من المقومات الأساسية التي تساعد على ارتقاء المجتمع، ابتعاد الانسان/والجماعة، عن المحرمات، ونبذ المجتمع لكل ما يتصل بالمعاصي والمحرمات، بدءاً بالأفكار الخبيثة، التي تعد خطوة اولى لانحراف الانسان، صعودا الى الخطوات العملية اللاحقة، ولذلك يؤكد العلماء والمعنيون بقضايا المجتمع، أن هناك نوعا من الترابط او التعالق فيما بين (المحرمات والواجبات) من حيث السبب والنتيجة.
فعلى الرغم من تناقض المفهومين (المحرمات والواجبات)، في المعنى وفي التطبيق، إلا أن إهمال الواجبات، تعد من الاسباب الرئيسة التي تقود الانسان نحو المحرمات، كذلك يمكن أن تدفع المحرمات بالانسان الى اهمال الواجبات، والتعامل معها بلامبالاة، بحيث يغدو اهمال الواجب أمرا عاديا بالنسبة للانسان الذي يتعاطى المحرمات، وعندما ينحرف الانسان، فإنه لا يمكن أن يصلح الآخرين، تبعا لقانون او مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه).
فبالاضافة الى قيام الانسان بالمحرمات وغض الطرف عن الواجبات، وما ينعكس عن هذا السلوك من أخطاء فادحة، تعود على الفرد والمجتمع، فإننا سوف نخسر الصوت الذي يحث على الفضيلة والاخلاق والعمل الصالح، من يحدث تقصير في مجال نبذ المحرمات كما نلاحظ ذلك في الحياة اليومية وبعض نشاطاتها وعلاقات الناس المتبادلة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، كما ورد في الكتاب القيم الموسوم بـ (من عبق المرجعية): (إننا نرى محيطنا مليئاً بالمحرّمات، وذوينا لا يؤدّون الواجبات، ولا نكترث، فلو أن أحداً من أبنائنا مرض وزادت سخونته نعمل كل شيء لطرد هذه السخونة، أما سخونة المرض الروحي، وضعف العقيدة والإيمان والسرطان الذي يأكل الإيمان فلا نبالي به).
وهكذا نحن نعاني من نقص في مجال الاهتمام بالواجبات ومحاربة المحرمات، لذلك لو لأننا نطمح حقيقة الى بناء مجتمع متوازن مستقر ومنتج، لابد أن نعمل بوصية واضحة وعميقة يقدمها سماحة المرجع الشيرازي لأعضاء المجتمع كي يلتزموا بها، خدمةً لأنفسهم وذويهم، فهذه الوصية كفيلة بتحصين المجتمع كله من كل اشكال وانواع ومصادر الانحراف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في وصيته هذه: (على كل فرد منّا أن يعرف ما هي الواجبات بحقّه؟ وما هي المحرّمات عليه؟).
ملَكة لتحصين الذات
الانسان يحتاج أن يدرّب نفسه دائما على سبل الفضيلة والارتقاء، ليس في جانب التفكير فحسب، بل يعلم نفسه عمليا كيف يلتزم بالعمل المفيد، المنتج، الذي ينفع صاحبه والناس جميعا، ولكن هذا الهدف يعد من الصعوبة بمكان، بحيث يتطلب سيطرة تامة على النفس ورغباتها، بل لابد للانسان في هذه الحالة ان يكون قائدا لنفسه ومتحكما بها، بدلا من حدوث العكس، فإذا سيطرت النفس على الانسان وقادته كما تهوى، فلا شك أن النتائج ستكون خطيرة، لأن النفس أمارة بالسوء، إلا من استطاع أو تمكن منها.
لذلك يحتاج الانسان الى ملكة تحصنه من الزلل والخلل، بغض النظر عن عمره او جنسه او ثقافته، لأن مغريات الانحراف والمحرمات لا حدود لها وتتطلب حصانة من نوع خاص، تحمي الانسان من نفسه اذا حاولت ان تقوده نحو الخطأ، وعندما يبذل الانسان ما يكفي من الجهود سوف يحصل على الملكة التي تقيه وتحميه من مشاكل المحرمات وعواقبها الخطيرة، وعند ذاك لا ينبغي أن يتوقف الانسان عند هذا الحد، فمن يستطيع الحصول على الملكة بعد المثابرة والتدريب، عليه أن يعلم الآخرين كيفية الحصول عليها ولا يكتفي بنفسه فقط، لأن التعليم والاقناع والمراس المتواصل، يعلّم الانسان ويمكّنه من درء مخاطر الانزلاق في الرذيلة، لذلك سوف يساعد ذلك في تعليم المجتمع على تحصين الذات.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في الكتاب نفسه: (على كل فرد منّا، سواء كان رجلا أو امرأة، شابّاً أم شيخاً، من أهل العلم أم كاسباً، أن يحصل على ملكة تحصّنه من ارتكاب المحرّمات أو التخلّف عن الواجبات، ثم عليه بتعليم الآخرين حسب مقدرته ومعرفته).
ومن المتَّفق عليه ان تحقيق هذا الهدف يحتاج الى جهد روحي وعملي استثنائي، ينبغي أن يبذله الانسان، لكي يتمكن من تحصين نفسه من الزلل، وفي هذه الحالة لابد للانسان أن يستثمر جميع الفرص المتاحة له في هذا السياق، ومنها مثلا الاستفادة من الحياة، واستخدام الزمن بصورة صحيحة واستثمار كل لحظة تمر علينا، وعدم التهاون او تضييع الوقت في اللهو الفارغ، لأن اللحظة الخاطفة التي تمر على الانسان، لا يمكن تعويضها، فكيف اذا تم إهدار أيام وشهور وسنوات من دون فائدة تذكر، كما يفعل البعض في تعاملهم مع الزمن، لذلك على الانسان الذي يسعى ويهدف الى تحصين نفسه من المحرمات عليه ان يستفيد من حياته ووقته.
كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (على الإنسان أن يستفيد من حياته ووقته أحسن الاستفادة وبأقصى ما يستطيع).
النقد وتطوير القدرات
في جميع شؤون الحياة يحتاج المجتمع الى التوجيه، ويبدأ ذلك من الفرد صعودا، ولعل المنهج الاول للتصحيح، هو اسلوب النقد البنّاء أو السليم الذي يخلو من الاهداف المبيّتة ويبتعد عن التجريح والتشهير والتسقيط، فعندما نحث على الابتعاد عن المحرمات والالتزام بالواجبات، ينبغي أن يكون اسلوب النقد حاضرا، وفاعلا، مع اهمية النزاهة والهدفية التي تسعى الى تشذيب الاخطاء وليس تكريسها.
من هنا ينبغي على الجميع اعتماد النقد واستحضار النزعة النقدية البناءة، في حياتهم واعمالهم واقوالهم، على أن يبدأ الانسان بنفسه، فلا يصح أن ينتقد الاخرين وينسى عيوبه، علما اننا ملزمون بالالتزام بمبدأ النقد السليم حتى نكون نماذج جيدة لأولادنا ولمن يعيش معنا وينظر الى افعالنا، ويستمع لاقوالنا، ولا يستثنى من هذا الفعل احد، حتى تكون النتائج لصالح بناء النشء الجديد وفق أسس اخلاقية وفكرية رصينة.
لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي بوضوح تام الى هذا المنهج الحياتي المهم، قائلا في كتاب (من عبق المرجعية) في هذا المجال: (يلزم على الجميع: الآباء والأمّهات، والأهل والعشيرة، وعامة رجال المجتمع ونسائه، الاهتمام بالواجبات ونبذ المحرمات، لينشئوا جيلاً صالحاً، ويبنوا حضارة المستقبل على أسس الفضيلة والتقوى، والرفاه والخير، والعدل والقسط).
ويدعو سماحته الى اهمية فسح المجال أمام النقد المتبادَل لكي يصبح منهجا معتادا بين الناس، فلا ينبغي رد النقد ورفضه اذا كان نزيها، لاننا نستطيع ان نعرف نواقصنا وعيوبنا من خلال النقد، لذلك فمن حق الجميع أن يعتمد اسلوب النقد البناء المتوازن، على أن يكون هذا النقد بالمواصفات التي تبني المجتمع وليس العكس، واهم سمة يتصف بها هذا النقد كما ذكرنا سابقا ابتعاده عن إلصاق التهم بالآخرين، والتذكير دائما بالنماذج المشرقة التي يمكن ان يستفيد الانسان من افكارها وافعالها، وعندما يوجّه لنا أحدهم انتقادا منطقيا وحقيقيا، علينا التعامل معه برحابة صدر، لأن الانسان الذي يحبك هو الذي يذكرك بأخطائك باسلوب جميل ولائق، ويدعوك لتصحيحها، أما الذي لا يهمه أمرك، فهو لا يتعب نفسه معك ولا ينبهك على الامور والافعال الخاطئة، وهذا يختلف كل الاختلاف مع اسلوب الفضح والتشهير المرفوض في جميع الاحوال.
لذلك ينبغي ان نشجع الاخرين، على تذكرينا بما يصدر منا من افعال واعمال قد يكون بعضها ليس سليما، خاصة اذا اقتربت بعض الافعال والاقوال من حدود المحرمات، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا حول هذا الجانب: (لندع الآخرين ينقدوننا ونشجّعهم على ذلك، ثم نطوّر قدراتنا للاستفادة من وجهات النظر الصحيحة من بينها).
اضف تعليق