q

من الامور المسلَّم بها، أن فعل القراءة له قصب السبق في تطوير الوعي لدى الافراد والمجتمع عموما، وقد يظن بعضهم ان القراءة تبقى حكرا على المثقفين فقط، ولا تعني الناس الآخرين!، ولكن مثل هذا الكلام يعد مجافيا للواقع ومنافيا لفعل القراءة نفسه، لأننا في واقع الحال نعترف عن فهم وقناعة تامة، بفضل القراءة على الامم والافراد والشعوب التي تتقاسم المعمورة، ولو كانت القراءة غائبة او مغيبة عن مكانتها ودورها، فإننا بالنتيجة لا نحصد سوى الجهل، ونحن نعرف تماما ماذا يعني الجهل؟!.

علما لا يمكن إلغاء الترابط بين القراءة وطباعة الكتاب، بوصفه وسيلة مناسبة لها قدرة كبيرة على نشر الفكر والثقافة، وجعلهما في متناول اليد لعموم طبقات المجتمع، حتى مع ظهور الوسائل الاخرى عبر الانترنيت، وامكانية تحميل الكتب الكترونيا، يبقى الكتاب الورقي حاضرا ايضا ومنافسا قويا، ومطلوبا من لدن الجميع، وثمة سحر خاص للمكتبة، في البيت او المدرسة او الجامعة او دور العبادة، إذ يشجع الكتاب الورقي القراء على اقتنائه او استعارته، ويُسهم بدفع الناس للقراءة، لقطف ثمار الفكر، وزيادة الوعي المجتمعي في التعامل مع مفاصل الحياة كافة، بقدرة ونجاح، أفضل بكثير من أولئك الذين لا يبحثون عن الكتب ولا عن الثقافة أو الفكر ولا تهمهم القراءة اصلا، بل يعتبرون هذه الامور ذات طابع كمالي ترفي، لا يدخل ضمن مفردات حاجاتهم الحياتية المكرّسة في الغالب للجانب المادي، مع اهمال واضح للجانب النظري.

لذلك نلاحظ بوضوح كلما ارتفع سقف الاقبال على القراءة، كلما كان هناك إقبال على اقتناء الكتب، هذا الترابط بين الاثنين (القراءة/الكتاب) ينبغي أن يدفع المعنيين الى تعضيد هذا الترابط، عبر توفير الكتاب، بأسعار مناسبة مع أناقة الكتاب التي تجذب القراء وتدفعهم نحو القراءة عبر الجمال في الشكل والمضمون بطبيعة الحال، والقراءة وحدها لا يمكن أن تؤدي دورها بين الناس من مختلف المشارب والمستويات، انما تحتاج الى وسيط يعرضها على الجميع، بما تنطوي عليه من افكار.

ولا شك أن المعنيين وغيرهم، يعرفون ويقدرون الدور الاساسي للكتاب في نشر الثقافة والفكر، ولكن هنالك وسيط أهم هو القراءة، وبالتالي لابد من نقل المجتمع من حال الى حال أرقى، ولكن وفق شروط واضحة، أهمها قيام الدولة بالجهد الحكومي الرسمي المطلوب، لطباعة الكتب، وتوزيعها، وطرحها في الاسواق للقراء كافة، بأسعار تنافسية، لا تثقل كاهل المواطن، المثقل أساسا بالغلاء وما شابه، ولابد أن يرادف هذا الجهد الحكومي، جهد آخر يروّج للكتاب، ويسعى لطباعته ونشره وتوزيعه، هذا الجهد يتمثل بالدور المهم للقطاع الخاص في هذا المجال، إذ ينبغي دخول رأس المال الخاص في المشاريع التي تخص طباعة الكتب ونشرها وتوزيعها بطريقة جيدة، تساعد على توفير و وصول الكتاب الى اكثر عدد ممكن من القراء بمختلف مستوياتهم.

في الحقيقة توجد لدينا تجارب ناجحة في العراق، بخصوص مشاريع نشر القراءة، لتعميق ثقافة (اقرأ) ونشرها بين افراد ومكونات المجتمع، ونحن نتذكر هنا المشروع السنوي الموسوم بجملة او شعار (انا عراقي انا اقرأ) الذي انطلق في بغداد اولا ثم انتشر الى محافظات اخرى، وهذا امر مشجّع بطبيعة الحال، ولكن تحتاج القراءة لكي تنتشر الى وسيط كما ذكرنا سابقا والوسيط هنا هو الكتاب، لذلك على المعنيين ان يبحثا عن السبل الكفيلة بتوفير الكتاب عبر قيام القطاع الخاص بتنفيذ مشاريع لطبع الكتب، علما بادر بعضهم في هذا الاتجاه، وقد أثبتت هذه المشاريع، على الرغم من قلّتها، نجاحا ملحوظا في مجال طبع الكتاب، وتسويقه، وإيصاله الى أكبر عدد من القراء، مع تحقيق الربح المخطط له، الامر الذي أسهم بصورة فعالة في استمرار هذه المشاريع الخاصة، وفي نشر القراءة كثقافة يعيشها الفرد العراقي كواقع حال، كما لو انها حاجة لا يمكن الاستغناء عنها.

إن نزول القرآن الكريم بآيته المعرفة (اقرأ بإسم ربك)، تؤكد من دون ادنى شك المكانة الكبيرة للقراءة في حياة الفرد والمجتمع، فضلا عن قدرتها على تطوير الوعي للجميع في حالة الاستمرار بهذا الفعل الحيوي، لذلك لابد من تشجيع رأس المال الخاص، بالدخول في مثل هذه المشاريع، مع اهمية تحقيق الربح المناسب، خاصة اننا نلاحظ تراجعا واضحا في الدور الحكومي بهذا الشأن، فالواقع يشير الى أن وزارة الثقافة العراقية لا تملك سوى دار نشر واحدة، هي دار الشؤون الثقافية العامة، وهذه الدار تعمل وفق نظام التمويل الذاتي، فلا تتمكن من النهوض بهذه المهمة الكبيرة، خاصة ان الوزارة المعنية لا تعطي قضية طبع الكتاب اهتماما مناسبا، بل هو اهتمام ضعيف جدا، قياسا لما هو مطلوب، لذا ليس ثمة حل سوى أن ينهض القطاع الخاص بمهمة طبع الكتب ويشجع الجميع على القراءة وحب الكتاب، على أن يدخل هذا القطاع كرديف قوي للجهد الرسمي، من اجل سد النقص ومعالجة الضعف الحكومي في هذا المجال، حتى تبقى القراءة حاجة يومية للمجتمع، ولكي تنتشر ثقافة (اقرأ) بين الجميع من دون استثناء، لأننا نعي تماما، ما هي الفوائد الكبرى التي يمكن أن يجنيها الشعب والدولة من ثقافة القراءة، اذا صارت فعلا سلوكيا يوميا يعتاده الناس بلا استثناء.

فالخلاصة اذاً، نحن بحاجة الى نشر ثقافة (اقرأ) بين الجميع من دون استثناء، لسبب بسيط ان القراءة لها قدرة على تغيير عقلية الانسان وافكاره بما يحقق له نضجا أكبر وقرارات ادق، وسلوك متحضر، يمكن أن يصبح في حالة ممارسة الجميع للقراءة، ثقافة جماعية، وهذا يعني اننا سنحصل في نهاية المطاف على امة مثقفة، بعقول متطورة لا يمكن لها ترك الفعل القرائي، او الاستغناء عن القراء كشرط أساس، يرتفع بمستويات الوعي للأمة الى أقصاها.

اضف تعليق