q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

عولمة الشعائر الحسينية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

يوم بعد آخر نقترب أكثر من شهر محرم، هذا الشهر الذي حدثت فيه واقعة الطف التي هزت ضمير التاريخ والعالم، ما جعلها دائما وأبدا نقطة انطلاق لتنظيف الإنسان من الأدران الفكرية والسلوكية، حتى بات شهر محرم والشهر الذي يليه وهو صفر ربيعا للشعائر الحسينية المقدسة، والتي يتم من خلالها التبليغ بأقصى ذروته لتصحيح مسار العالم الذي امتلأ بالفساد والظلم.

من هذه الحقيقة ينطلق سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، ليؤكد في كلمة توجيهية قيّمة موجهة الى المسلمين جميعا، على (أن شهري محرم وصفر هما ربيع الشعائر. والمسؤولية الشرعية على الجميع هي إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة كلّها في كل مكان من العالم).

لذلك فإن أنسب الأوقات وأكثرها ملائمة ونجاحا لإطلاق الشعائر يصل الى الذروة في هذين الشهرين، محرم وصفر، حيث يتوافق ذلك مع استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من محرم، في أعظم ملحمة عرفها التاريخ الإنساني في نضاله ضد القهر والظلم بأشكاله كافة، لهذا تعد فرصة نشر الثقافة الحسينية في أوجها عبر وسائل الإعلام والفضائيات لتوضيح المبادئ التي ثار من أجلها سبط النبي (ص)، وإعلانه أنه قام للحفاظ على مسار الإسلام وجعله ضمن مسيرة جده محمد (ص) وأبيه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فهما سيرتان مكللتان بأعظم المبادئ الإسلامية الإنسانية التي أنقذت المسلمين والعالم أجمع من أكداس الظلام والجهل الذي كان يهيمن على رؤوس الجميع، لذا ينبغي السعي المتواصل والمستمر للتبليغ بسعي وجدية والتركيز على الإسلام الحقيقي الذي وصفه الإمام الحسين (ع) بدقة تامة، مع أهمية استثمار هذه الواقعة العظمى.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ شهري محرّم وصفر، هما فرصة تبليغ الإسلام، أي الإسلام الذي بيّنه الإمام الحسين صلوات الله عليه بقوله: (أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب). فحذار من أن تفوتنا هذه الفرصة، وأن لا نسعى لتبليغ الدين).

توظيف القنوات الفضائية بنجاح

إن من القضايا المهمة قطعا هي عولمة الشعائر الحسينية، كونها تحمل الفكر الحسيني، وهو في جوهره يمثل الإسلام المحمدي الحق، وغير المحرف، لأننا نعرف جميعا ماذا فعل الغلاة المتطرفون بالإسلام على مستوى التطرف في الفكر وتشويه المضامين الإسلامية، وتكفير الآخرين وإطلاق الفتاوى دون تمحيص أو تدقيق، وترك الإسلام بأيدي هؤلاء يحرفون كما يريدون وبما يحقق لهم نزواتهم المغلفة بالجهل والتعصب، لذا نلاحظ أن العالم ينظر الى الإسلام على انه فكر متطرف، لأن المجاميع المتطرفة تمكنت بالفعل من تشويه جوهر الإسلام.

هنا لابد أن يتصدى المخلصون من علماء ومسلمين ومثقفين وغيرهم، لدرأ خطر المتطرفين، وتنظيف العالم من الفساد الذي راح يتغلغل فيها حتى يظهر أن الفكر الأسوأ بات يسوده وتصطبغ به معظم سلوكيات البشر، الأمر الذي يستوجب التصدي لهذا الفساد العالمي عبر التبليغ بالمبادئ العظيمة التي أعلنها سيد الشهداء، وعلينا استخدام وسائل الإعلام كافة لعولمة الفكر والثقافة الحسينية وتنويع أساليب التبليغ مع استغلال الفضائيات بأفضل الطرق.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذه النقطة المحورية: إن (العالم كلّه اليوم قد غطّ بالفساد والضلالة، وعلينا أن نستفيد من القنوات الفضائية التي لها القدرة على نشر وتعميم معارف الدين، استفادة بأحسن وجه، ولا شكّ بها يمكننا إيصال الحقائق إلى البشرية جمعاء، في كل ناحية وطرف من نواحي وأطراف الأرض).

وقطعا أن الساعين الى نشر المبادئ الحسينية عبر الشعائر وسبل التبليغ الأخرى، لن يجدوا الدروب مفروشة لهم بالورود وهم يواصلون حملاتهم التثقيفية، بل حتما أنهم سوف يتعرضون الى مشاكل ومصاعب كبيرة، يصل بعضها درجة التضحية بالنفس وهي أعلى مراتب التضحية، وبالفعل قدم الكثير من المبلغين ومن أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام، دماءهم ونفوسهم مضحين بها في سبيل إعلاء شأن الشعائر الحسينية ونشر الفكر الحسيني.

لذا ينبغي أن يتهيأ المبلغون والعاملون على نشر وإحياء الشعائر الحسينية للتضحية وتحمل المشقة والتعب والتهديدات المختلفة، وليس أقلها ما يتعرض له أتباع الإمام الحسين من حالات استهداف بالسيارات المفخخة أو إطلاق النار أو الأحزمة الناسفة، وتقديم عشرات بل مئات الشهداء على طريق التبليغ وإحياء الشعائر، لكن بالطبع لا يتوقف هذا الموج السنوي الهادر من الزوار الكرام، أما مجالس العزاء ومواكب الشعائر فإنها تتضاعف عاما بعد عام في حالة من الإصرار والتحدي قلَّ نظيرها، فالأهم للمبلغين وللمساهمين والعاملين في إحياء المشاعر أن يستمروا في طريق سيد الشهداء الى الأمام دائما وأبدا.

لهذا يحث سماحة المرجع الشيرازي الجميع للمضي في هذا الطريق قائلا: (تقبّلوا المصاعب كلها في سبيل إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، وحتى لو اضطررتم للدَين والقرض فلا تقصّروا).

الاقتداء بالأئمة الأطهار

ليس الاستعداد للتضحية والتعب وحده يكفي للاستمرار بالتبليغ وإقامة الشعائر، وإنما ينبغي الاقتداء بالأئمة الأطهار وبعلماء الدين الأجلاء من أجل تطوير هذه الأنشطة ونشرها وتوسيعها وتحديثها بما يتلاءم مع روح العصر، والإصرار على عولمتها، وإيصالها الى أبعد نقطة من العالم، حيث باتت الفضائيات وشبكات التواصل الالكتروني ومواقع التوصيل الأخرى ووسائل الإعلام قادرة على إيصال الأفكار والمبادئ الحسينية الى أبعد الأمكنة من العالم.

وعندما يضع أتباع أئمة أهل البيت النماذج العظيمة أمامهم من شخصيات خالدة، فإنهم حتما سوف يواصلون سعيهم في التبليغ ومواصلة إقامة المجالس التثقيفية ونشر الوعي بين الشباب والكبار والصغار حتى يواصلوا الليل بالنهار وهم يسعون الى أهدافهم العظيمة التي تكشف الحقائق أمام العالم أجمع وتسلط الضوء على التكفير والتطرف، وتُظهر الفارق بين جوهر الاسلام الحق، وبين الذين يحاولون تشويهه بالأفكار المدججة بالكراهية والأحقاد، وحاشى الإسلام من هكذا أفكار مريضة، لذلك من المتوقَّع أن يواجه العاملون والساعون في طريق الإمام الحسين (ع) الكثير من المصاعب والمشقة.

من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية القيمة: (من الجدير واللائق أن تقتدوا بالأئمة الأطهار صلوات الله عليهم وبعلماء الدين في هذا المجال. فبأمثال هذه المحاولات والمساعي يمكن إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة في العالم كلّه وتعميمها وعولمتها).

هكذا ينبغي أن يسهم الجميع في هذه الحملات التي تهدف أولا الى إحياء الشعائر، وتطوير الأفكار، والتركيز على الوعي والإلمام بالثقافة السليمة، ومعرفة المبادئ الحسينية كما هي بالفعل وفهم الإسلام الحق، وعلينا جميعا أن نفهم بأننا نخوض معركة ضد الجهل والفكر المتطرف، فلنعمل مخلصين على نشر مبادئ الإمام الحسين وتوعية الناس وإبعاد الجهل والتطرف عنهم، وعلينا أن نسعى في طريق الإمام الحسين (ع)، حتى تتحقق أهدافه وأفكاره العظيمة في الحرية ودفع الظلم ورفضه وحماية الرأي ونشر قيم التعاون والتكافل والسعي لنشر الخير في ربوع الأرض كافة، واعتماد اللين والعفو عند المقدرة، هذه المبادئ الحسينية الإنسانية من الواجب علينا جميعا أن ننشرها ونعولمها أي نقوم بتوصيلها الى العالم أجمع، ونعمل بها ليل نهار.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إذن، علينا أن لا نقصّر في هذا المجال، وعلينا أن نبذل قصارى جهودنا ونسعى كثيراً إلى تحقيق الهدف الذي نهض من أجله مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه. فإذا لم يتحقّق هدف الإمام الحسين صلوات الله عليه في زمانه صلوات الله عليه، لنسع نحن جميعاً إلى تحقيقه في زماننا الحاضر).

اضف تعليق