يعيش المسلمون في العالم أجمع ذكرى استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الأهمية بمكان أن يعي المسلمون أهمية هذه الذكرى وماذا يمكن أن يستنبطوا منها ليستعينوا بها على مواكبة ما يجري من تطور وتغيير في العالم، لذا ينبغي استلهام الدروس الهائلة...
يعيش المسلمون في العالم أجمع ذكرى استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الأهمية بمكان أن يعي المسلمون أهمية هذه الذكرى وماذا يمكن أن يستنبطوا منها ليستعينوا بها على مواكبة ما يجري من تطور وتغيير في العالم، لذا ينبغي استلهام الدروس الهائلة التي خلفتها لنا شخصية الرسول العظيمة، أفعالا وأفكارا، كلها تستند الى ما جاء به الوحي الإلهي، من آيات مباركات وضّحتْ منهج الحياة الجديد لمجتمع كان يقبع في درك الجاهلية آنذاك، ومع ذلك تمكن النبي (ص) بمبادئه وأعماله الفذة أن يعطي النموذج الأمثل للناس جميعا، فكان الأسوة والقدوة لمن يحتاج إلى الهداية، لهذا تقدم المسلمون في عهد الرسول (ص)، وقد كان تأثيره كبيراً في عموم المجتمع الذي تمسك بمنهجه (صلى الله عليه وآله) في العدالة وكل القيم التي تدفع بالإنسان إلى إنصاف الآخرين ونفسه بدرجة واحدة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في إحدى محاضراته القيمة: (أشير في هذه المناسبة إلى نقطة واحدة أقف عندها قليلاً، وهي قضية التأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله. قال الله تعالى في كتابه الكريم: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» ومعنى هذه الآية بعبارة بسيطة: أن تعلّموا أيها المسلمون من النبي صلّى الله عليه وآله كل شيء في حياتكم، واقتفوا أثره في كل ما كان يفعل في حياته).
ولم تقتصر قضية النموذج على مجموعة دون غيرها، ولا فرد دون غيره، بل هو نموذج يسترشد بسيرته الجميع، تحقيقا للهدف الأوسع والأعمّ، لهذا لا يمثل النبي صلى الله عليه وآله، فئة دون غيرها، من المسلمين، بل هو نموذج لكل الإنسانية الباحثة عن الخلاص ودفع الحياة قُدُما، لهذا كانت الدعوة الى اتخاذ الرسول الأكرم (ص) أسوة شاملة، كما يتضح ذلك في تأكيد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) كما في قول سماحته: (إن الآية لم تجعل من النبي صلّى الله عليه وآله أسوة لفئة خاصة، بل قالت «لكم» أي لكل المسلمين، فشملت العالِم والكاسب والموظف والمعلم والتلميذ ورجل الدولة والمواطن، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والمريض والمعافى، والطبيب والمهندس، ومن يقيم المجالس أو يدفع الأموال لإقامتها أو يجمع الأموال لها، أو يشترك فيها متحدثاً أو مستمعاً)...
معرفة تأريخ الرسول (ص)
وهناك قضية في غاية الأهمية يركّز عليها سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، وهي تتعلق بحتمية إطلاع المسلم على ما أنجزه الرسول (ص) وما قدمه للمسلمين والبشرية عموما، لأن مسألة الاسترشاد بالنموذج تستدعي معرفة واسعة بما يتصف به ذلك النموذج، ولا يصح أن نعتمد على السماع فقط في هذا المجال، بل لابد أن يطّلع الإنسان بنفسه للتعرف على شخصية النموذج وقدراته وتطلعاته الهادفة الى تطوير الحياة وعصرنتها في المجالات كافة، لذا يوصي سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بأهمية أن يطلع الشباب خصوصا، وغيرهم بصورة أكيدة ومباشرة على تأريخ النبي الأكرم الذي أضاء واقع وتأريخ المسلمين والإنسانية جمعاء.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على:
(ان وصيّتي للجميع ولاسيما الشباب الأعزّاء أن يطالعوا بأنفسهم تاريخ نبيّهم صلّى الله عليه وآله والكتب في هذا المجال في متناول الجميع، فكتاب - بحار الأنوار- على سبيل المثال موجود في المكتبات، ليطالع الإخوة والأخوات الأعزّاء الأجزاء من الخامس عشر إلى الثاني والعشرين، فكلها تتحدث عن حياة وسيرة النبي المصطفى صلّى الله عليه وآله)، ويضيف سماحته (دام ظله): (لقد أمرنا الله تعالى في هذه الآية أن نتأسى برسوله صلّى الله عليه وآله في كل شيءٍ، ووصفه بأنه الأحسن في كلّ شيء، وأنه سبحانه أثنى عليه صلّى الله عليه وآله في آية أخرى ثناءً خاصاً، وذلك في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
بعد أن كان مجتمع الجزيرة يحارب نفسه بنفسه، ويقضي على القيم الأخلاقية بقوة الجهل، كان لابد أن تزدهر الأخلاق كي تنتشل الناس من بيئة التخلف التي كانوا يرتعون فيها، ولا شك أن هناك دورا حاسما وعظيما للأخلاق في بناء الفرد والمجتمع، وكان من المحال للدين أن ينتشر بالصورة التي انتشر بها وتغلغل في نفوس الناس لو لا الطراز الأخلاقي العظيم الذي كان يتحلى به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
من هنا جاء تركيز سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أهمية وحتمية التمسك بالجانب الأخلاقي، وتطويره لكي يُسهم في رفع ثقافة ووعي وسلوك أفراد المجتمع، لذا يدعو سماحته قائلا في محاضرته القيّمة: (لنصمم على العمل بالآية الكريمة التي أمرتنا بالتأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله، ولنتخذ منه صلّى الله عليه وآله أسوةً في حياتنا حقّاً، ولنتأسّ به في جميع الأمور ولاسيما بأخلاقه صلّى الله عليه وآله).
الاسترشاد بالأخلاق النبوية
ولا ينحصر الجانب التطبيقي للآية الكريمة التي مرّ ذكرها في جانب العبادات مع أهميتها، إذ لابد للجانب العملي أن يحضر ويتحرك في الوسط البشري استرشادا بالأخلاق النبوية الفريدة، وهذا يتأكد بصورة واضحة في قول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين يقول: (لقد بُعث رسول الله صلّى الله عليه وآله يبلّغ الناس الإسلام وهو رسالة شاملة لكل شؤون الحياة، ولكننا مع ذلك نسمع أنه صلّى الله عليه وآله قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ولم يبلغنا انه قال: إنما بعثت للصلاة أو الصوم والحج والخمس وغيرها من التشريعات والعقائد مع أنه صلّى الله عليه وآله هو الذي أتى بها من قبل الله عزّ وجل. ولئن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أهمية الأخلاق في الإسلام؛ فكأنه صلّى الله عليه وآله يقول تتلخص بعثتي في مكارم الأخلاق وهي الغاية).
هذا هو التأثير العظيم للأخلاق في الأمم والشعوب وحتى الأفراد، وهذا هو سرّ النجاح العظيم الذي تحقق للمسلمين في ظل القيادة المتميزة للرسول الأكرم (ص) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لذلك كان منهج حياة المسلمين إبان حكومتهما يسير بالاتجاه الصحيح، ولكن ما أن جاء الحكام المنحرفون والحكومات المستبدة حتى بدأت رحلة تراجع المسلمين الى الوراء بسبب تنامي الجانب المادي على حساب الروحي الأخلاقي.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذه النقطة بالذات: (لقد انحسر الإسلام ومنهجه في الحكم والحياة - بعد الرسول وعلي ابن ابي طالب- ومعه غابت السعادة عن حياة الناس. ورغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على ذلك التاريخ لم ينعم الناس بعدهما بما نعموا به في ظلّهما).
ولعل أهم وأعظم ما يمكن أن يستخلصه الإنسان فردا وأمة، أن الأخلاق هي المصنع الأول والأخير للسعادة التي تمثل هدفا جمعيا للبشرية كلها، إذاً توجد سبل ووسائل لتحقيق السعادة ليست الفردية المأخوذة من النهج الفردي الأناني كما يحدث في عالم اليوم وإنما السعادة الشاملة المستخلَصة من الفكر والسلوك الأخلاقي، فإذا أراد المسلمون الحصول عليها، يجب أن يتمسكوا بأسوتهم، نبيهم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فهو النموذج العظيم الذي يمكنهم من خلال التمسك به أن يتجاوزوا حالات التردي والانحطاط التي تُشاع فيما بينهم، وما عليهم سوى الاهتداء (ليس الشكلي أو المؤقت أو النفعي)، وإنما الاهتداء الناتج عن فهم وتطبيق الأخلاق النبوية.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بقوله:
(فلنزد من العمل بالآية والتأسّي بالنبي الكريم، لكي نحقّق السعادة؛ كلٌّ بمستواه ومن موقعه: الأب من موقعه، والأم من موقعها، والأبناء من مواقعهم، والراعي من موقعه، والرعية من موقعها، والرئيس من موقعه والمرؤوس من موقعه، وهكذا الكاسب والموظف والواعظ والمرجع، و... كل من موقعه في المجتمع، عليه أن يتأسّى بالنبي صلّى الله عليه وآله، لتغيير نفسه والمجتمع)
اضف تعليق