بالطبع ليس من السهل على الإنسان أن يكون مستقيما في واقع يضجّ بالمغريات، وحياة مليئة بالانحرافات، ولكن اكتساب هذه الميزة ليس صعبا حتى في عالم المغريات الهائلة، أما الكلام عن الثبات وهي صفة غاية في الأهمية للإنسان، فإن الثبات سيكون حصيلة متوقَّعة للاستقامة التي تمهد للإنسان...
في معظم كلماته التوجيهية، ومحاضراته، يركّزُ سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) على دور الشباب في إيصال الأمة إلى أفضل الدراجات والمراتب والمستويات، بحيث أصبحت هذه الشريحة المعيار الأول لقياس حيوية الشعب من خمولهِ واضمحلالهِ، فالأمةُ التي تتفوق فيها أعداد الشباب على سواها من الفئات العمرية، تعد من الأمم والمجتمعات النشيطة، ولكن هناك شرط أساس يلازم هذه الصفة التي تتزين بها الأمم، ونقصد بذلك عقلية الشباب وكيفية تربيتهم والأفكار التي تقودهم والمبادئ والعقائد التي يؤمنون بها، فكثرة الشباب وحدها لا تكفي، إلا إذا رافقتها عقلية متطورة متميزة.
ولكن منْ هي الجهة التي تربّي الشباب تربية تجعل منهم الشريحة الأهم والأفضل، فكما هو متعارف أن الحياة رحلة مدجَّجة بالمشكلات، والصراع بين الأفراد مع بعضهم، أو بين الجماعات، الدول والأمم، خاصية خلْقية لا يمكن إلغاءها أو محوها كليّا، لذلك وطالما لا يمكن تحييد الصراع كونه مزروع في ذات الإنساني وتكوينه، فإننا ملزمين بتربية الشباب وتطوير أفكارهم وعقلياتهم بما يجعلهم قادرين على تخطي المشكلات وتجاوز الصراعات التي تطرأ في حياتهم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته القيّمة:
(إنّ الحياة هي صراع كلّها، ففريق في الجنّة وفريق في السعير. والمهم اليوم تربية الشباب في العراق وفق تربية أهل البيت صلوات الله عليهم).
ويؤكد سماحته على أن الشباب بسبب من المزايا التي يمتلكونها في التفكير والحيوية والقوة العضلية والصفات الأخرى التي ترافق هذه المرحلة العمرية، فإنهم يمتلكون خاصية صناعة المستقبل، وهي ميزة قد لا يمتلكها غير الشباب أو أنّ الآخرين أقل قدرة على ذلك، من هنا ينبغي الاهتمام بهذه الشريحة بأقصى ما يمكن وتأهيلهم ودعمهم بالخبرات والمهارات حتى يكون بمقدورهم لعب الدور المناط بهم خصوصا ما يترابط مع صناعة الحياة المستقبلية للأمة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (الشباب هم صنّاع المستقبل للعراق).
ومن حسن الحظ أن العراق يحتوي على شريحة شبابية كبيرة ما يجعل منه من المجتمعات الحيوية، إذا ما قام المسؤولون والحكومة على وجه التحديد بدورها تجاه الشباب، فالاهتمام بهم والقضاء على المشكلات التي يعانون منها، تعني بناء عراق الحاضر والمستقبل أفضل البناء، لاسيما أن هذا البلد يستحق وضعاً أفضل بكثير مما يعيشه اليوم، فالمطلوب من قادة العراق نقل بلدهم إلى مصاف البلدان المتميزة، وعليهم أن يتعلموا إدارة الدولة من التجربة الخالدة للإمام علي عليه السلام.
يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(حقيقة لا يستحقّ العراق ما هو عليه الآن. فالعراق قد مرّ بمظالم كثيرة استمرت فيه قرابة نصف قرن، وهو بحاجة إلى إدارة تتعلّم من الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه).
الحياة أدوارٌ ومواقف
إن المرحلة الراهنة التي يسعى العراق لتجاوزها، تنطوي على أخطار شاخصة وكبيرة، ولعل المهم الأكبر والأكثر تعقيدا هي مسؤولية بناء العراق التي ينبغي أن تصل إلى أبعد قصبة فيه، فكل المدن والأقضية والقرى ينبغي أن تُبنى بناءً قويما يتماشى مع الثروات والطاقات الهائلة التي يمتلكها هذا البلد، وهذه المهمة ينبغي أن تتخذ الخطوات المتدرجة والصحيحة، فتبدأ أولا بسعي الحكومة والمسؤولين لوضع الخطط اللازمة للتطوير، على أن يتم تكليف العقول والخبرات المتخصصة لوضع ما يلزم منها مع تهيئة العوامل المحايِثة، ومنها تخصيص الأموال اللازمة والشروع بعمليات البناء، فإذا سعى الإنسان بإخلاص وذكاء وحرص وجدية، سوف يصل إلى ما يبتغيه برعاية الله تعالى وأئمة الدوحة المحمدية عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في كلمته نفسها:
(مسؤولية بناء العراق مهمّة جدّاً، في كل مدينة وفي كل قرية وفي كل ريف وفي كل منطقة وفي كل محلّة، والله تعالى هو المعين، ومولانا الإمام بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي يرعى).
وإذا كان أسلافنا الصالحين قد أدوا أدوارهم في الحياة، وقاموا بمهماتهم في البناء والتطوير المادي والفكري والمبدئي والعقائدي، يبقى أن يقوم الجيل الحاضر بدوره أيضا بأفضل ما مطلوب، لكي يتم إكمال المسيرة، وتتصاعد المسيرة المشرِّفة لهذا البلد الذي يحتل مرتبة كبيرة في التضحية والإصرار على النجاح رغم المشكلات والمصاعب الجمة التي واجهته ولا تزال، والجيل المقصود هو الشباب بكل قدراتهم المعروفة، مع أهمية توفير العوامل المساعدة لهم لكي ينهضوا بهذا الدور على أتمّ وأكمل وجه، فلا يصح أن يترك الكبار، الشباب يواجهون مصاعب الحياة لوحدهم، لأن الدور الشبابي يتقدّم على سواه، شرط أن يتلقى شباب العراق المساعدة المعنوية والفكرية والمادية، حتى يمكنهم التصدي لعملية بناء البلاد وتطويره بصورة متميزة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(الحياة هي أدوار ومواقف، والأجيال السابقة قد أدّوا أدوارهم، وتحمّلوا ما تحمّلوا. وجيل اليوم عليه أن يؤدّي دوره وموقفه).
الاستقامة والثبات يصنعان العظماء
ولعلّ التركيز على تأهيل الشباب ودعمهم، يعد من أهم الخطوات التي ينبغي أن تبادر بها الحكومة والمنظمات والجهات الأخرى المعنية بهذا الدعم، ومن أهم السمات المطلوب غرسها في الروح الشبابية (الاستقامة) و (الثبات)، فإذا تحلّى الشاب في أعماله وأفكاره وعموم حياته بالاستقامة، والاحتراز التام من الانحراف والإغراءات، فإننا نكون قد غرسنا في عقليته ووجدانه أهم ركن من أركان بناء الشخصية المبدئية المؤمنة.
أما الركن الآخر والمهم في بناء شخصية الشاب فهو (الثبات)، فإن كان الإنسان مستقيما في أعماله ونشاطاته المختلفة، ثم يدعم هذه الميزة الكبيرة بالثبات وعدم الانحراف، فإنه سيحسم الأمر لصالح نجاحه في بناء نفسه ومجتمعه ودولته أيضا، لسبب واضح أن الشخصية الشابة المستقيمة والتي تتحلى بالثبات، سوف تكون أكثر قدرة وصمودا إزاء مغريات ومصاعب الحياة والأزمات، فما يحتاجهُ العراقيون والعراق اليوم، شريحة شبابية ذات شخصية مدعومة بالاستقامة والثبات، لذا من غير الممكن أن تُبنى شريحة شبابية من هذا الطراز، وهي مهملة أو تعصف بها مشكلات البطالة والفراغ والفقر، فإذا أرت من الشباب العراقيين بناء بلدهم، لابد أن توفر لهم الأرضية السليمة للقيام بهذا الدور الكبير.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه):
(كلمتان مهمّتان في القرآن، ولاشكّ أنّ كل كلمات القرآن الكريم هي مهمّة، ومنها كلمة (فاستقيموا) والاستقامة لها ثمن. ومنها كلمة (فاثبتوا) أي الثبات. فالاستقامة والثبات يكونان في زوبعة المشاكل، وفي عواصف الأزمات).
بالطبع ليس من السهل على الإنسان أن يكون مستقيما في واقع يضجّ بالمغريات، وحياة مليئة بالانحرافات، ولكن اكتساب هذه الميزة ليس صعبا حتى في عالم المغريات الهائلة، أما الكلام عن الثبات وهي صفة غاية في الأهمية للإنسان، فإن الثبات سيكون حصيلة متوقَّعة للاستقامة التي تمهد للإنسان أن يكون ثابتا على نهجه ومبادئه، خصوصا فئة الشباب التي غالبا ما تكون أكثر اندفاعا في الحياة، وقد تكون الأسهل بالوقوع في فخ الإغراءات الكثيرة، ولكن تبقى مهمة العقلاء والحكماء والعلماء مساعدة الشباب على التميّز بالاستقامة والثبات عبر المنهج التربوي القويم الذي يحصل عليه الشباب والاهتمام بهم ماديا ومعنويا وروحيا لكي يكونوا من العظماء.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(بلى إنّ الاستقامة صعبة، وكذلك صعب الثبات، ولكنهما هما اللذين يكرّسان حياة الإنسان، ويجعلان منه عظيماً).
اضف تعليق