المعارضة" وإسكات وسائل الإعلام.

وقال في خطابه السنوي أمام مجلس حقوق الإنسان "اتخذت سلطات بعض الدول تدابير أمنية صارمة وفرضت اجراءات طارئة لقمع الأصوات المعارضة وإلغاء الحريات الأساسية وإسكات وسائل الإعلام المستقلة وعرقلة عمل المنظمات غير الحكومية، متخذة الوباء كذريعة".

مشيراً بشكل خاص إلى أن وباء كوفيد-19 "أدى إلى تفاقم مواطن الضعف" وغير حياة مئات الملايين من الأسر التي فقدت عملها أو انخفض دخلها.

وأشار إلى أن "مدافعين عن حقوق الإنسان وصحافيين ومحامين ونشطاء وحتى عاملين في القطاع الصحي تعرضوا للاعتقال والملاحقات والترهيب والمراقبة لانتقادهم فرض التدابير، أو عدمه، لمواجهة الوباء".

كما "تم حجب المعلومات الحيوية أحياناً، وتضخيم المعلومات المضللة المميتة، بما في ذلك من قبل بعض الزعماء" دون أن يذكر أي منهم.

إفلاس أخلاقي

من جهتها نددت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه "بالقيود غير المشروعة على الحريات العامة والاستخدام المفرط لسلطات الطوارئ" في إطار الوباء.

وقالت إن "استخدام القوة لن يتيح إنهاء هذا الوباء. ارسال المعارضين الى السجن لن يوقف هذا الوباء" لكن بدون أن تذكر أي دولة.

واعتبر غوتيريش أيضا أن الوباء "فاقم من هشاشة الاوضاع" وقلب حياة مئات ملايين العائلات التي خسرت عملا او تراجعت مداخيلها.

وقال "لقد أثر الوباء بنسب متفاوتة على النساء والأقليات وكبار السن والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة واللاجئين والمهاجرين والشعوب الأصلية" كما "ازداد الفقر المدقع".

وأضاف "تم التذرع بالتدابير المرتبطة بالوباء لتقويض العمليات الانتخابية وإضعاف صوت المعارضين وقمع الانتقادات". وتابع "لقد تبخرت سنوات من التقدم في مجال المساواة بين الجنسين".

كما ندد بالنزعات "القومية" في عمليات التطعيم إذ "حصلت عشر دول لوحدها على أكثر من ثلاثة أرباع جرعات لقاح كوفيد-19 المعطاة حتى الآن".

واعتبر أن "عدم القدرة على ضمان الوصول العادل للقاحات يمثل إفلاسًا أخلاقيًا جديدًا يعيدنا إلى الوراء".

ودعا غوتيريش في خطابه إلى "تكثيف الجهود ضد عودة النازية الجديدة وتفوق البيض والإرهاب بدوافع عنصرية وعرقية" وإلى العمل على تنسيق التدابير على نطاق عالمي للحد من هذا "التهديد الخطير والمتزايد". اعتبر أنها "أصبحت تهديدا عابرا للحدود" أكثر من كونها تهديدا إرهابيا داخليا.

التعافي من الجائحة يجب أن يسترشد بحقوق الإنسان

إن حقوق الإنسان، التي تتعرض للاعتداءات كل يوم، هي لبِـنات بناء عالم من الكرامة والفرص للجميع. وشدد على حتمية معالجة أولويتين مهمتين هما آفة العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب، وانعدام المساواة بين الجنسين.

فقد أشار الأمين العام إلى "دعوة العمل" التي أطلقها أمام المجلس قبل عام لتعزيز المساواة وتخفيف المعاناة في كل مكان. ودعا إلى فعل المزيد، وبشكل ملح، لتحقيق أهداف الدعوة في جميع المجالات، من التنمية المستدامة وحماية الحريات الأساسية إلى المساواة بين الجنسين وحماية مجال العمل المدني وضمان أن تكون التكنولوجيا الرقمية قوة من أجل الخير.

وقال إن جائحة كوفيد-19 أكدت ترابط الأسرة البشرية، كما عمـّقت الانقسامات القائمة ومواطن الضعف وانعدام المساواة، وتسببت في انقسامات جديدة وتصدعات في حقوق الإنسان.

وأشار إلى عدم التكافؤ في جهود التطعيم ضد كوفيد-19، وقال إنه مدعاة لإثارة الغضب من منطلق أخلاقي.

وجدد القول إن 10 دول فقط قامت بإعطاء 75% من جرعات لقاحات كوفيد-19، فيما لم تتلقَ أكثر من 130 دولة جرعة واحدة من اللقاح. وشدد على ضرورة أن تصب اللقاحات في الصالح العام على المستوى الدولي، وأن تتوفر للجميع بأسعار معقولة.

وقال إن الفيروس يصيب أيضا الحقوق السياسية والمدنية ويُقلص مساحة العمل المدني. وأشار إلى أن سلطات بعض الدول تستخدم الجائحة كذريعة، فتلجأ إلى تدابير أمنية وإجراءات طارئة للقضاء على المعارضة وتجريم الحريات الأساسية وإسكات المعلومات المستقلة وتقويض أنشطة المنظمات غير الحكومية.

وأضاف أن المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين والناشطين السياسيين، وحتى المهنيين الطبيين، يتعرضون للاعتقال والاضطهاد والتخويف والمراقبة، بسبب انتقادهم للاستجابات الحكومية للجائحة أو لغياب تلك الاستجابات.

وأشار إلى جائحة أخرى وهي التضليل ونشر المعلومات الزائفة عن كوفيد-19. وقال إن مكتبة هائلة من المعلومات تُطـَور عن كل شخص منا، إلا أننا لا نملك مفاتيح هذه المكتبة ولا نعلم كيف تُستخدم هذه المعلومات.

واستطرد قائلا إن هذه البيانات تستخدم تجاريا للإعلان والتسويق، كما أصبحت أنماط السلوك على الإنترنت سلعا تُباع وتُشترى. "وتُستخدم بياناتنا لتكوين تصوراتنا أو التلاعب بها، بدون أن ندرك ذلك. ويمكن للحكومات استغلال هذه البيانات للسيطرة على سلوكيات مواطنيها وانتهاك حقوق الإنسان لأفراد أو مجموعات. كل ذلك ليس خيالا علميا، ولكنه واقع يحدث الآن، يتطلب مناقشة حقيقية".

وأشار في هذا الإطار إلى خارطة الطريق للتعاون الرقمي التي تم تطويرها، وحث كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على وضع حقوق الإنسان في قلب أطر العمل التنظيمية والتشريعية المتعلقة بتطوير واستخدام التكنولوجيات الرقمية.

وشدد على الحاجة إلى إيجاد مستقبل رقمي آمن ومتكافئ ومنفتح، لا ينتهك الخصوصية أو الكرامة.

ورحب غوتيريش بالصحوة الجديدة في الكفاح العالمي من أجل العدالة العرقية التي غالبا ما يقودها الشباب والنساء.

وأشاد بقرار مجلس حقوق الإنسان بشأن الإبلاغ عن العنصرية المنهجية، والمساءلة والتعويض وكيفية التعامل مع المظاهرات السلمية المناهضة للعنصرية.

وشدد على ضرورة عمل المزيد لمكافحة عودة ظهور النازية الجديدة، ودعوات تفوق العنصر الأبيض والإرهاب المدفوع بأسباب عرقية وعنصرية.

وحذر من أن مخاطر هذه الحركات المدفوعة بالكراهية تتزايد يوما بعد الآخر، ودعا إلى تسمية تلك الانتهاكات بمسمياتها الحقيقية. وقال إن حركات المناداة بتفوق البيض والنازية الجديدة، أكبر من أن تكون تهديدات إرهابية محلية إذ تتحول إلى تهديد عابر للدول.

واستغلت تلك الحركات، والجماعات الأخرى، جائحة كـوفيد-19 لتعزيز صفوفها عبر الاستقطاب الاجتماعي والتلاعب السياسي والثقافي كما قال الأمين العام، الذي يرى أن هذه الحركات المتطرفة تمثل في الوقت الراهن التهديد الأمني الأول في عدد من الدول.

وأضاف أن جماعات الكراهية هذه غالبا ما تتمتع بتشجيع أشخاص يشغلون مناصب مسؤولة، بشكل لم يكن من الممكن تخيله في الماضي القريب. داعيا إلى القيام بعمل دولي مُنسق لهزيمة هذا الخطر المتنامي الجسيم.

وشدد على ضرورة التركيز بشكل خاص على حماية حقوق الأقليات التي يعيش الكثير منها تحت التهديد بأنحاء العالم.

وقال: "مجتمعات الأقليات هي جزء من ثراء نسيجنا الثقافي والاجتماعي. وكما يُعد التنوع البيولوجي أساسيا لرفاه البشر، فإن تنوع المجتمعات أساسي للبشرية". وأشار إلى أن تلك المجتمعات لا تتعرض فقط للتمييز ولكن أيضا لسياسات تسعى إلى محو هويتها الثقافية والدينية. وشدد على ضرورة الضغط من أجل وضع سياسات تحترم بشكل كامل حقوق الإنسان والهويات الدينية والثقافية والإنسانية الفريدة.

انعدام المساواة بين الجنسين

وقال الأمين العام إن انعدام المساواة بين الجنسين أوسع آفات حقوق الإنسان انتشارا. وأضاف أن جائحة كوفيد-19 فاقمت التمييز المترسخ ضد النساء والفتيات. وقال في هذا السياق:

غالبية العاملين على الخطوط الأمامية من النساء، وتنتمي الكثيرات منهن إلى جماعات عرقية مُهمشة وفي قاع السُلم الاقتصادي.

تتحمل النساء معظم الأعباء المتزايدة في المنزل.

تعاظم العنف بشكل هائل ضد النساء والفتيات بمختلف الصور، من المضايقات على شبكة الإنترنت إلى العنف الأسري والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وتزويج الأطفال.

عانت النساء بصورة أكبر من فقدان الوظائف، ودُفعت أعداد أكبر منهن إلى براثن الفقر.

يأتي كل ذلك، كما قال الأمين العام، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية-الاجتماعية الهشة للنساء بسبب الفجوة في الأجور، وعدم توفر الفرص والموارد المتساوية والحماية لهن.

كل هذه الأمور ليست من قبيل الصدفة، ولكنها نتيجة الاستبعاد على مر الأجيال وفق أمين عام الأمم المتحدة الذي قال إن "العالم الذي يهيمن عليه الذكور والثقافة التي يهيمن عليها الذكور سيؤديان إلى نتائج يهيمن عليها الذكور". وفي نفس الوقت أظهرت الاستجابة لجائحة كوفيد-19 قوة وفعالية قيادة النساء.

وأضاف "إن الناس في أنحاء العالم يعتمدون علينا لتأمين وحماية حقوقهم، وفيما تسلط الجائحة الضوء على حقوق الإنسان، يعطينا التعافي منها فرصة لتوليد الزخم من أجل التغيير".

وأن الوقت قد حان لإعادة البناء والتعافي بشكل أفضل، بالاسترشاد بحقوق الإنسان والكرامة للجميع.

قرون الاحتلال والاستعباد

ويرى عدد من المراقبين أن العالم يدخل ما وصفوها بـ "مرحلة ما بعد التنوير" التي تتلاشى فيها القيم التنويرية، بما في ذلك التسامح والاحترام المتبادل ليحل مكانها تنامي المغالاة في القومية، والشعبوية، وكراهية الأجانب، والاعتقاد بتفوق العنصر الأبيض والنازية الجديدة.

وحذر أمين عام الأمم المتحدة بقوله إن العالم مُبتلى بالعنصرية المقيتة الموجودة في كل مكان، وضرورة إدانتها بدون تردد أو تحفظ.

وقال إن جزءا كبيرا من العنصرية، متجذر بقوة في قرون من الاحتلال والاستعباد. وأن الظلم العنصري، وخاصة ضد المنحدرين من أصل أفريقي، سبّب صدمات ومعاناة عبر الأجيال. وشدد على ضرورة فعل أكثر مما ينحصر في مجرد إدانة أعمال العنصرية والتعبير عنها.

وأوضح أن هناك أبعادا عنصرية وتمييزية لتنامي معاداة السامية وكراهية المسلمين وإساءة معاملة بعض الأقليات المسيحية وغير ذلك من أشكال التعصب وكراهية الأجانب بأنحاء العالم.

وفي هذه المعركة الأيدلوجية، شدد على ضرورة التأكيد على القيم المشتركة المرتبطة بقوة بحقوق الإنسان والمتمثلة في المساواة وعدم التمييز والاحترام المتبادل.

كما يوجد بُعد اجتماعي واقتصادي قوي للعنصرية وكراهية الأجانب، يتجسد في محدودية فرص التعليم والتوظيف والرعاية الصحية والعدالة. وقد كشفت جائحة كـوفيد-19 عن أوجه عدم المساواة، كما قال غوتيريش، وكانت إدانة دامغة للتحيز والتمييز المنهجيين.

بدوره السفير الباكستاني منير أكرم رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي قال إن أزمة كوفيد-19 كشفت انعدام المساواة في الحصول على الطعام والتعليم والسكن والخدمات الصحية وكفالة العدالة، كما شجعت كراهية الأجانب والتمييز.

وأضاف أن الحد من انعدام المساواة يقع في جوهر أجندة التنمية المستدامة ذات السبعة عشر هدفا، والتي يدعو هدفها العاشر إلى "الحد من أوجه عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها".

وشدد أكرم على أن السبيل الوحيد للقضاء على العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز هو التضامن والتعاون بين الدول والمجتمعات والأفراد. وأكد السفير الباكستاني ضرورة أن تضع النماذج الاقتصادية والأولويات والفرضيات، الناس في قلب الأولويات من أجل خدمة البشرية، وتفكيك النُظم التي تفاقم العنصرية وانعدام المساواة.

ومع التعافي من الجائحة وبناء عالم أفضل، يتعين إبرام عقد اجتماعي جديد قائم على الشمول والاستدامة كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، بما يعني الاستثمار في التماسك الاجتماعي.

"فيما تصبح المجتمعات أكثر تعددا في العرقيات والأديان والثقافات، نحتاج استثمارات سياسية وثقافية واقتصادية أكبر في الشمول والتماسك لحصد فوائد التنوع بدلا من النظر إليه باعتباره تهديدا".

واستطرد الأمين العام قائلا إن كل المجموعات تتطلع إلى أن تُحترم هوياتها وأن يشعر أعضاؤها بالانتماء باعتبارهم أفرادا يتمتعون بالتقدير في المجتمع ككل.

وبالنسبة للأمين العام يعني النهوض بالمساواة للجميع، الشفافية والوصول المتساوي للخدمات والمشاركة ذات المغزى (في مختلف المجالات) بما في ذلك للمهمشين ومن يتم إقصاؤهم. وتعني المساواة أيضا المساءلة وكفالة العدالة بدون تمييز، وأن يخرج كل منا من النطاق المعتاد بالنسبة له وأن نقر بتحيزاتنا الكامنة ونعالجها.

وأشار إلى دعوته للعمل لتحديد ومنع العنصرية والتمييز العنصري والتصدي لهما داخل الأمم المتحدة. وقد أطلق، العام الماضي، حملة حوار وعمل لمعالجة العنصرية وتعزيز الكرامة الإنسانية بالأمم المتحدة.

وتُشرف على هذه الأنشطة مجموعة عمل داخلية تقوم بتطوير خطة عمل استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز التنوع والشمول ووضع سياسات وأدوات تكفل توفير بيئة آمنة يمكن في إطارها الإبلاغ عن العنصرية داخل الأمانة العامة للأم المتحدة والوكالات الأممية، ومعالجتها بشكل سريع بدون خوف من أي أعمال انتقامية. ودعا الأمين العام الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى دعم هذه الجهود.

واختتم: معا، يمكننا إحداث تغيير في النُظم والمؤسسات وبناء عالم أكثر شمولا ومساواة واستدامة، وتعزيز التفاهم المتبادل والكرامة الإنسانية وإعادة تصور المساواة.

اضف تعليق