يحاول العراقيون اليوم أن يخرجوا بأنفسهم وبلدهم من عنق الزجاجة كما يُقال، فقد مرّت بهم ظروف ومصاعب وتغيرات لا يعلم عمق ومدى آلامها إلا الله، واليوم يسعى العراقيون لتعويض ما فاتهم من مكاسب وتطور في المجالين المعنوي والمادي، حتى يمتزجون بروح العصر ويواكبون كل جديد يستجد فيه مع احتفاظهم بأصالتهم وهويتهم المعروفة للقاصي والداني...
يحاول العراقيون اليوم أن يخرجوا بأنفسهم وبلدهم من عنق الزجاجة كما يُقال، فقد مرّت بهم ظروف ومصاعب وتغيرات لا يعلم عمق ومدى آلامها إلا الله، واليوم يسعى العراقيون لتعويض ما فاتهم من مكاسب وتطور في المجالين المعنوي والمادي، حتى يمتزجون بروح العصر ويواكبون كل جديد يستجد فيه مع احتفاظهم بأصالتهم وهويتهم المعروفة للقاصي والداني.
لكن هذا الهدف على الرغم من بساطة نطقه في القول والكلمات إلا أنه صعب المنال، والطريق إليه مليء بالمشقة والمصدات، وقد يصعب قطعه إلا بتقديم سيول متدفقة من المعنويات في شتى المجالات، خصوصا الفكرية والعلمية والاقتصادية والصحية وسواها، وتعد هذه الأمور بمثابة العوامل المساعدة لإنقاذ العراق والانتقال به من مرحلة (عنق الزجاجة) إلى الفضاء الإنساني الواسع المنفتح والمتطور.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الشيرازي (دام ظله)، أكد على هذه النقطة الجوهرية قائلا في إحدى محاضراته التوجيهية القيّمة:
إن (العراق بحاجة إلى سيل من المعنويات الماديّة والفكرية والعلمية والصحيّة، في هذا اليوم هو بحاجة إلى كل ذلك، وغداً أكثر احتياجاً إليها).
إذاً رؤية سماحة المرجع الشيرازي لا تتركز في ما يحتاجه العراق والعراقيون اليوم فقط، وإنما تعبر ذلك إلى الفضاء المستقبلي، حيث يحتاج العراق غدا إلى ما أكثر في النوع والحجم والكم، حتى يضمن بلوغ اللحظة المحورية التي ترتقي به من إلى مصاف المراكز العليا التي يستحقها.
وثمة ما يقف إلى جانب العراقيين وبلدهم المعطاء ويساعدهم على بلوغ الهدف المُرام أو المطلوب، فالعراق يمتلك الشروط المساعدة التي يمكن أن ترتقي به نحو السمو، فهو بلد غني في الجانبين المادي والمعنوي، فأرضه تكتنز الذهب بأنواعه كافة، هنالك الخيرات الزراعية والحقول الخصبة، وثمة المعادن التي تدر الثروات الهائلة، ما يعني أنه بلد متمكن من الناحية المادية بفضل خيراته الطبيعة التي وهبها الله لهذه الأرض.
على الصعيد المعنوي وكما هو معروف فإن العراق بأرضه يحتوي على أقدس المراقد لأعظم الأئمة والأولياء الصالحين، فأينما تدير أبصار سترى مرقدا مقدسا يطهّر ويبارك هذه الأرض بروحه المزكاة، لذلك يستأنس العراقيون بهذه الكرامات وتهيم قلوبهم وأرواحهم بهذه المراقد المقدسة، وليس العراقيون فقط ولا الشيعة وحدهم، بل الإنسانية كلها ترنو إلى هذه المراقد بعين الإكبار والمحبة لذلك نجد أرض العراق (كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وسواها) مهوى قلوب العالم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(يملك العراق كل مقوّمات الرفاه، وفوق كل ذلك يحتوي على مراقد أهل البيت سلام الله عليهم التي هي مهوى قلوب العالم لا الشيعة فقط، ولا المسلمين فقط، بل هي مهوى قلب الإنسان بما هو إنسان).
منهجنا تعددي لا دكتاتوري
إن بلدا يمتلك كل هذه الكنوز المادية والمعنوية، يستحق العُلا والسؤدد، ويستحق شعبه أن يكون كريما مكرّما بحياة لائقة وحامية لقيمة وكرامة الإنسان، ولكن دائما مثل هذه الأهداف الكبيرة تحتاج إلى خطوات تنظيمية قيادية صارمة كي تتحقق في أرض الواقع، ومثل هذه الأهداف يصعب بلوغها والوصول إليها إلا عبر نظام سياسي يكون قادرا على حماية حقوق الناس وحرياتهم، ويحقق لهم طموحاتهم التي توازي قيمة أرضهم وتاريخهم الوضاء.
فما هو النظام القادر على إنجاز مثل هذه المهام الكبرى، هل هو النظام الفردي الذي يختصر الناس والأرض والتاريخ والكفاءات كلها بشخصه أو رأيه أو نظرته الأحادي التي تهمل كل شيء إلا أهدافه ومطامعه في العرش وحماية الكرسي؟، بالطبع لا يمكن للنظام المركزي الدكتاتوري أن يكون مؤهلا لقيادة بلد مثل العراق والعراقيين، لأن ما يليق بهم هي الحرية، والأخيرة لا يجرؤ النظام الفردي الأحادي على تحقيقها أو حمايتها إلا في إطار شكلي.
لذلك تكمن حاجة العراق والعراقيين في الحاجة إلى نظام تعددي لا مركزي تتناسب توجهاته وسياساته الإدارية التنظيمية مع ما يطمح إليه العراقيون من حريات في الرأي والإعلام والفكر، كونها السبيل الأفضل لتحقيق الحياة اللائقة للإنسان وبما يتناسب مع قيمة أرض العراق وتاريخه ومقدساته، لذلك أرض العراق ومن عليها لا ينبغي أن تقودها الفردية المركزية بل التعددية وضمان الحرية المشروعة، والانطلاق في عالم مدعوم بالحرية الضامنة للإبداع والتقدم المسؤول والملتزم بالهوية الإسلامية في الإطار الإنساني الضامن لحقوق الجميع.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(نأمل ببناء عراق مستقل وموحّد وعلى أسس التعدّدية والمشورة والعدل والحريّة المشروعة).
بالإضافة إلى أن العراقيين تعاملوا مع الدكتاتورية كأنظمة قادتهم إلى الدرك الأسفل، فتذوقوا مرارة سياساتهم، وأحاطت بهم السجون وسياسات التكميم والحد من حرية الإعلام والرأي إلا بما ينسجم مع ما يريده ويرغبه النظام الدكتاتوري، لذلك لا يصلح للعراقيين اليوم سوى المنهج التعددي الضامن لبناء عراق مختلف لما بناه الفرديون المركزيون الدكتاتوريون على المستوى المادي والمعنوي.
(العراق بحاجة إلى التعدديّة لا الدكتاتورية، فبقدر ما تجرّع العراق آلام الدكتاتورية هو بحاجة اليوم إلى التعدديّة).
دور الأحزاب حاضرا ومستقبلاً
من هي الجهات التي تضمن للعراق والعراقيين نظاما تعدديا لا مركزيا؟، بالطبع هذه مهمة العاملين في الميدان السياسي ويتصدرهم الأحزاب والمنظمات السياسية التي يقع عليها الدور الأول والأساس في إنجاز هذا الهدف، وقد وصفها سماحة المرجع الشيرازي بالأحزاب والمنظمات الأصيلة، وهي التي تتصدى للمهمات الكبيرة التي تضمن للعراقيين حاضرا لطيفا ومستقبلا مضمونا، فيكون من مسؤولياتها توحيد الشعب العراقي وإبعاد الخلافات التي تتسبب جراء المصالح الضيقة.
فوحدة العراقيين ينبغي أن يكون الهدف الأسمى للأحزاب والقادة السياسيين، كي تُبنى دولة قوية متحررة تضمن وتحمي حقوق جميع العراقيين، وتعوضهم عمّا عانوه من آلام وويلات تسببت بها أنظمة فردية لم تحرص على العراق والعراقيين بقدر حرصها على الكرسي والمغانم التي يوفرها لأولئك الحكام الفاسدين، لذلك على الأحزاب السياسية أن تتوحد في إرادتها وكلمتها وأهدافها حتى يكون بمقدورها توحيد الشعب ومن ثم بلوغ ما يستحقه الشعب العراقي من مكافأة على تضحياته، ولكن هذا يستوجب نبذ الصراعات الشخصية وغيرها فيما بين السياسيين.
وهذا ما أكدّ عليه سماحة المرجع الشيرازي في قوله:
(على الأحزاب والمنظّمات الأصيلة التي تتصدى لمشاريع وبرامج تهم العراق حاضراً ومستقبلاً، أن تعمل، على لملمة أطراف هذا الشعب، الذي قاسى من الآلام والمآسي ما قاسى، عبر التركيز على الإيجابيات ونبذ السلبيات، تحت أي اسم أو شعار، وأن ينهوا الصراعات الشخصية).
كما يؤكد سماحتهُ على أنَّ العراقيين هم صانعو عراق الغد، فالعراقيون بكل طبقاتهم الاجتماعية والسياسية وغيرها، مسؤولون عن بناء بلدهم، لكن هناك خطوات مهمة وكبيرة لبلوغ هذه النتيجة العظيمة، وتتقدم هذه الخطوات خريطة الطريق الفكرية والعملية للوصول إلى هذا الهدف الأهم والأرقى، في البدء على الطبقة السياسية بكل مؤسساتها وسلطاتها أن تخطط وتنظم وتشرّع ما يلزم من خطوات لبناء العراق.
وعلى الجهات نفسها أن تحدد الأدوار التي ينبغي أن يتصدى لها كل ذي علم ومؤهلات وكفاءات في هذا المجال أو ذاك، بالنتيجة مهمة البناء تقع على العراقيين فإنهم من يصنع عراق الغد الأجمل، ولكن السياسيين يتصدرون ويتحملون وزر المسؤولية الأكبر، حتى يُسهم ويتمكن العراقيون من بناء عراقهم الأرقى والأقوى.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي: (أهل العراق اليوم هم صانعو عراق الغدّ).
اضف تعليق