الجرائم التي تتجاوز على المقدسات والثوابت ليست عابرة أو طارئة أو لا تقف وراءها دوافع وأسباب، فها النوع من الجرام أسست له وطورته ثقافة متطرفة وفكر تكفيري ضارب في عقول التكفيريين، وقد مرت بنا يوم أمس المصادف الثالث والعشرين من شهر محرّم الحرام، ذكرى الجريمة النكراء والعدوان الآثم على المرقد الطاهر للإمامين العسكريين صلوات الله عليهما في مدينة سامراء.
الجرائم التي تتجاوز على المقدسات والثوابت ليست عابرة أو طارئة أو لا تقف وراءها دوافع وأسباب، فهذا النوع من الجرائم أسست له وطورته ثقافة متطرفة وفكر تكفيري ضارب في عقول التكفيريين، وقد مرت بنا يوم أمس المصادف الثالث والعشرين من شهر محرّم الحرام، ذكرى الجريمة النكراء والعدوان الآثم على المرقد الطاهر للإمامين العسكريين صلوات الله عليهما في مدينة سامراء.
وهذه الجريمة البشعة لا تقل عن مثيلتها في البقيع، حين أقدم البغاة الطغاة المتطرفون على هدم قبور البقيع الغرقد التي ضمت الذرية الطاهرة للرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، وكان ولا يزال هذا اليوم الأسود علامة من علامات العقل المظلم والجاهل الذي تجاسر على قبور أئمة أهل البيت بمباركة من أولئك المتنفذين الذين باركوا الفكر التكفيري وساندوه بالأموال والدعم والمعنوي، وكل أنواع التشجيع التي تدفع بالجناة المجرمين إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم المنكرة.
فمجرمو الأمس الذين هدموا قبور البقيع هم أنفسهم جناة اليوم الذين فجروا المرقد الطاهر في سامراء، فهؤلاء امتداد لأولئك الذين تشبعوا بالإرهاب والتجاوز على مقدسات وحقوق الآخرين، ومحرك عقولهم هو الحقد والجهل والتربية الفكرية البائسة التي فتحوا عيونهم عليها، فظلت قامة في عقولهم إلى يومنا هذا.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كلمته القيّمة بمناسبة ذكرى تفجير سامراء: (إنّ سامراء المشرفة هي بقيع ثانية، حيث تذكّرنا بمراقد أهل البيت عليهم السلام المهدّمة منذ 90 عاماَ ولا تزال في البقيع الغرقد حيث يضم أئمة المسلمين الإمام الحسن المجتبى والإمام علياً زين العابدين والإمام محمداً الباقر والإمام جعفراً الصادق عليهم السلام).
وطالما أن هذه الجريمة تركت جرحا كبيرا وعميقا في نفوس المسلمين وقلوبهم، لا يمكن أن يندمل حتى مع تقادم الأزمنة، فإن ذلك مدعاة لردع ومعاقبة أدوات وعقول التكفير والتصدي لها بكل الأساليب والطرق التي تبيحها المسؤولية الإسلامية تجاه مثل هذه الجريمة النكراء، وأن لا يبقى الجناة والمسببون بلا مقاضاة وردع ومعاقبة.
إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (أأمل من الله تعالى أن يقيض في المسلمين من يصدّون أمثال ذلك بشتى الأساليب المشروعة وما تمليه المسؤولية الإسلامية في هذا المجال, ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم).
بعض المصائب لايمكن جبرها
لقد كُسرت قلوب المسلمين واهتزت الأرض غضبا وسخطا وحنقاً على الجناة المتطرفين وعلى من يقف وراءهم داعما ومحرضا لهم، لذلك فإن معالجة هذا التجاوز الكبير والخطير لا يمكن نسيانه حتى لو أعيد بناء وإعمار المرقد الشريف قي سامراء، فهذه المصيبة الكبرى لا يمكن أن تُغفل أو تمحى من ذاكرة التاريخ أو حتى الحاضر طالما أنها تمثل البقيع الثانية، وتؤكد تكريس الحقد على آل بيت النبوة والنسل الطاهر للنبي الأعظم، لأنها تعد إهانة صارخة تطال أشرف وأطهر أولياء الله، بسبب تجذر الفكر المتطرف في عقول عفا عليها الزمن، توغل بالتكفير وهي تجد من يجعها ويسندها ويحميها ويحلل لها أفعالها وجرائمها النكراء.
لذلك فإن إعمار الروضة العسكرية لا يعني انتفاء الجريمة ومحو الآثار التي تترتب عليها، أما التصرف الصحيح الي يوازي تداعيات هذه الجريمة فيمكن أن تتبلور في أمرين:
الأول: إتمام عملية الإعمار بشكل كامل غير منقوص، على أن لا تتوقف إعادة البناء على سامراء وحدها بل تمتد إلى إعادة قبور البقيع كونها المنطلق الأول لهذه الجريمة التي لا يمكن وصف بشاعتها.
الثاني: القضاء التام على الفكر المتعصب والمتطرف الذي يغذي هذا النوع من الجرام، والحد من توسعه وتجفيف منابعه الساندة والداعمة ومقاضاتها دوليا وأمام الرأي العام الإسلامي والدولي.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن هدم الروضة العسكرية المطهرة فاجعة كبرى ولا انتهاء لها وإن أعيد إعمارها. فبعض المصائب لا يمكن جبرها ومنها توجيه اﻹهانة إلى المقدّسات، وهذا أمر يقرّ به العقلاء جميعاً).
وعندما تتعلق المقدسات بأمة كاملة، فإن التجاوز عليها لا يمكن أن يُنسى أو يُجبر بعد بناء المراقد المقدسة التي يطولها فعل الإجرام، بل يبقى جرحها وتداعياتها قامة إلأى الأبد.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(قد تكون بعض اﻷشياء مقدّسة عند بعض الناس وغير مقدسة عند غيرهم، ولكن ما كان مقدّساً عند أمة فإن التعرّض له وتوجيه اﻹهانة إليه مهما كانت يُعدّ أمراً لا يمكن جبره. ومأساة سامراء من هذا القبيل، وستبقى إلى أبد الدهر فاجعة لا تجبر). ويضيف سماحته أيضا:
(عمليات إعادة إعمار المراقد المقدسة لا تعني إنهاء الفاجعة وإنما تعني الحدّ من استمرار هذه الجريمة النكراء).
جذور الإرهاب والتكفير
إن مثل هذه الجرائم النكراء لا يمكن أن تكون بلا أساس أو تخطيط مسبق، فثمة فكر متربص مسبقا بالمقدسات، فكما أن جريمة هدم البقيع لها لها عواملها التاريخية الفكرية المعروفة، فإن جريمة تفجير مرقد العسكريين في سامراء لا يمكن أن تكون وليدة اليوم، بل هي وليدة ثقافة التطرف والتكفير الإجرامية ويتحمل الجانب الأكبر منها ليس من ينفذها ويقوم بها فعليا فقط، بل أولاك الذين أنتجوا هذا الفكر الأهوج وزرعه في عقول جاهلة ومظلمة.
أما ما هي نوعية هذه الثقافة ومن يقف وراءها، فإن ثقافة الظلم والغصب هي التي تغذيها وتدعمها وتجعلها قابلة للبقاء مع الدعم القادم ممن يزرع الإرهاب وينشر الفكر التكفيري، وهؤلاء هم أعداء أهل البيت ومن يقف إلى جانبهم في تحقيق الأهداف الشريرة التي تستهدف الدوحة المحمدية فكرا ووجودا ومبادئ وتأثيرات عظيمة في حاضر ومستقبل الأمة الإسلامية من خلال محاربة الفكر المحمدي متمثلا بأئمة أهل البيت عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن جريمة هدم المرقد الطاهر للإمامين العسكريين صلوات الله عليهما لها جذور وليست وليدة اليوم، وجذورها هي ثقافة الظلم والغصب اللذين اتّصف بهما أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم).
ومع كل هذه الهجمة العدوانية ضد الفكر التنويري لأئمة أهل البيت، ومع تعدد الاستهداف الممنهج لآل الرسول صلى الله عليه وآله، ومع تكرار الهدم (البقيع) والتفجير في الروضة العسكرية في سامراء، إلا أن الجهود المضادة لهذه الاعتداءات النكراء قليلة وضعيفة بل هزيلة قياسا لما تخطط له وتقوم به الجهات المعادية للفكر المحمدي متمثلا بالفكر الإسلامي الحق.
فالمطلوب من كل مسلم ومن كل إنسان ينتمي إلى الإسلام والإنسانية، لاسيما من يتبوّأ مركزا مؤثرا (ديني اجتماعي أو سياسي)، أن يشحذ همته وأن يتصدى للتكفيريين بكل ما يمتلك من قدرات فكرية ومادية تسعى جديا لوضع حد لمثل هذه الجرائم حاضرا ومستقبلا، وهذا بالطبع لا يتحقق فعليا ما لم يتعاون الجميع في تحمل هذه المسؤولية الكبيرة بمقارعة الفكر الإرهابي، ورصد منابع تمويله وديمومته والشروع بوأد هذه القدرات من جذورها.
ومن أهم مقارعة ومحاربة هذه الجرائم المنكرة، هو التذكير بها على مدار الزمن، وإيصالها إلى أبعد الأمكنة والبشر، لكي يطلع الجميع على العقلية الخبيثة التي تقوم بمثل هذه الأفعال الإجرامية ضد نبي النور والعلم والإنسانية، أما المسؤول عن القيام بهذه المهمة، فإن الجميع مشمول بذلك ويقع عليه جزء من هذه المسؤولية الكبيرة لتحقيق هزيمة الفكر المتطرف، والقضاء على كل ما ينتجه من إجرام وإرهاب وتعدي على المقدسات الإسلامية.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على:
إنّ يوم العدوان الآثم على الروضة العسكرية المطهّرة في سامراء هو يوم ذكرى فاجعة تاريخية عظمى، ولكن من المؤسف جداً أنه لا أحد يذكرها ولا يتطرّق إليها، وإن ذكرت فإنها ليست بالمستوى المطلوب).
اضف تعليق