إن ما يقوم به بعض الحكام والمسؤولين في الدول الإسلامية ومنها العراق، يتناقض بشكل صارخ مع سياسة الإمام علي عليه السلام، والمشكلة أن هؤلاء الساسة يُنسبون أنفسهم دينيا ومذهبيا إلى الإمام علي ويتشبثون بأقواله ووصاياه، ولكن عند التطبيق سنج أن هؤلاء لا يفعلون سوى أن يرددوا الأقوال وحدها بعيدا عن تطبيقها كما طبقها الإمام علي على أقرب أقربائه وهو أخيه عقيل...
يمر المسلمون بشكل عام، والعراقيون بوجهً أخص بظروف سياسية اقتصادية إدارية بالغة السوء، وذلك بسبب سوء تصرف الحكام والوزراء والموظفين، وما هذه الأوضاع البائسة التي يعيشها العراقيون في الوقت الحالي، إلا نموذجا ودليلا على سوء الإدارة، وعدم التصرف بها وفق ما ورثناه من ديننا ونبينا صلى الله عليه وآله، وتلميذه النجيب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
إن دلائل الغنى التي تظهر في ربوع أرض العراق ومعظم الدول الإسلامية، ليست قليلة، فالزراعة تدر على هذه البلدان الكثير، ولو أحسن الحكام والوزراء والموظفون التعامل معها، لتحقق الاكتفاء الذاتي لجميع المسلمين في العالم، وكذا الحال بالنسبة للصناعة والثروات المعدنية وسواها، ويكفي أن نقول أن أكبر احتياطي لطاقة النفط على المستوى العالمي موجودة في أراضٍ تعود ملكيتها للمسلمين، فالسعودية لديها احتياطي كبير من النفط وتنتج ما يفوق عشرة ملايين برميل نفط يوميا، والعراق يحتوي على الاحتياطي الثاني عالميا من النفط وينتج اليوم ما يفوق أربعة ملايين برميل يوميا.
ومع كل هذا الثراء نجد أن الفقر المدقع يعصف بالمسلمين، أما الأسباب فهي باتت معروفة حتى لأبسط الناس، إنها الإدارة السيئة لثروات وأموال المسلمين، والمبالغة من قبل الحكام والوزراء والمسؤولين بمظاهر الترف والعيش الرغيد، فيما تتضور أكثرية المسلمين جوعا بسبب عدم إلتزام الحكام وحكوماتهم بما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام وخصوصا ما يتعلق بحقوق الناس والتعامل بأمانة مع أموالهم وثرواتهم.
والطامة الكبرى تكمن في تعامل الحكام والمسؤولين مع ذويهم (الأبناء والأقارب) ومنحهم أكثر مما يسحق المواطن العادي مئات الأضعاف ضاربين بذلك السياسة الرشيدة عرض الحائط على الرغم من أنهم يصرخون ليل نهار بأنهم يسيرون على نهج النبي (ص) والأئمة الأطهار.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الإسلام):
(كان عليه علي بن أبي طالب عليه السلام لا يفرّق أقرباءه عن غيرهم، وإنما كان يساوي بينهم وبين غيرهم في مختلف المجالات. وهذه هي السياسة الإسلامية الرشيدة التي طبّقها أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه وعلى أقربائه قبل أن يطبّقها على سائر الناس، ويطالبهم بالعمل عليها).
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على الساسة، أن من يريد أن يسير وفق سياسة الإسلام في إدارة شؤون الدولة والأمة عليه أن يتعلم ذلك من الإمام علي عليه، ويقرأ ويفهم جيدا الكيفية التي كان يقوم بها الإمام في تعامله مع أموال الناس الخاضعين لسلطته السياسية.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي مخاطبا الرؤساء والحكام والمسؤولين:
(من أراد سياسة الإسلام فليتعلم من علي بن أبي طالب تلميذ رسول الله صلی الله عليه و آله وربيب القرآن، وحجّة الله على الخلق أجمعين).
كيف يتم سرقة أموال الشعب؟
ولم يكتفِ المسؤولين بما يشرّعونه لأنفسهم من امتيازات، بل ذهب بهم الأمر إلى إغداق الأموال على أقاربهم من كل الدرجات، وحصروا الوظائف بهم، وتعاملوا بازدراء تام مع حقوق الناس، وتوجد أمثلة واقعية تؤكد هذه السلوكيات الشائنة، ولا ندري من أين جاءوا بمثل هذه القيم والشرائع التي تبيح لهم إعطاء الابن والأخ والأقارب أضعاف وأضعاف ما يسحقون، فهؤلاء مواطنون لا يختلفون عن غيرهم بشيء، فلماذا تُقتَح لهم أبواب العطاء بلا حدود؟ ولماذا لم يتعاملوا مع أقاربهم كما تعامل الإمام علي مع أخيه (عقيل)؟.
إن ما يقوم به بعض الحكام والمسؤولين في الدول الإسلامية ومنها العراق، يتناقض بشكل صارخ مع سياسة الإمام علي عليه السلام، والمشكلة أن هؤلاء الساسة يُنسبون أنفسهم دينيا ومذهبيا إلى الإمام علي ويتشبثون بأقواله ووصاياه، ولكن عند التطبيق سنج أن هؤلاء لا يفعلون سوى أن يرددوا الأقوال وحدها بعيدا عن تطبيقها كما طبقها الإمام علي على أقرب أقربائه وهو أخيه عقيل.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(لم يكن لـعقيل وهو أخ أمير المؤمنين، أخ سيّد الأوصياء، أخ الرئيس الأعلى للمسلمين، فَضْلٌ على غيره في العطاء والمال).
وإذا تنبّه حكام المسلمين الحاليين إلى سياسة أمير المؤمنين (ع)، وكيفية إدارته لأموال وثروات الأمة، فإنهم سيكتشفون بأن الأخ والقريب للحاكم لا يختلف عن غيره في العطاء، لأن جميع المواطنين سواسية في هذا الحق القائم على المساواة والعدالة، ولذلك ينظر الإمام علي إلى المال الزائد الذي يُعطى للأخ والقريب هو سرقة في وضح النهار، وهو تجاوز صارخ على حقوق الناس، فهل ينظر حكامنا اليوم إلى ما يعطونه لأقاربهم من أموال وعقود ومشاريع مشروعا ومقبولا في حكم الإسلام ورؤية الإمام علي عليه السلام؟؟.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:
(إن خلاصّة السياسة الإسلامية مع الأقرباء في منطق أمير المؤمنين عليه السلام إنّه يعتبر إعطاء شيء زائد لأخي خليفة الله في الأرض سرقة من المسلمين جميعاً).
على المسؤول أن لا يبيع دينه
وطالما أن حكامنا يلهجون بذكر الإمام علي، ويتبجحون بالانتماء له، ويعلنون الإسلام ديناً رسميا لدولهم، فحريّ بهم إتباع سياسة الإسلام متمثلة بسياسة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وسياسة الإمام علي عليه السلام، وعليهم قراءة هذه السيرة السياسية النموذجية، وإدارة الأموال في هديها، فليس معقولا ولا مقبولا أن نعلن أننا من أبناء علي ومنتمين له في كل شيء، ثم ننحرف بتطبيق ما يريده عليه السلام في أول اختبار لنا يخص المال أو العطاء أو الامتيازات، ولا ندري حقا كيف تنام عين المسؤول وهو يرى بعينه نسبة الفقراء والمرضى تتزايد، ولا يحرّك ساكنا، مع أن الحاكم والوزير والمسؤول والموظف، يتحملون مسؤولية ما يجري أمام الله، خصوصا أن الإمام علي يعدّ كل مال يعطى للأخ والقريب من دون وجه حق وعدالة يعدّ بمثابة (بيع للدين).
كما أكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله:
(في منطق أمير المؤمنين عليه السلام إعطاء صاع واحد أي: ثلاثة كيلوات من حنطة المسلمين إلى أخيه عقيل الفقير.. الذي إغبرَّ لون أولاده من الجوع، هذا بيع الدين).
من ينصح سماحة المرجع الشيرازي، كل من تقع عليه مسؤولية إدارة شؤون الناس في الدولة، بدءاً من الرؤساء، والحكام، والوزراء، والموظفين، أن يفتحوا أبصارهم جيدا لهذه الظاهرة التي عصفت بحقوق المسلمين والمواطنين، خصوصا ما يخص الأموال والخدمات وبعض الحقوق الأخرى، إن الفرصة لا تزال سانحة أما الحاكم والوزير والموظف والمسؤول بوجه عام، لكي يصحح مساره في قضية التعامل مع أموال وثروات الناس الذين يحكمهم أو يدير شؤونهم.
فإذا يؤمن بأنه مسلم منتمي للإسلام الحقيقي، وأن الإمام علي عليه السلام مثاله ونموذجه في إدارة (الأموال)، وطريقة التعامل في منحها للأقارب (أخوان، أبناء) وغيرهم، ينبغي أن يعيد حساباته جيدا، ويعود إلى رشده، ويضع قدمه في الطريق الصحيح الذي سلكه الإمام علي عليه السلام، وهذه الفرصة فعلا متاحة لجميع المسؤولين حتى من أخطأ منهم، على الأقل أنه يتوقف الآن عن إلحاق الأذى بالناس ويكف عن سرقة أموالهم ويتوقف عن (بيه دينه)، أما من لا يكف ولا يتورع عن ذلك فهو يعرف مصيره قبل غيره.
من هنا ينصح المرجع الشيرازي المسؤولين قائلاً:
(ليفتح الرؤساء، والحكّام، والوزراء، والموظفون أبصارهم، لكي يحسنوا معرفة موقفهم، ومسؤوليتهم)
اضف تعليق