إنّ من أبرز مظاهر الأنبياء، على نبيّنا وآله وعليهم الصلاة والسلام، هي ثلاثة أمور:
العلم، والتقوى، والجهاد بالمعنيين، أي جهاد في هداية الناس إلى الحقّ وإلى الفضيلة، والجهاد في الدفاع عن حياض المظلومين والمستضعفين، أي قيادة الأمة للجهاد. وفي التاريخ الماضي أثبت علماء الإسلام، والحوزات العلمية المقدّسة التابعة لأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، أثبتوا تلك الأمور الثلاثة، قولاً وعملاً. فقد ورد في الحديث الشريف المتواتر: (العلماء ورثة الأنبياء).
هذا ما بيّنه المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كلمته القيّمة، بوفود من الفضلاء وطلبة العلوم الدينية، من مدينة كربلاء المقدّسة، ومن مدرسة السيدة الزهراء صلوات الله عليها العلمية من مدينة بغداد، الذين زاروا سماحته في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، يوم الأحد الموافق للتاسع عشر من شهر شعبان المعظّم 1436 للهجرة (7/6/2015م).
وقال سماحته: إذا تتبعتم تراجم الأعلام من فقهاء الإسلام في التاريخ الماضي، فستجدون النماذج الكثيرة في العمل بتلك الأمور الثلاثة التي ذكرناها آنفاً. ابتداء من الشيخ المفيد في بغداد وحوزته العلمية العظيمة، وكذلك الشريف المرتضى والشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليهم. وهكذا الحوزات العلمية الأخرى في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة، والحلّة، وكذلك الحوزة العلمية في الكاظمية المقدّسة، وفي سامراء المقدّسة في القرنين الأخيرين بالخصوص، وكذلك الحوزات العلمية التي كانت في إيران، في خراسان المقدّس، وقم المشرّفة، وكاشان، والمناطق الأخرى، التي تضمّنت في عصور مختلفة حوزات علمية تابعة لأهل البيت صلوات الله عليهم. فقد أثبت علماء تلك الحوزات وغيرها، أثبتوا عملهم بالعلم والتقوى وبالجهاد بالمعنيين.
وأوضح سماحته: عندما نلاحظ الدقّة العلمية لعلماء خطّ أهل البيت صلوات الله عليهم، نراها انها لا يقاس بها غيرهم. ولذا نرى تصدّيهم في مختلف العصور للنقاش مع كبار العلماء من الأديان ومن المذاهب الأخرى، الذيّ سجّل التاريخ منها الكثير، في هداية المئات والمئات من قساوسة النصارى، ومن أحبار اليهود، ومن علماء المذاهب الأخرى، إلى إطار أهل البيت صلوات الله عليهم، في العقيدة والأحكام والأخلاق.
وأضاف سماحته: فقصّة السيد محمد باقر القزويني، والسيد بحر العلوم، وقصص غيرهما، بالأخص فيما جرى في مدينة الكفل العراقية، المسجّلة في التاريخ، في هداية مجموعة من أحبار اليهود، في ذلك الزمان، بالنسبة للجهاد الفكري، خير شاهد على ذلك. وهكذا بالنسبة للدفاع عن حياض الإسلام والمسلمين، تقرأون تاريخ ثورة العشرين، وتاريخ ما بعدها، وجهاد العلماء في الدفاع بشتى أنواع الدفاع، وبالنتيجة قيادة العلماء للأمة في الدفاع عن حياض الإسلام، وعن أعراض المسلمين، وعن أرض الإسلام. وهذه خلاصة مصغّرة جدّاً من تاريخ العلماء الأعلام.
وشدّد سماحته، بقوله: ولذا وفي هذا المجال، أوصي طلبة الحوزات العلمية، بالأخص الشباب منهم، إلى الالتزام بالأمور الثلاثة التالية: التعبئة العلمية، والتقوى الحقيقية، وتنمية روح الجهاد في النفس. وذلك بالتتبّع والتأمّل والتفكّر المأمور بها في آيات القرآن الكريم، وفي أحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم، ليكونوا في المستقبل كالعلماء الماضين، أطواداً في العلم، وقمماً في التقوى، وقيادات للأمة في الجهاد بالمعنيين.
وأردف سماحته: وفي هذا المجال، أوصي جميع طلبة الحوزات العلمية المقدّسة، وبالخصوص الشباب منهم، أوصيهم بقراءة تراجم العلماء الماضين، حتى يستفيدوا إيجاباً وسلباً، ويكونوا نظراء وأمثال لهم في المستقبل. فالقرآن الكريم يقول: (لقد كان في قصصهم عبرة).
وخاطب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، وفود الطلبة، مؤكّداً: إنّ عراق اليوم بالخصوص، وعراق الغد، بحاجة، أكثر من غيره، إلى علماء قمم في العلم، وفي التقوى، وفي روح الجهاد. وعبر العراق إلى العالم كلّه. كما كان العراق سابقاً، أي في زمن حكم مولانا وسيدنا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، الذي حكم العالم الإسلامي من خلال العراق. وهذا ما سيكون في المستقبل، إن شاء الله تعالى، يوم ظهور سيدنا ومولانا بقيّة الله المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أي قيادة العالم كلّه من العراق. فعراق اليوم، وعراق الغد أيضاً، بحاجة إلى أمثال أولئك الأعلام من العلماء من السلف الصالح، أكثر من حاجته أمس وقبل أمس. كما إنّ العالم اليوم بحاجة إلى الاستفادة من إسلام أهل البيت صلوات الله عليهم المنطلق من عراق اليوم وعراق الغد، هي أكثر وأكثر وأكثر.
وختم دام ظله كلمته القيّمة، قائلاً: أسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع، بالخصوص الشباب الطلبة في الحوزات العلمية المقدّسة، إلى الأمور الثلاثة التي صدّرنا بها كلامنا. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينقذ المسلمين والمستضعفين في كل مكان، في البلاد الإسلامية، والبلاد غير الإسلامية، من المصائب والويلات الكبيرة التي انتابتها اليوم بسبب تعاضد وتكاتف الكفر والضلال.
أسأل الله عزّ وجلّ أن ينقذ الجميع، في جميع البلدان من هذه المظالم. وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
جدير بالذكر، ان هذه الوفود الطلابية استمعوا أيضاً إلى كلمة قيّمة لنجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي دام عزّه، أيضاً، تطرّق فيها إلى ضرورة تواضع طالب العلم، وإكبار صفة الهمّة والعمل والإبداع في نفسه، بالتأسّي بالقرآن الكريم وأحاديث المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، وبسيرة العلماء الماضين العظام رضوان الله تعالى عليهم.
اضف تعليق