يرى سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، أن الامام علي عليه السلام، بعد الرسول صلى الله عليه وآله، هو النموذج الامثل في التاريخ البشري، للحاكم العادل، وهنا يتساءل سماحته في الكتاب القيم الموسوم بـ (من عبق المرجعية...
العدل أساس الملك، والدول المستقرة المتقدمة والمجتمعات والأمم الراقية، لا تُبنى من دون توافر العدل، متمثلا بالقائد العادل، والحكومة التي تسترشد بأفكاره العادلة، وقدرته على ردع نفسه، وكبح رغباتها الدنيوية، وبذل الغالي والنفيس من اجل عامة الناس، حتى الفقراء والضعفاء منهم، وصولا الى الهدف الأسمى من الحكم، والذي لا يتحقق من دون توافر ركيزة العدل في ممارسة الحكم وإدارة شؤون الامة.
لذلك يرى سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، أن الامام علي عليه السلام، بعد الرسول صلى الله عليه وآله، هو النموذج الامثل في التاريخ البشري، للحاكم العادل، وهنا يتساءل سماحته في الكتاب القيم الموسوم بـ (من عبق المرجعية)، قائلا في هذا المجال: (نتساءل: يا ترى هل سينجب التاريخ حاكماً عادلاً يقتفي أثر الإمام عليّ سلام الله عليه).
ويؤكد سماحته بالأدلة والقرائن، أن العدل ونبذ السلطة، ورفض مغانم الدنيا بكل أشكالها، تشكل سمات أساسية لشخصية الامام علي عليه السلام، لذلك يحتل درجة ومكانة عليا، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في الكتاب نفسه على: إن (الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه هو بعد الرسول صلى الله عليه وآله أعظم آيات الله عزّ وجلّ، ولا تضاهيه آية).
والحاكم العادل يشمل بعدله كل شيء وجميع الجهات والافراد، حتى في تعامله مع الاعداء يستند الى العدالة التي تُسهم في نشر السلام، فالعدل يجعل القائد السياسي ذا حنكة وحذق وتروّي وانسانية عالية، لذلك كان الامام علي عليه السلام ينبذ الحرب، ويطرق كل السبل من اجل محاصرة نار الضغينة والفتن، وكان عليه السلام، كما تؤكد مواقفه وأفعاله، وفقا للتاريخ الحقيقي، يعمل بكل ما يستطيع ويملك من وسائل وحجج على اطفاء الحروب، وإشاعة روح السلام بين الجميع، جاعلا من العدل منطلقا للحكم.
لذلك يرد في كتاب (من عبق المرجعية)، ما يؤكد هذه السيرة المتفردة والعظيمة لأمير المؤمنين عليه السلام، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع من ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن، وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها).
صفات القائد العادل
ما هو القائد الذي تحتاجه الامة، وما هي صفاته؟، أسئلة واضحة بحاجة الى اجوبة واضحة، من صفات القائد العادل، أنه لا يخضع للسلطة وسحرها وإغراءاتها، ولا يكون عبدا لها مهما عظمت السلطة، كما يحدث مع الحكام الظالمين، لذلك كان الامام علي عليه السلام زاهدا اشد الزهد بالسلطة وغنائمها، بل زاهدا في الدنيا كلها، بما تملكه من مزايا ومحاسن مادية مغرية وهائلة، فالسلطة وامتيازاتها، والدنيا بما تحمله من ملذات، تتمكن من الحاكم الظالم، الذي غاليا ما يقع تحت وطأة المغريات المادية الكثيرة، أما الحاكم ذو الشخصية العادلة الانسانية المتوازنة والحاذقة، فلا تتمكن منه السلطة بكل ما تملك من مزايا، ولا الدنيا بكل ما تملكه من لذائذ ومغريات، لذلك كان الامام علي عليه السلام يخاطب الدنيا قائلا لها: (يا دنيا غرّي غيري)، وبهذا تكون الدنيا والسلطة عاجزتين عن استدراج الحاكم العادل الى الظلم، والاستئثار بالسلطة وبما تملكه من تمجيد للذات.
يقول سماحة المرجع الشيرازي، حول هذا الموضوع بالكتاب المذكور نفسه: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عادلاً في الرعية، قاسماً بالسوية، وزاهداً في حطام الدنيا). ومن يزهد بالدنيا، وينبذ حطامها، ولا تغره السلطة، سوف يكون قمة في العدل والرحمة والانسانية العظيمة.
ولم تكن السلطة يوما ما الشغل الشاغل لأمير المؤمنين عليه السلام، بل كانت الوسيلة والأداة التي من خلالها، يقارع الظلم والجوع والجهل، وهي الاداة التي قام عليه السلام من خلالها بصفته القائد الأعلى للدولة الاسلامية، بمحاصرة الجوع، فلم يبق جائعا واحدا في الدولة الاسلامية الواسعة ابان خلافته عليه السلام، ومع ذلك لم تكن الخلافة هدفا له، إلا بقدر نشر العدل، وتحقيق المساواة بين جميع مواطني الدولة.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، على أن: (الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه رفض وفضل أن تخرج الخلافة من قبضته... لا ... بل فلتذهب الدنيا كلها ويصبح العالم كلّه ضده، ولا يتخلّى عن مبادئه). فعندما لا تكون السلطة في خدمة الامة، فإنها ستكون ظالمة، وهذا الظلم سوف يكون مصدره القائد، كونه ليس عادلا، أما سمة العدل فهي أهم السمات لدى الحاكم الناجح في نشر العدالة والمساواة بين افراد الامة، وهذا ما حدث بالضبط ابان حكم الامام علي عليه السلام.
العطف والإسلام الصحيح
ومن صفات القائد الذي تحتاجه الامة، امتلاكه صفة العطف على الاخرين، والتعامل معهم بالحسنى، وهي من اهم الخصال التي يتحلى بها المسلم الحقيقي، فكيف اذا تعلق الامر بالحاكم المسلم؟!!، انها مسؤولية كبيرة بل ثقيلة جدا، تقع على عاتق القائد المسلم، ينبغي أن تتحقق فيها اعلى درجة من العدل والمساواة والرحمة، ومقارعة الفقر والجوع والجهل، وهذا ما تصدى له الامام علي عليه السلام ابان حكمه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لمجرّد أن يحتمل الإمام عليّ سلام الله عليه وجود أفراد في المناطق النائية من رقعة حكومته جوعى، لم يكن ينام ليلته ممتلئ البطن، وقد حرّم نفسه حتى من متوسط الطعام واللباس والمسكن ولوازم الحياة العادية).
هذه هي سلطة العدل، وهي ايضا تستدعي تلازما وتداخلا قويا بين القول والعمل، فليس القائد المسلم العادل ذو الاسلام الصحيح، من يعد ولا يفي بوعده، أو يقول ولا يقرن قوله بالعمل، بمعنى ان القائد صاحب الاسلام الصحيح، ينبغي ان ينفذ ما يعد به الناس ويربط دائما بين القول والفعل.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إنّ إسلام الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، يعني الإسلام الصحيح؛ أي إسلام القول والعمل، وليس إسلام الاسم فقط).
والقائد الذي يعد ويفي بوعده، ويقرن قوله بالعمل، هو صاحب الاسلام الصحيح، وهو القائد الذي يحمل في تكوينه وشخصيته الرحمة والعطف على الناس، بمعنى ينبغي أن تكون العاطفة الصحيحة، احدى صفات القائد العادل، أي يكون عطوفا على الجميع، كما هو الحال مع قائد الامة الاسلامية الامام علي بن ابي طالب.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إحدى خصال الإمام عليّ سلام الله عليه خاصة في فترة خلافته، تعاطفه مع الناس، ويتجلّى تعاطفه مع أفقر الناس من خلال عمله). وهكذا تتبين لنا حاجة الامة القصوى للحاكم العادل، ويتبين لنا ايضا ذلك الترابط العميق بين العدل والعاطفة والاسلام الصحيح، وهي من الركائز الاساسية التي تضمن بناء شخصية قيادية متمكنة وقادرة على ادارة شؤون الامة، بما يحقق العدل والمساواة بين الجميع، مع نشر الاسلوب الانساني السليم، في التعامل مع الرعية بعطف تام، يجعل الجميع في حالة من الدعة والامن والسلام.
اضف تعليق