شبكة النبأ: إننا نؤمن بأن الامام الحسين عليه السلام مدرسة مفتوحة الأبواب على مر الأزمان، لمن يريد أن يدخلها ويدرس فيها ويتعلم منها، لأنها مدرسة الانسانية، مدرسة الرحمة، مدرسة الامان والتراحم والأخوّة الصادقة، وهي ايضا مدرسة الحق، مدرسة الحقيقة والجمال الانساني الباهر، إنها مدرسة الانسان في أي زمان ومكان، لأسباب عديدة، أولها أنها لا تخص إنسانا بعينة او فئة من الناس، لأن المبادئ الحسينية تخص كل الناس أينما كانوا، ويمكنها أن ترسم لهم طريق الازدهار والتقدم والتماسك فيما لو قرروا الدخول فيها والتعلم منها، ومن اسباب كونها مدرسة الانسانية، تلك المكانة العظيمة والمنزلة الخالدة التي منحها الله الى الامام الحسين عليه السلام، كونه يستحقها بجدارة، كما هو واضح لمن يطلّع بدقة على سيرة حياته عليه السلام، منذ الولادة في كنف النبوة الشريفة، حتى مماته على مذبح الحرية، دفاعا عن شرف الانسان وحقوقه المشروعة وحريته وخياراته الحرة في الحياة.
لذلك على كل من يدخل مدرسة الامام الحسين عليه السلام، كي ينتمي إليها ويتعلم فيها، أن يعرف ماذا يتعلم، وكيف يطبق ما يتعلمه في هذه المدرسة في مسيرة حياته، فلا يصح أن نعلن بأننا طلاب في مدرسة ابي الاحرار عليه السلام، ولا نعرف ماذا نريد، ولا نفهم كيف نطبق ما نتعلمه من المبادئ الحسينية في حياتنا؟، إنه لمن العجب حقا، أن يعلن انسان أنه ينتسب الى هذه المدرسة ثم لا يعرف ما تريده وتغرسه فيه هذه المدرسة، والاكثر عجبا من ذلك عندما لا يعرف المنتسِب كيف يطبق ما تعلمه بالمدرسة الحسينية في واقع حياته، لذلك يُقال أن العلم مهما كانت درجته من الكمال والعمق، فإنه لا يكتمل إلا بالعمل.
إذاً أول ما تطلبه منا هذه المدرسة العظيمة، أن نرشد الناس الى الصلاح وسبل الحق، والى كل الفروع التي تقود الانسان الى السلامة والتطور والازدهار وتعظيم القيم الانسانية التي تضع أقدام الانسان على الجادة الصواب، وتصل به الى مرافئ الاخاء والفضيلة، ومن ثم احترام الانسان بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معانٍ سامية.
لهذا السبب يرى سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، كما نقرأ ذلك في كتاب (من عبق المرجعية)، أنه: (من أهم مهام مسؤولية هداية الناس وإرشادهم، الاقتداء بالإمام الحسين سلام الله عليه). بمعنى أن الامام الحسين عليه السلام نموذجنا، وعلينا أن نقتفي خطواته بدقة، حتى نتقن بدقة ما نتعلمه في المدرسة الحسينية، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب فيقول: (علينا أن نتعلّم من الإمام الحسين سلام الله عليه ونقتدي به في كل شيء، ففي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما جعل الإمام إماماً ليؤتم به).
تطبيق الأقوال على الأعمال
سبق أن ذكرنا ان العلم بلا تطبيق، يبقى كمن يرى الحياة بعين واحدة، فلا هو أعمى فيستريح، ولا هو مبصر بعينين سليمتين فيعرف ويستفيد مما يرى، لذلك اذا اراد الانسان ان يوظف علمه لصالح نفسه والآخرين، عليه أن يحوّل هذا العلم الى عمل يخدم الناس، وهذا ما يؤكد عليه رموز الانسانية في كل مكان، وهو ما يدعونا إليه سماحة المرجع الشيرازي، فما فائدة أن ننتمي الى المدرسة الحسينية ولا نطبق ما نتعلمه فيها على حياتنا وواقعنا.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، على هذا الجانب بقوله: إن ( أدنى ما يمكن القيام به في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه هو التدبّر في أقواله، وفيما أثر عنه سلام الله عليه، ثم السعي للعمل بذلك وتطبيقه على واقع الحياة).
إذاً تكون المرحلة الاولى هي تعلم مبادئ الفكر الحسيني وفهمها جيدا، وبعد هذه المرحلة المهمة جدا، تأتي مرحلة أهم، ونعني بها تطبيق ما تعلمه الانسان من الامام الحسين عليه السلام، في واقع حياته، إذ لا يصح، أن ننتمي للفكر الحسيني ونتعلمه ونؤمن به، ثم عندما تحين المرحلة الأهم وهي مرحلة التطبيق العملي للفكر، نتقاعس او نتراجع، أو نكتفي بالتعليم النظري فقط، بل ربما ينحدر بعضهم اكثر، فيتعلم وينتمي الى الفكر الحسيني ثم يطبّق في الواقع أعمالا تختلف عن هذا الفكر الانساني الخلاق.
وذلك لأن مبادئ هذا الفكر تُنهي عن ظلم الانسان والتجاوز على حقوق الآخر وتحث على الرحمة والتقارب وعدم تفضيل النفس على الاخر، وهذه القيم تحتاج الى نفس مؤمنة وقلب سليم قادر على مقارعة الجشع والطمع الذي غالبا ما يضع حاجزا بين المبادئ وتطبيقها، لذا من الأهمية بمكان أن نطبق ما أراده الامام الحسين منا، وأن نساعد انفسنا والاخرين كي نبتعد عن الجشع والظلم بسبب الجهل الذي نعاني منه، وضيق الأفق الذي يسوّر بصائرنا.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (الهدف الذي قام من أجله الإمام الحسين سلام الله عليه وكما جاء في إحدى الزيارات المخصوصة له هو: ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، فلنأخذ على عواتقنا هذا الأمر). نعم ليس هناك من سبيل آخر أمام من يؤمن بطريق الحسين عليه السلام، سوى التطبيق الفعلي للفكر الحسيني خدمة للذات والآخر في الوقت نفسه.
النجاح لمن يسعى
من الامور البديهة التي لا تحتاج الى إثبات او نقاش، أن الانسان الذي يسعى ويخطط ويجدّ ويعمل للوصول الى هدف معين، سوف يصل إليه ويتمكن من تحقيقه، حتى الله سبحانه وتعالى يقف الى جانب الانسان الذي يسعى ويتحرك ويفكر ويخطط ويعمل، على العكس من آخر لا يحث نفسه ولا يتعبها في هذا السبيل او ذاك.
والآن نتساءل ما بالك لو كان سعي الانسان هو السير في طريق الامام الحسين عليه السلام، وهو طريق الانسانية والمحبة والخير والتطور والأمان؟، حتما سيكون النجاح مضمونا في هذا الطريق، لأنه يصبّ في صالح الانسان، ويؤكد العلماء المعنيون بدراسة النفس البشرية، أن الانسان مجبول على قبول ما يفيده من خطوات وامور تطوّر حياته، أي انه يقبل هذه الخطوات على الفور، كونها تحسّن حياته وتقدم له بدائل كثيرة عن السبل الصعبة او المؤذية، وهذا التطور لا يخص الجانب المادي فقط، انما المعنوي والفكري ايضا، إذ تتوسع آفاق رؤية الانسان الى الحياة، ويصبح اكثر قدرة على التعامل بنجاح مع الشؤون الحياتية كافة.
من هنا يؤكد لنا سماحة المرجع الشيرازي ان النجاح سيكون حليف كل انسان يعاهد على السير في طريق الامام الحسين عليه السلام، كما نقرأ ذلك في قول سماحته: (اعلموا أن كل من يعاهد على السير في طريق الإمام الحسين سلام الله عليه، سيجد الإعانة والتوفيق منه سلام الله عليه، لأن في ظلّه سلام الله عليه تكون السعادة في الدنيا والآخرة).
لذلك أعطى الله تعالى مكانة عظيمة للامام الحسين عليه السلام، هذه المكانة تمثلت بخلوده على مر الازمان، على الرغم من كل محاولات المحو والاقصاء والتهميش والتجاهل التي قام بها أعداء الفكر الحسيني الانساني الوهّاج، حيث يحكي لنا التاريخ، وترينا الوقائع الراهنة تلك الاعمال التي تقف بالضد من هذا الفكر، وهو أمر ليس نستغربا بطبيعة الحال، فتركيبة النفس البشرية تحمل في طياتها بذور الخير ونقيضه، وامر طبيعي ان من يقف ضد الفكر الانساني مصاب بالتطرف والجهل، لذلك فشل وسيفشل كل من يقف بالضد من مبادئ الحسين عليه السلام، والدليل القاطع هذه المكانة العظيمة التي منحها اله تعالى للامام الحسين عليه السلام.
لذا نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي، في الكتاب المذكور نفسه، حول هذا الجانب: (على الرغم من كل المعاداة لـسيّد الشهداء سلام الله عليه على مرّ الزمان، فإنّك تجد ذكره سلام الله عليه يتجدّد يوماً بعد يوم).
اضف تعليق