q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الإسلام والاستبداد نقيضان لا يلتقيان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

إن الحكومة الإسلامية حكومة استشارية، والاستشارية نظام متفوّق على نظام الديمقراطية، والسبب فيما نراه في البلاد الإسلامية اليوم من نواقص، و

في كل مجالات الحياة، توجد النقائض الثنائية، كالضوء يناقضه الظلام والنهار يناقضه الليل وقس على ذلك، وما يهمنا في هذه الكلمة، التناقض الحاد الحاصل بين مبادئ وتعاليم الإسلام وبين كل ما يسيء إلى البشرية، ومنها على سبيل المثال، أن الإسلام يتناقض في مبادئه ومضامينه بصورة كليّة مع الاستبداد، فالأخير يعني الانفراد بصناعة القرار، واختصار البلد والشعب كله في شخص الحاكم، مع جعل الحياة كلها تدور في مدار القمع والتسلط وكل أنواع القهر الفردي والجماعي.

وغالبا ما يرتبط الاستبداد بالتخلف، فأينما يوجد الاستبداد والقمع تجد التخلف الذي يعد حاضنة مناسبة جدا للقمع والانفراد بصنع القرار، وربط مصير الأمة بشخص الحاكم ورأيه الذي لا يقبل الآراء الأخرى، لذلك أوجب الإسلام منهج الاستشارة في إدارة الحكم، والقبول بالرأي المعارض، تبعا للنص القرآني (لا إكراه في الدين)، لكن النظام المستبد لا يعترف بحق الآخر في الرأي وحريته في التفكير، وهو يتناقض في هذا الأمر مع الإسلام الذي أطلق حرية الاختيار حيث لا قمع ولا قسر ولا إجبار، مع ضمان حق الرأي وحق الانتقاد بحرية.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية):

(الحكم في الإسلام استشاري)

ويضيف سماحته في المصدر نفسه أيضا:

(ليس الحكم في الإسلام ملكيا وراثياً).

وطالما أن الإسلام يضع مبدأ الشورى كمنهج لتنظيم الحكم وعلاقة المواطن بالحاكم، وينحو الإسلام بقوة نحو التعددية، فهذا يوجب على كل حاكم إسلامي أن يلتزم بمنهج الإسلام التحرري، ويمنع منهج الاستبداد والتفرد بالقرار وقمع الرأي المعارض، والحاكم الذي لا يلتزم بمبادئ الإسلام، ويعتمد الاستبداد بدلا من الاستشارة وضمان حرية الرأي، فإنه سيكون مدّعيا بالإسلام لأنه لا يطبق تعاليمه.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(لا يكفي للحاكم أن يقول: إنني حاكم إسلامي).

وهناك من حكام المسلمين من يُطلق شعارات كبيرة تدور حول حق الاختلاف وضمان الحريات، ورفض منهج القمع، والسعي لرفاهية الشعب، وضمان حق التعليم وحرية الرأي والاختلاف، لكن عندما نقارن الواقع بأقوال الحاكم الإسلامي، نجده يختلف تمام الاختلاف، ولهذا نجد أن معظم شعارات الحكام المستبدين لا تعدو أكثر من أقوال يعوزها التطبيق الفعلي في الواقع.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(إننا لا نسير خلف الأسماء والشعارات بل خلف الواقع).

إسلاميون بالاسم فقط

ونظرا لعدم تطبيق المنهج الإسلامي الدقيق بصورة صحيحة في إدارة شؤون الأمة، فإن الحاكم سوف يتحوّل إلى شخص منتمي للإسلام بالاسم فقط، لأنه أصلا غير ملتزم بتناقض مبادئ الإسلام مع الاستبداد، ولهذا تحدث الكثير من المشاكل التي يتم إسقاطها على المواطن، فيقع تحت معاناة كبيرة تتسبب بها مشاكل لا تعد ولا تحصى تكون حصيلة طبيعية لتناقض منهج الحاكم المستبد وحكومته التي تعاونه في قهر الناس وجعلها خاضعة بالقوة لإرادة الحاكم الفردي الذي لا يرى الصحيح إلا في رأيه، رافضا أي رأي مختلف حتى لو كان يعرف في قرارة نفسه أن هذا الرأي المختلف معه يحقق ما يصبو له الشعب.

فيحدث العكس تماما حيث تُلحَق بالأمة خسائر كبيرة بسبب القرارات الخاطئة التي يأمر بها الحاكم المستبد، مانعا أي رأي آخر من المشاركة في ضمان مصائر الناس، وإنقاذها من الظلم والقهر والحيف الذي طالما يلحق بها بسبب الحاكم الجائر، فتتحول أقوال الحاكم ووعوده إلى أضغاث أحلام، وشعارات لا تجد نصيبها في الواقع، كما يحدث في بعض الدول الإسلامية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(السبب فيما نراه في البلاد الإسلامية اليوم من نواقص، ومشاكل، يعود إلى أنها إسلامية بالاسم فقط، والشعار فحسب، وليس أكثر من ذلك).

أما وظيفة الحاكم الإسلامي وحكومته، كما يشير إليها سماحة المرجع الشيرازي، فإنها ينبغي أن تحرص كل الحرص على دفع الحياة إلى أمام دائما، من خلال التزام الحاكم بمبادئ الإسلام الحقيقي التي تدعو إلى جملة من الاشتراطات الأساسية التحقق في حياة الأمة وأفرادها ومكوناتها، منها العدل، وتوفير فرص العمل بتكافؤ بين الجميع وضمان التعليم للكل بصورة متساوية، وتحقيق الأمان التام للمجتمع.

حيث يشير سماحته إلى ذلك بقوله:

(وظيفة الحكومة الإسلامية تجاه الأمة هي حفظ العدل بين الناس، داخلاً وخارجاً، والدفع بالحياة إلى الأمام، وتوفير الفيء، من الرزق والمال عليهم، وتعليمهم وتثقيفهم، وحفظ أمنهم واستقرارهم).

ولا يمكن تحقيق مثل هذه الشروط إذا كان النظام السياسي فرديا، لأن الإسلام أوجب الاستشارة، وأكد على أهمية الحرية في الاختيار، وضمان حرية الرأي، للخلاص من بيئة التخلف والقمع والإجبار، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون أن تكون الحكومة شعبية ضامنة لحريات الأفراد والأمة عموما، والتعليم، والرفاهية، والأمن والحصول على العلاجات اللازمة ضد الأمراض لضمان صحة جيدة.

سماحة المرجع الشيرازي يؤكد ذلك في قوله:

(الحكومة في الإسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فماذا يريد الناس غير المشاركة في الرأي، وغير الغنى، والعلم، والحريّة، والأمن، والصحّة، والفضيلة، مما يوفّرها الإسلام خير توفير؟).

الحقوق في النظام الإسلامي العادل

ولا يمكن أن يُطلق على حكومة ما، بأنها إسلامية، إلا إذا كانت تعمل في إطار نظام سياسي عادل، وفي حال أن يتحقق العدل، سوف يتمن ضمان الحقوق والحريات، ومنها حق الرأي المعارض، والاختيار، والصحافة والإعلام، وكل الحقوق التي تساعد على محاربة الموبقات، لهذا من غير الممكن محاربة الفساد إلا في ظل نظام يرتكز على العدل بين الجميع وضمان حرياتهم مع القضاء على الفساد بكل أنواعه، وأول الأنواع الفساد الحكومي ومغرياته.

يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(الإسلام يحرّم المفاسد والمغريات).

لذلك ينبغي أن تعي الحكومات الإسلامية شروط نجاحها، وأول هذه الشروط الابتعاد الكلي عن الاستبداد، وحماية حرية الرأي، وتشجيع الصوت المعارض وليس اعتقاله مهما كانت الأسباب، فالاسلام يرفض القمع، ويطالب الحاكم الاسلامي بضمان الحريات لأنها الطريق الأوحد إلى إقامة العمران، والبناء وتطوير الزراعة والصناعة مع توسيع التجارة، ومضاعفة الثروات، والاستقرار المجتمعي بعيدا عن الظلم والقهر والتعنيف عبر الإرهاب، ورفض القيود أو السجن واستخدام أسلوب التعذيب المؤلم وامتهان كرامة الإنسان، وبالتالي في ظل مثل هذا النظام العادل سوف تضمحل وتقل مشاكل الناس وسوف تتم محاصرة الفقر وتقليل نسبته إلى أدنى نسبة ممكنة، أو القضاء عليه كليا.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه:

(في ظل النظام الإسلامي العادل، تُعمر الديار، وتُبنى الدور، وتزرع الأرض، وتتقدّم الصناعة، وتتوسع التجارة، وتتراكم الثروة، ويستقرّ الناس في جوٍّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب، ولا قيود ولا أغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر).

ولمجمل هذه الأسباب، أوجب الإسلام أن تكون الحكومة استشارية، وهي تعني التفوق في ضمان الحريات ومقارعة الاستبداد، والاستشارة أكثر نجاحا حتى من الديمقراطية، كونها تبني منهجا قويما للنظام السياسي العادل والضامن للحريات، من خلال ابتعاده عن أسلوب القمع، أو تكميم الأفواه التي تعارضه في أمور تتعلق أصلا بمصالح الشعب، لهذا ليس من حق الحكومة الإسلامية أن تصادر حرية الرأي اهتداءً بما أقرّه الإسلام من توفير الحريات كافة وحمايتها، لهذا تعد الحكومة الاستشارية، التي تعتمد مبدأ الشورى وتشرك الشعب في حق الاختيار والتعبير الحر عن رأيه، حفاظا على مصلحة الأمة، أهم وأفضل الحكومات والأنظمة السياسية، لأنها استشارية غير مستبدة.

سماحة المرجع الشيرازي يقول في ذلك:

إن (الحكومة الإسلامية حكومة استشارية، والاستشارية نظام متفوّق على نظام الديمقراطية).

اضف تعليق