أفرزت الوقائع السياسية طيلة ما يقارب عقدا ونصف من السنوات، حالة من الانكفاء لدى الناخب العراقي، والأسباب جلية ولا تحتاج كثيرا من العناء لكشفها، فالجميع يعرف ويقر بأن ما يحتاجه العراقيون من خدمات أساسية وعدالة في توزيع فرص العمل وسوى ذلك من أمور، كانت ولا تزال في حالة نقص أو تدهور، يُضاف إلى ذلك حجم الوعود التي قطعها السياسيون والمشاركون في الدورات الانتخابية الماضية من وعود لم يتحقق الحجم الأكبر منها...
أفرزت الوقائع السياسية طيلة ما يقارب عقدا ونصف من السنوات، حالة من الانكفاء لدى الناخب العراقي، والأسباب جلية ولا تحتاج كثيرا من العناء لكشفها، فالجميع يعرف ويقر بأن ما يحتاجه العراقيون من خدمات أساسية وعدالة في توزيع فرص العمل وسوى ذلك من أمور، كانت ولا تزال في حالة نقص أو تدهور، يُضاف إلى ذلك حجم الوعود التي قطعها السياسيون والمشاركون في الدورات الانتخابية الماضية من وعود لم يتحقق الحجم الأكبر منها، كل هذه الأمور وسواها أسهم بطريقة أو أخرى إلى زيادة نسبة الإحباط لدى الشعب، فأدّى ذلك بدوره إلى انطلاق حملات لمقاطعة الانتخابات التي لم يبق على إجرائها سوى يومين.
ولكن نتائج هذه المقاطعة السيئة تفوق بكثير ما يظهر منها من فوائد، إن كانت للمقاطعة بعض الفوائد أصلا، لهذا كرست المرجعية الدينية المتمثلة بالمرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي جهودها الفكرية والثقافية على نشر قيم حرية الإنسان العراقي وغيره، وضمان أمنه ورفع قدرته الشرائية وتحسين حياته, وتوطيد أسس العدالة بآفاقها الإنسانية والكونية, والعمل على إقامة دولة السلام والأمان والازدهار في أجواء حرية الرأي والتعبير، ورفض الاستبداد بكل أنواعه وأشكاله وأحجامه, واحترام تشريعات حقوق الإنسان ومبدأ السلم, والالتزام بمبدأ اللاعنف كطريق لحل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والسياسية، ولا شك أن الطريق إلى هذه الأهداف الكبيرة هو مشاركة أكبر عدد ممن يحق لهم الانتخاب في أداء دورهم بالاقتراع.
كما نلاحظ في قول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في توجيهاته للناخب العراقي، إذ يقول سماحته:
(من المردودات الايجابية للانتخابات، وصول الشعب العراقي إلى حقوقه المشروعة، ومنع قيام أنظمة دكتاتورية).
فثمة مكاسب عديدة في هذه المشاركة، وإن كانت تجارب الشعب العراقي مع قادته السياسيين مشوبة بالتقصير خصوصا في مجال تعويض هذا الشعب الذي وقع فريسة للدكتاتورية، وبعد إطاحتها تأمل خيرا في قادته الجدد، فلم ينصفوه ولم يعطوه ما يستحق من التعويض، ولكن يبقى الأمل قائما في بناء دولة قوية مستقرة قادرة على حماية الحريات، لاسيما حرية الرأي والفكر والإعلام، وهي ركائز وأسس لا يمكن التفريط بها إذا أراد العراقيون بناء دولة خالية من الاستبداد والقهر والحرمان، لذلك بات العراقيون أمام مهمة غاية في الصعوبة لكنها في نفس الوقت بالغة الأهمية، إنها بناء عراق موحد قوي مستقل قادر على تلبية كل ما من شأنه حفظ كرامة العراقيين في العيش الرغيد والحرية وسلامة الحقوق كافة.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(نأمل ببناء عراق مستقل وموحد وعلى أسس التعددية والمشورة والعدل والحرية المشروعة ويلزم تعبئة كافة الشرائح لأجل ذلك).
لا يجوز بيع الأصوات الانتخابية
على أننا ينبغي أن نفهم ونؤمن بأن مثل هذه الأهداف الكبيرة، لا يمكن تحقيقها من دون تضحيات، ولا يمكن أن تتحقق بضربة ساحر كما يقال، أو بين ليلة وضحاها، أي أن الأهداف العظيمة التي تنصف العراقيين، تتطلب تضحيات أخرى منهم، وفي مقدمة ذلك، المطالبة بالحقوق والسعي إليها، وليس انتظارها، أو انتظار الحكام أن يعطوها لهم، كما أنها لا يمكن أن تتحقق بالقوة أو الفوضى أو الشغب، إنها تأتي كنتيجة طبيعية لرسوخ دولة العدالة والحرية والنظام التعددي، ومثل هذه الأمور والنتائج لا يمكن الحصول عليها، إلا عبر أداء الانتخابات السليمة، والمشاركة فيها بفعالية عالية.
لذا من غير الممكن للناخب أن يبيع صوته لأية جهة كانت، ومهما كانت الأسباب الضاغطة عليه، فهذا الصوت هو الذي سيبني الحامية لجميع العراقيين وهو الذي يحقق العدل فيما بينهم، كما أن الصوت الانتخابي السليم في الإدلاء هو السبيل إلى إقامة النظام السياسي الخالي من الاستبداد والإكراه، لذلك لا يجوز بتاتا بيع الصوت الانتخابي إلى جهة أو شخصية سياسية.
كما يوجّه سماحة المرجع الشيرازي:
(لا يجوز بيع الأصوات في الانتخابات لصالح أية جهة مقابل المال سواء كانت جهة معادية للخط الإسلامي أوجهة علمانية أو جهة مجهولة).
على أن يرافق مثل هذا الإجراء الصحيح، أي عدم بيع الصوت الانتخابي، إعطاء هذا الصوت لمن يستحقه فعلا، وهذا يوجب على الناخب العراقي أن يدقق كثيرا في سيرة الشخص أو القائمة أو الحزب الذي سيمنحه صوته بصورة طوعية، فصوت الناخب هو حاضره ومستقبل أولاده والأجيال القادمة، ولا يجوز له أن يفرط به بصورة عشوائية أو خاطئة عن طريق بيعه مقابل حفنة من النقود، وهي في جميع الأحوال تمثل ثمنا بخسا بحق الناخب نفسه، لذلك لابد أن يمنح الناخب صوته إلى من يثق به حصرا.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على:
(ضرورة أن ينتخب الناس، المرشحين الذين نالوا ثقة المؤمنين).
ومثل هذه النتائج النزيهة والسليمة، لا يمكن تحقيقها في ظل انتخابات ليست نزيها، وهذه مهمة الجهات الرسمية المعنية، إذ لا يمكن ترك الأمور على عواهنها، فتشوب الانتخابات أضرار ومساوئ لا ينبغي أن تشوبها مطلقا، لذا يجب المحافظة على الانتخابات من حيث الأداء والنزاهة والسلامة أيضا.
وهذا بالضبط ما يدعو له سماحة المرجع الشيرازي إذ يوجّه: بـ (لزوم المحافظة على الانتخابات ونزاهتها وسلامتها).
لا للتزوير والتحريف والتأثير
إذاً لا يمكن إجراء انتخابات تخدم العراق وشعبه بكل طبقاته وشرائحه، ما لم يحافظ الجميع على سلامة هذه الانتخابات، كما أن المطلوب من الجهات الرسمية المعنية وخصوصا مفوضية الانتخابات المستقلة أن تكشف عن أية محاولة للتزوير أو التلاعب أو التأثير العكسي على الشخصيات والأطراف المشاركة في الترشيح، فإذا أراد العراقيون نتائج جيدة ومفيدة للانتخابات تقع عليهم مهمات ينبغي تطبيقها حرفيا وعدم الاستهانة بها لأي سبب كان، وفي المقدمة منها منع التزوير والتلاعب والتأثير.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(يجب أن يسعى الجميع لحفظ أمن الانتخابات وكشف المحاولات الرامية للتزوير والتحريف والتأثير).
فالمطلوب إجراء انتخابات حرة نزيهة، حتى تكون نتائجها في صالح العراق والعراقيين، وهذا يستعدي قيام جميع الجهات بمهامها وأدوارها الصحيحة، ومنها وأكثرها أهمية مشاركة العدد الأكبر من الناخبين الأحرار الأذكياء فيها، فالناخب الذي يعرف مصلحته جيدا، هو الذي ينتخب بصورة سليمة ولا يقاطع مع أن له الحق بالمقاطعة، فهو حر فيما يرى ويريد، ولكن لابد من التذكير بالمساوئ التي تترتب على تخلي الناخب عن حق التصويت.
لذلك يرى سماحة المرجع الشيرازي بأن:
(إجراء انتخابات حرّة ونزيهة هو في مصلحة الشعب العراقي الكريم، فعلى الجميع المشاركة الجادة والحثيثة فيها). ويضيف سماحته:
ولا تقتصر المشاركة في الانتخاب على النتائج اللاحقة لها، بل هناك تقييمات أخرى لهذه المشاركة، ذلك أن الناخب الذي يحرص على الإدلاء بصوته الانتخابي بصورة صحيحة وسليمة وواثقة، إنما يقوم بواجبه الشرعي الوطني الإنساني الصحيح، فهو يسهم بفاعلية ونجاح في بناء نظام سياسي تعددي قوي مستقر، ودولة حامية للحقوق والحريات، وحاضر ومستقبل يليق بشعب قدم الغالي والنفيس من أجل الحياة الحرة الكريمة، لهذا فالمشاركة في هذه الانتخابات دليل على وقوف الشعب مع نفسه وبلده الجريح الذي لا يزال ينزف من جراح الدكتاتورية والفساد والحرمان.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إن المشاركة في الانتخابات تعبير عن الاهتمام بأمور العراق الجريح).
اضف تعليق