إن مفردة (كارثة) قد لا تعبر تعبيرا دقيقا عن جريمة تهديم قبور أئمة البقيع، فهي في الواقع أكثر تأثيرا وضررا من الكوارث الطبيعية أو تلك التي تحدث بفعل البشر، لأنها تمس جوهر الإسلام وتتطاول على شخص الرسول الكريم، كما أنها تضرب ما جاء في النصوص القرآنية عرض الحائط، فقد جاء التركيز واضحا جليا في النص القرآني الذي يؤكد على (المودة في القربى) وهو نص صريح لا يحتاج الى تفسير او اجتهاد أو مناقشة، ومع ذلك تجاهلت عقول التطرف والتكفير كل هذه الموانع المتسلسلة بداية من الذات الإلهية الى كتابه الحكيم، الى شخص الرسول الكريم، لتنتهي الى هدم قبور أربعة من أبناء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في سابقة لم يشهد لها العالم الإسلامي مثيلا.
إننا نعيش في هذه الأيام الذكرى الحادية والثمانين لوقوع هذه الكارثة المتمثلة بهدم قبور أئمة البقيع، والغريب أن ثماني قرون لم تكن كافية لمعالجة هذا الخطأ الذي تجاسر على الذات الإلهية حيث قام الأجلاف بعملهم البائس عن تخطيط مسبق وبإصرار عجيب، فألغوا وجود هذه القبور الشريفة لعدد من أئمة أهل البيت عليهم السلام، بحجج واهي لا تمت بصلة للشريعة الإسلامية حيث كان المسلمون في عهد الرسول وحتى في عهود بعض الخلفاء يدفنون موتاهم ويقيمون لهم القبور وبعضها ليست دارسة كما يتحججون، ولكن جاء فعل التهديم للإساءة بأئمة أهل البيت وتجاسرا مكشوفا على شخص الرسول الكريم.
حيث أكد ذلك سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في محاضرة قيمة جاء في ضمنها: (هذا اليوم وهو يوم الثامن من شهر شوال المكرم يصادف يوم هدم قبور أئمة البقيع وذلك قبل أحد وثمانين عاماً، وهذا التجاسر السافر والتجرّؤ الصريح على هدم قبور أئمة أربعة من أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين هو في الواقع تجاسر على الله تعالى الذي أمر بمودّة أهل البيت صلوات الله عليهم وطاعتهم وإكرامهم، وتجاسرٌ على القرآن الحكيم الذي صدح بقول الله سبحانه في الآية الثالثة والعشرين من سورة الشورى: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»).
الجهد المجموعي في إعادة قبور البقيع
ومن الغرابة بمكان أن يستمر الصمت على هذه الجريمة، وأن يتلكأ المسلمون وقادتهم باتخاذ القرار السليم الذي يسعى لمعالجة هذا الخطأ الإستراتيجي على المستوى الشرعي، فحتى هذه اللحظة لم نشهد مبادرة جادة تعيد الأمور الى نصابها وتنصف أئمة أهل البيت الذين تم تهديم قبورهم في البقيع الغردق في مثل هذه الأيام قبل (81) عاما، كما أننا نطالب قادة المسلمين بالتحرك العاجل لمحو آثار هذه الجريمة النكراء.
نعم هناك أصوات وجهت دعوات قوية وصريحة للشروع في عملية كبرى وجادة لإعادة بناء قبور البقيع، ولكن الأمر لا يتعلق بشخص بعينه ولا قائد مسلم بعينه، إن هذا العمل ينبغي أن يكون ذا إطار مجموعي يشترك فيه الجميع بلا استثناء، فكل فرد عليه أن يقدم ما يستطيع في مجال إعادة بناء قبور البقيع، ومن خلال تجميع الجهد المجموعي يكون هذا الهدف ممكنا ومتاحا خصوصا أن بقاء الأوضاع الشاذة على ما هي عليه الآن، يمثل شرخا في تاريخ المسلمين وعيبا على واقعهم الذي لا يزال مثقل بهذا العيب الذي يصل الى مرتبة العار، من حيث درجة التجاوز على حرمة الرسول الكريم وعلى أبنائه من الأئمة المعصومين، لذلك ينبغي أن تتضافر جميع الجهود ويشترك كل المسلمين في معالجة هذه الكارثة التي تقف وراءها حواضن التطرف والتكفير والتعصب الأجوف.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الشأن تحديدا: إن (مسألة معالجة هذه الفاجعة المؤلمة ورفع هذا التجاسر البذيء المتطاول على الله والرسول، والإسلام والقرآن، والقيم والأخلاق، لابد وأن يكون من جميع المسلمين بل من جميع الناس الأحرار على نحو العام المجموعي، يعني: العلاج يحتاج إلى تضافر جهود الجميع وتضامن نشاطات الكل: في إبداء الآراء المطالبة بالتعمير، وإنجاز المساعي الحميدة لإعادة البناء).
ولا يستثنى أحد من مسؤولية إعادة هذه القبور، فهذه مسؤولية شرعية كونها تتعلق بذات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، كما أنا تتجاوز بشكل صريح على النصوص القرآنية التي أوصت بوضوح ومباشرة بمنطوق (المودة بالقربى)، في حين أن الذي قام به الفكر المتطرف الطائش وأذنابه هو العكس تماما حيث أساؤوا في وضح النهار لأبناء الرسول من أئمة أهل البيت عليهم السلام حينما تجرؤوا وقاموا بمحو وتهديم قبورهم بلا وازع من ضمير.
لذلك دعا سماحة المرجع الشيرازي الى أهمية الجهد المجموعي في هذا الإطار، حيث قال سماحته: ينبغي أن يشارك الجميع في إعادة قبور أئمة البقيع (كل واحد حسب قدرته وطاقته، وإدراكه وإمكاناته، ولا يعتذر بأنه واحد والواحد لا أثر له في قبال الآلاف. إذ الوحدات تجتمع فتشكّل جيشاً عارماً، كما ان القطرات تجتمع فتصبح سيلاً كاسحاً وجارفاً، وإلا كان الجميع مقصّراً ومسؤولاً).
موقف العلماء الأعلام والشخصيات الدينية
ومما يثلج الصدور ويريح القلوب والضمائر أن هناك علماء أعلام وسادة كرام وشخصيات دينية واجتماعية أخذت على عاتقها مسألة إعادة بناء قبور البقيع الغردق، ومن بين هذه الشخصيات الجليلة، الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قده) الذي شرع قبل اكثر من أربعين عاما بحملة كبيرة ودعوات متواصلة لإعادة بناء قبور البقيع، وكما هو واضح أن الجهد الجماعي هو الأكثر قدرة على تحقيق هذا الهدف المهم، على الأقل نوع من التصحيح للأخطاء التي تم ارتكابها بحق أهل البيت عليهم السلام والتجاوز على حرمتهم.
وقد أشاد سماحة المرجع الشيرازي بهذه الجهود التي دعت ولا تزال الى الشروع الفوري في بناء القبور التي تم تهديمها قبل ثمانية عقود في سابقة أساءت لشخص الرسول ولأبنائه من الأئمة المعصومين عندما باشرت شلة من التكفيريين بإزالة تلك القبور، ما يستوجب إطلاق الحملات المتواصلة لإعادة بنائها، وفق أسلوب العمل المجموعي الذي لا يستثني أحدا مهما كانت مشاركته وقدرته ضئيلة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته القيمة: (لقد وقف موقف المطالب بنهاية هذا التجاسر البغيض تجاه الله ورسوله، والإسلام والقرآن، وطالب بإعادة بناء قبور أئمة البقيع الكثير من العلماء الأعلام، والسادة الكرام، والشخصيات الدينية والاجتماعية ومن جملتهم الأخ الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدّس سرّه، وذلك قبل أكثر من أربعين عاماً، حيث بدأ حملة واسعة النطاق في المطالبة ببناء البقيع).
إن ساعة الصفر تقف على الأعتاب، وأن لحظة إعادة بناء قبور البقيع ماثلة أمام العيون والقلوب المؤمنة، فالجميع يتطلع الى هذا اليوم الذي بات في مرمى النظر بل هو أقرب مما يتوقع الجميع، خصوصا أن بقاء البقيع بهذا الوضع الموحش لم يعد يطيقه أحد، فهو عار تم إلحاقه بالمسلمين جميعا بفعل ما قام به التكفيريون المتطرفون الذين تجاوزوا على حرمة النبي الأكرم وأبنائه من الأئمة المعصومين، عندما قاموا وبكل وقاحة وجرأة بإزالة وتهديم هذه القبور، فكانت الإساءة الكبرى التي تم إلحاقها بأئمة أهل البيت عليهم السلام.
لذلك يطالب سماحة المرجع الشيرازي أمة المسلمين ويستحثهم ويدعوهم الى الإسراع بمعالجة ما ارتكبه الأجلاف من أفعال شنيعة بحق النبي الأكرم وأبنائه من الأئمة المعصومين، على أن يتهيأ الجميع بلا استثناء، حتى أولئك الذين يشعرون بأنهم غير قادرين بالمساهمة في انجاز هذا الهدف، فالعمل أيا كان نوعه أو حجمه ومهما بلغ من الصغر، فإنه من خلال تجميع الأعمال والأفعال فإنها سوف تكون قادرة بإنجاز بناء قبور أئمة البقيع عليهم السلام.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: إن (بقاء البقيع الغرقد موحشاً، والمراقد الشريفة مهدّمة، منكر من أشدّ المنكرات، وهو بمرأى من المسلمين جميعاً ومسمع، ولابدّ من يوم وهو في الطريق، وساعة صفر هي على الأعتاب، يزول فيه هذا المنكر ويغسل عاره وشناره، فهنيئاً لأمّة ناشطة وقوم غيارى يستطيعون صنع العام المجموعي واتخاذ الموقف الموحّد، للقيام برفع هذا المنكر ودفعه، وسدّ هذا الصدع وردمه).
اضف تعليق