يتساءل كثيرون، مسلمون وغير مسلمين، لماذا هذا الإصرار الحاسم على أداء مراسيم عاشوراء، ولماذا التمسك الحازم بإقامة الشعائر الحسينية؟، ولوحظ أن هذه التساؤلات تزايدت كثيرا، وشابَ بعضها التشكيك، فيما كان بعضها الآخر ينطلق من عدم فهم لأهمية هذه الشعائر التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم...
(أيّها الشباب المسلمون الغيارى، اسعَوا إلى الحصول على النصيب الأكبر من خدمة الإمام الحسين صلوات الله عليه) المرجع الشيرازي
يتساءل كثيرون، مسلمون وغير مسلمين، لماذا هذا الإصرار الحاسم على أداء مراسيم عاشوراء، ولماذا التمسك الحازم بإقامة الشعائر الحسينية؟؟
ولوحظ أن هذه التساؤلات تزايدت كثيرا، وشابَ بعضها التشكيك، فيما كان بعضها الآخر ينطلق من عدم فهم لأهمية هذه الشعائر التي ذكرها النص القرآني الكريم: (ومن يعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
لكن هناك تأكيد لا غبار عليه، يدعو ويصرّ على أن تُحيى الشعائر الحسينية هذا العام، ويدعو الشباب الحسيني إلى المشاركة الفعالة، على الرغم من الظروف الصحية الصعبة التي نعيشها، والتي ترى فيها بعض الآراء عاملا مانعا لإحياء مراسيم عاشوراء، وحين نناقش هذه الآراء أو سواها، فإننا في مراجعة سريعة لسجل الحكام الطغاة، سوف نجد ما يفوق خطورة الوضع الصحي الراهن على الزائرين الكرام.
أقرب مثال على ذلك مفخخات وتفجيرات الإرهابيين التي طالت الزوار وهم يتوجهون إلى كربلاء المقدسة لإحياء الشعائر الحسينية، ولسنا على بعد زمني كبير من ذلك، أما ما قامت به زمر الضلالة في الحكومات القمعية من تقتيل وتعذيب واعتقالات بالجملة للشباب وغيرهم من الزوار، فإنها لم تستطع منع الملايين من التوجّه إلى مرقد أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.
إحياء الشعائر الحسينية دخل في ضمائر الناس وعقولهم وقلوبهم وأعرافهم وامتلأت به قلوب الشباب، نعم صارت هذه الشعائر جزءاً أساسيا من الأعراف الاجتماعية، ومن المحال إزالتها أو حتى إيقافها إلى حين، كونها فرصة لا يمكن تعويضها لإعطاء الثائر الأعظم ما يستحقه من مكانة أبدية في القلوب والنفوس، كما أنها دافع محفّز دائمي وعظيم لمكافحة الفاسدين وفسادهم، وإقلاق عروشهم، وتحطيم أغلال الظلم اهتداءً بالثورة الحسينية التي واجهت الطغيان وأرعبت عتاته وأزاحتهم من الوجود.
إقامة الشعائر اختبار للانتماء الحسيني
الفساد لا يزال موجودا في واقعنا، والفاسدون يوغلون بإذلال الناس، والقمع لا يزال يطول المسلمين في العديد من الدول الإسلامية وفي العالم أجمع، ومجابهة هؤلاء سوف تستمر باستمرارية إحياء الشعائر الحسينية التي لا ولن تتوقف تحت شتى الظروف والتبريرات التي يطبّل لها الطغاة والمستفيدون منهم، ومع كل يوم جديد يؤمن الشباب الحسيني بالدور المناط بهم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في محاضرته القيمة التي ألقاها على أعتاب حلول شهر محرّم الحرام 1442 للهجرة، في ذكرى عاشوراء الراهنة:
(الشعائر الحسينية المقدّسة يجب أن تُحيى في العام الجاري، وهي نوع آخر من الامتحان الإلهي لنا، ففريق في الجنة وفريق في السعير بسببها. وفي هذا الامتحان نرى جماعة تقف في محرّم وصفر إلى جانب الشعائر وتقف أخرى ضدّها وثالثة تتكلّم بغير منطق).
إذاً قضية الشعائر الحسينية ومدى التزام الناس بها، هي في محل الاختبار لهم، وتأتي النتائج على قدر هذا الالتزام، ولا يمكن الإخلال أو التردد في إحيائها، لأن ذلك سوف يعدّ بمثابة الخذلان للإمام الحسين عليه السلام، وهو أمر غير مقبول ولا وارد لكل إنسان حسينيّ يتطلع إلى حياة أكثر نصاعة وعدلا مما نعيشه اليوم.
لقد مضت مئات السنين على إحياء هذه الشعائر سنويا، ومع كل المعوقات والحواجز والتهديدات التي وصلت حدّ الموت، من خلال القتل والتعذيب وتقطيع الأشلاء والتفجير، لكن أعداد الزائرين تتضاعف، وإصرارهم على إحياءها يتزايد عاماً بعد عام، بسبب قداستها، وانتصارها لمبادئ العدل، ولسعيها المستمر في محاربة الحكام الفاسدين ومكافحة الظلم والفساد.
إنها مسألة صراع بين الخير والشر، بين الحسين عليه السلام ويزيد، بين الحق والباطل، بين أن تكون إنسانا ذا قيمة متكاملة خصصها الله للإنسان، وبين أن تكون خانعا خائفا ذليلا مستعبدا للظالمين، لهذا لا مجال لتأجيل الشعائر الحسينية، ولا تردد من الشباب، ولا مجال للرضوخ إلى تشكيك الفاسدين بها والمطبلين لإيقافها تحت حجج لا ترقى مطلقا إلى عظمة الحسين عليه السلام، وقوة الشعائر ومدى قدرتها على إرعاب الطغاة الفاسدين المفسدين.
ما تقدّم في أعلاه يدعونا إلى أن نتدبّر ونتأمل الشعائر بصورة عميقة، ونستعيد جلالها ومدى دعمها للقلوب والنفوس والإرادات، لكي تكون أكثر قوة وعزما في تغيير الواقع، فكلّنا نعلم أن مضامين النهضة الحسينية تدعو إلى إقران الانتماء الحسيني بتطبيق التعاليم المبدئية في أعمالنا وأقوالنا وعلاقاتنا الإنسانية والعملية، لهذا أصبحت هذه الشعائر المباركة مقدسة بالنسبة للناس.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(علينا أن نتدبّر قليلاً في هذا الأمر ونتأمّل الشعائر لكي لا نقع في خذلان الإمام الحسين صلوات الله عليه. فالشعائر الحسينية كلّها مقدّسة وكلّ ما يعتبره العُرف تعظيماً وتجليلا لها فهو مقدّس ومنها، لأنّه من العُرف).
الشباب واستثمار وسائل التوصيل الحديثة
الزائرون الكرام يتدفقون على مرقد سيد الأحرار، ونسبة الشباب منهم عالية، في المشاركة بإحياء مراسيم عاشوراء، وبخدمة الزائرين القادمين إلى كربلاء المقدسة، هذه المشاركة العملية ذات الطابع الخدمي يجب أن ترافقها خدمة من نوع آخر بالغ الأهمية، إنها تدخل في إطار إعلامي لتوصيل الفكر الحسيني إلى أبعد نقطة من العالم.
يمكن للشباب المساهمة الإعلامية الفعالة عبر استخدام وسائل التوصيل الحديثة، لاسيما أجهزة الموبايل التي غالبا ما تكون بحوزتهم، هؤلاء الشباب تقع عليهم مهمة إطلاع العالم على ثورة الإمام الحسين عليه السلام ومبادئه المستمدة من سيرة جده الرسول صلى محمد الله عليه وآله ومن سيرة أبيه الإمام علي عليه السلام، فمن خلال هاتين السيرتين يستطيع العالم أن يفهم حقيقة الإسلام وتعاليمه ومبادئه الإنسانية العظيمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(أرى أنّ من مسؤولية الشباب الأعزّاء أن يقوموا بذلك أكثر لأنّ مسؤوليتهم كبيرة خصوصاً مع وجود وتوفّر الأجهزة الحديثة كالهواتف المحمولة التي بحوزتهم فيمكنهم الاستفادة من هذه الوسيلة كل على قدر إمكاناته ليعرّفوا حقائق الإسلام للعالم، شرقه وغربه، وشماله وجنوبه).
المسلمون يعانون اليوم من نواقص كبيرة، لاسيما في مجال الحقوق، والعلاقة بينهم وبين أنظمتهم السياسية، الكفاح الشبابي لحماية الحقوق المدنية لا يمكن أن يتم إلا بدعم من الثائر القدوة، ورسم الطريق الواضح للكفاح من أجل حياة كريمة، نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وفحوى أفكاره ومبادئه وقدسيتها، وفّرت للشباب المنهج الكفاحي الإصلاحي المطلوب.
وما عليهم اليوم إلا الانخراط التام والمساهمة الفعالة في نشر مبادئ النهضة الحسينية بعد فهمها وهضمها والاهتداء بمبادئها، وسوف تكون هذه الأعمال المخلصة مدعاة لشفاعة الإمام الحسين لهم، وتدوين أسمائهم في سجل المؤمنين المنتصرين على الظلم والقمع والفساد.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يدعو الشباب إلى هذا الدور الجوهري في قوله:
(أيّها الشباب المسلمون الغيارى، وأيّها الشباب الأعزاء، في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، اسعَوا إلى الحصول على النصيب الأكبر من هذه الخدمة ولتكن مساحة ذكركم وأسمائكم في سجّل الإمام الحسين صلوات الله عليه، أكثر وأكبر).
إذاً الشعائر الحسينية، ركيزة من ركائز النضال الإنساني الحقوقي، بل هي الركيزة الأهم والأعظم والأقوى، كونها تستمد مبادئها ومضامينها، من ملحمة الإمام الحسين عليه السلام، وفكره الخالد الذي استمده من جذور الدوحة المحمدية، ومن السيرة المعطّرة بالإنسانية والحق لأبيه الإمام علي عليه السلام، فطوبى لمن سار على نهج الحسين عليه السلام، وطوبى لمن يعظّم ويحيي الشعائر الحسينية المقدسة.
اضف تعليق