طرح تفشي فيروس كورونا تحديات كبيرة للحكومة العراقية وصانعي القرار في كيفية التعامل مع هذا الفيروس الخطير وسريع العدوى، ومحاولة احتواء آثاره. مسألة التعامل مع هذه التحديات سلباً وإيجاباً وضع أبعاداً وتحديات سياسية عديدة صبت في صالح القابضين على السلطة، من جهة وشكلت تحديا صعبا...

طرح تفشي فيروس كورونا تحديات كبيرة للحكومة العراقية وصانعي القرار في كيفية التعامل مع هذا الفيروس الخطير وسريع العدوى، ومحاولة احتواء آثاره. مسألة التعامل مع هذه التحديات سلباً وإيجاباً وضع أبعاداً وتحديات سياسية عديدة صبت في صالح القابضين على السلطة، من جهة وشكلت تحديا صعبا أمامها من جهة أخرى.

فرغم أن إدارة الأزمة وتجاوب الحكومة معها بشكل إيجابي وحسب لها، إلا أن هذا الفيروس ومخاطر تفشيه كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة وتركيا وإيران، يتجاوز قدرة الحكومة العراقية للتعامل معه، إذ لغاية الآن لا تتوفر أماكن ملائمة وكافية للحجر والعزل الصحي، ولا تتوفر كل التجهيزات اللازمة لاستقبال المشتبه بهم والمصابين بشكل فعال، ولم تشيد غرف عزل كافية ولم تدرب فرق خاصة للتعامل مع حالات الحجر هذه، وأيضا ضعف نسبة الفحص والاختبار ومحدودية أعداد أجهزة التنفس الاصطناعي، ولهذا انحسار المرض وثانوية أعراضه وظروف أخرى إضافة إلى الجهد الحكومي المتمثل بالإغلاق والحظر رغم كل تداعياته السلبية حَجَم من العدوى.

وهذا من حسن حظ الحكومة، خاصة مع ضعف الوعي الصحي لدى شرائح واسعة من المواطنين في المناطق الشعبية وعدم تعاطيهم مع الفيروس والمرض بشكل جدي، فاحتمالات تفشي المرض بشكل متسارع واردة جداً خاصة مع عدم القدرة للتحكم بأولئك الذين احتكوا بالمرض، وهذا يعني أن الوباء لو انتشر لشكل مخاطر محتملة ومؤكدة يكون لها انعكاسات سياسية سلبية كبيرة.

مع ذلك برزت الجهود الحكومية لعرقلة انتشار الفيروس، وجاء نتيجة لإتباع وتعاطي وتحمل شرائح من المواطنين للتعليمات بشكل إيجابي التي تعطيها خلية الأزمة ووزارة الصحة إضافة إلى دور الأجهزة الأمنية، رغم أن هذه التدابير تقييدية وفرضت سيطرة صارمة للتحكم والانتشار لعدم بلوغ أزمة صحية كبيرة، وهذا يؤدي بالطبع إلى تحديات سياسية تتصادم مع حق الحرية في التنقل والتجمع والتظاهر والسفر والعمل.

كما أن هذه الإجراءات كان من المفترض أن تؤدي إلى نقص المواد الغذائية والمستلزمات الصحية لوقف عمل العديد من المؤسسات الحيوية المرتبطة بحرية الحركة والعمل والتجمع، لكن هذا كان وفق الحد الأدنى، رغم أن المعامل والمصانع والشركات والعمال والكسبة قد تضرروا، مما أنعكس على نفسية المواطن والتزاماته الاقتصادية والاجتماعية وصل إلى إفراز ارتدادات سياسية كبيرة تجاه صانعي القرار، لكن عالمية الوباء وتداعياته السلبية السالفة الذكر هونت وخففت من هذه المعاناة وارتداداتها.

رغم هذه الاستجابة الحكومية وصناع القرار للتحدي الذي طرحه فيروس كورونا بشكل، لكن تفشي هذا الوباء تزامن مع استحقاقات دستورية وسياسية طرحها الشارع العراقي تحت ضغط ونقد موجه إليها، مما جعل من عملية التجاوب مبررا لإغراق الشارع العراقي بأخبار جهودهم من أجل إنقاذ العراقيين وحماية حياتهم، ما من شأنه أن يلهيهم بشكل مناسب وضروري عن المشاكل التي تواجه كل الطبقة السياسية في العراق.

شكل تحدي المرض وانتشار الفيروس ومع تراجع الوضع الاقتصادي رهاناً للقوى السياسية لفك الضغط الشعبي تجاهها، والرهان على إضعاف حركة الاحتجاجات، فمن المؤكد أن القوى السياسية كانت تحتضر بسبب التظاهرات ولهذا قد تجد الوباء مخرجا للنجاة، حتى وأن لم تفعل شيء إزاء احتواءه أو قُيمت جهودها بهذه الصورة، بسبب تدافع الأولويات.

ماقبل كورونا هددت الاحتجاجات باقتلاع الأحزاب السلطوية من جذورها، لكن أعاد هذا الفيروس وإجراءات الحظر، المركزية للأحزاب، مما دفع بالقوى السياسية التقليدية بعدم الاستجابة لأي لحظات إصلاحية وعملت بالضغط المباشر على ترشيح مكلفين غير مؤهلين أو أسقطتهم بذات الوقت عند تعارض المصالح، وأصبح سياق منح الثقة للحكومة القادمة لا يسير وفق معطيات وظروف البلاد واستحقاقات التغيير والإصلاح، إنما وفق معطيات المحاصصة، عبر التمسك لتمرير أسماء مقربة منها، أو تشترط على المكلفين إذا ما خولته الاختيار أن يبلغ أعضاء كابينته بأن هذه الوزارة أو تلك تابعة وحصة هذه الكتلة أو تلك.

ما يمكن ملاحظاته هو استغلال الطبقة السياسية تداعيات وباء كورونا لمحاصرة الاحتجاجات ومع فرض حظر التجوال وتداعي الوضع الاقتصادي، لكن هذا لا يعني أن الاحتجاجات ستنتهي، رغم أن تلك الطبقة فرضت رؤيتها من جديد، إذ من المتوقع أن تكون ملامح أي حكومة قادمة ملامح حزبية سياسية، لا تمثل مصالح الشعب إلا بالحد الأدنى، وقد تكون استحقاقات إجراء انتخابات مبكرة وملاحقة ومحاسبة قتلة المتظاهرين والفاسدين مجرد بروباغندا إعلامية، وستعتقد الطبقة السياسية أن نجاحها والحكومة بإدارة أزمة وباء كورونا حافزا لإعادة فرض هيبتها مرة أخرى وتشييد للسلطوية في التعامل بحزم مع أي ارتدادات تطالب برحيلها عن المشهد السياسي.

‎لكن في الواقع، أي حكومة متحزبة أو متخادمة ‎مع الأحزاب السياسية أو مقربة ومحسوبة عليها (أو بقاء الحكومة الحالية المرفوضة شعبيا) ستلقي بظلالها السلبية على الحالة العامة، وستستمر الخلافات والطعون والشكوك التي ستعكر صفو وتآخي المواطنين وتفقد تلك الحكومة مصداقيتها لديهم، مما يعمل على التغذية الاسترجاعية للاحتجاجات بسياقها الراديكالي ومن المتوقع، بأن تستمر هذه الاحتجاجات وتتطور الأساليب الاحتجاجية للمتظاهرين، بعد تشكيل الحكومة إذا كانت بتلك المواصفات، حتى وأن لم ينحسر وباء كورونا.

خلاصة الحديث عن أبعاد وتحديات هذا الوباء السياسية وأثره على الاحتجاجات، أنها سلاح ذو حدين، فقد خدمت الأحزاب والقوى السياسية في إعادة وجودها واستمرار تجاوزها على الدستور والاستحواذ على المكاسب والمصالح على حساب الشعب، ومن جانب آخر وضعها على محك المحاسبة في كيفية إدارة الأزمة الصحية وعلاقتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية مشكلاً ضغطاً إضافياً يمارس عليها.

خاصة أن إدارة أزمة الوباء واستغلالها سياسيا، سيفتح الباب والمجال للقوى الخارجية للتدخل في الشأن العراقي بعد التراجع الاقتصادي والتدهور السياسي، لتمرير المصالح والأهداف الجيوسياسية في العراق وإعادة موضوعته تجاه القضايا والأزمات الإقليمية والدولية. خاصة أن القوى السياسية عاجزة عن وضع مصدات وكوابح لما يحدث من تدخلات إقليمية ودولية في التفاعل مع الأزمات والصراعات السياسية في العراق وتوظيفها لصالح تحقيق مصالحها من خلال ذلك، وستكون عودة ظاهرة الاحتجاجات المفتاح الأساسي لهذا التدخل.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2020Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق