لا يمكن أن تستقيم حياة الناس مع غياب الإنصاف، أو إهمال الواجبات، أو الانتقاص من حقوق الآخرين، هذه الأمور تعد من الركائز الرئيسة التي تستند إليها قواعد وثوابت العلاقات الاجتماعية المتنوعة، وفي حال حدوث خلل فيها، أو نقص في جانب محدد، سوف يحدث إرباك في العلاقات المتبادلة بين الزوج وزوجته مثلا، أو الأب وابنه، او الصديق وصديقه، وهكذا الحال مع جميع العلاقات التي ينبغي أن يكون فيها معيار الحقوق ثابتا، إذ لا يجوز انتهاك حقوق الآخر تحت أية حجة أو ذريعة.
إن الانتهاك الذي يحصل في حقوق الطرف الآخر غير مبرر، لسبب واضح تماما، فقد توافرت جميع الأسباب التي تساعد الإنسان كي يحافظ على حقوق الآخرين، منها مثلا العلاقات الزوجية، فالزوج له حقوق متكافئة مع حقوق الزوجة، لذلك لا يصح أن يتجاوز على حقوق الزوجة بحجة أنه الذكر، أو الرجل، فمثلما له حقوق على الزوجة عليه واجبات تجاهها، وينطبق الأمر على الزوجة أيضا، وفي هذه الحالة يكون الطرفان الزوج والزوجة مرتبطان في علاقة حقوقية متكافئة، لا تمنح أحدهما تفضيلا وترجيحا على الآخر.
ومن غير الممكن التهاون في هذه الحقوق، أو الانتقاص منها أو إلحاق الخلل فيها، لأن الضرر الذي ينتج عن مثل هذا الخلل، لا تتوقف نتائجه عند حدود فردية، بل تتعدى ذلك الى المجتمع، فتلحق الضرر بأفراد كثيرين، لأن الزوج أو الزوجة المختلفين مع بعضهما يعيشان في وسط بشري جماعي، وأي خلاف سوف ينعكس على الجمع، لذا عليها إنصاف الطرف الآخر.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيمة: (لقد خلق الله سبحانه وتعالى الخلق، الرجال والنساء، ومنح الكل ما أراده هو عزّ وجلّ من الطاقات والإمكانات، النفسية والجسدية والماديّة وغير ذلك. وفرض عليهم فروضاً، وأوجب عليهم واجبات، بعضهم لبعض).
لذلك على جميع الأطراف، أن يحرصوا على إقامة علاقات زوجية أسرية اجتماعية متكافئة، وغير قابلة للتجاوز أو الانتهاك، فذلك كفيل بإلحاق الضرر بأطراف أخرى، ما يؤدي بالنتيجة الى خلخلة العلاقات والقيم وإرباك حالة الاستقرار المجتمعي، فعلى جميع الأطراف التزام حالة التكافؤ بينهما من حيث أداء الواجبات وإحقاق الحقوق.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إنّ الإنسان، كلٌ في مستواه، عليه أن يواظب في أن يؤدّي حقوق الآخرين المفروضة عليه. فالزوجة تؤدّي حقوق الزوج، والزوج يؤدّي حقوق زوجته. وهكذا الوالدين والأرحام والبائع والمشتري، كل في مستواه، وعلى شتّى المستويات).
الأداء المتبادل للحقوق والواجبات
الحقوق في مقابل الواجبات، معادلة دقيقة، أي خلل يحدث في احد طرفيها سوف يلحق الضرر في الطرف الآخر، ولكن إذا كانت المعايير متوازنة، تبقى العلاقات الزوجية وسواها مستقرة ومتوازنة، فمثلا عندما يحصل الزوج على حقوقه من الزوجة، تقع عليه مسؤولية أداء حقوقها عليه بنفس الدرجة من الالتزام، ولا يصح حدوث أي خلل في درجة التكافؤ هنا، لاسيما أن هذا النوع من التكافؤ لا يصح إهماله أو التجاوز عليه، كونه من أشد الفرائض التي أكدت عليها أحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام.
ويتعلق الأمر بالطرفين الزوج، والزوجة، كلاهما يتحملان نفس القدر من المسؤولية، وعليهما الالتزام التام بتأدية معادلة الحقوق والواجبات على الوجه الأمثل، طبقا للفرائض التي تنص على نحو حاسم بأهمية حالة التكافؤ المتبادلة بين الزوج وزوجته بخصوص العلاقة الزوجية واستقرار الأسرة ونجاحها.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (الفرض على الزوج أن يعطي حقوق الزوجة، وبالعكس أيضاً، أي الزوجة عليها أن تعطي حقّ الزوج من نفسها. وهذا من أشدّ الفرائض، أيضاً).
علما أن هنالك تأكيد كبير على الزوجة بأن تعرف بالضبط ما هي حقوق الزوج المطلوبة منها، وعليها أن تسعى بقدر ما تستطيع لتأدية تلك الحقوق بعد أن تفهما وتهضمها جيدا، علما أن القليل من النساء ينالها التوفيق في هذا الجانب، وكذلك الحال بالنسبة للزوج، إذ تقع عليه مسؤولية مماثلة في هذا المجال، وعليه نفس الحرص في هذا الأمر، إذ ينبغي عليه أداء الحقوق للزوجة غير منقوصة، فهذه هي تعاليم الله وفرائضه، وعدم أداها يعني الفشل أو الرسوب فيها، وهذا بالفعل اختبار صعب على الزوج والزوجة، وقلما يحققان النجاح فيه بسبب صعوبته، ولأنه يتطلب جهدا وإرادة كبيرة من حيث التنفيذ والالتزام.
وهذا ما يؤكد عليه سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (على الزوجة أن تعلم ما هي الحقوق الواجبة عليها للزوج، وتؤدّي تلك الحقوق. وهذا ما لا يوفّق له إلاّ القليل من النساء. وكذلك على الزوج أن يعلم ماذا فرض الله عزّ وجلّ عليه من حقوق للزوجة ويؤدّيها. وهذا ما يرسب فيه الكثير).
ما وجبَ على الوالدين وأولادهما
إن قضية الحقوق تكاد تشمل الجميع من دون استثناء، فلا يوجد بشر يمكن أن يعفى من تأدية هذه الحقوق تجاه الآخرين، بل حتى تجاه نفسه هناك حقوق والتزامات عليه أن يؤديها كما يجب، ليس الزوج والزوجة فقط عليها تأدية هذه الحقوق والقيام بالواجبات المطلوبة، وإنما الجميع يقع عليهم جانب من الحقوق المفروضة عليهم، فمثلا هنالك حقوق معروفة ومدوّنة للآباء على الأبناء، على هؤلاء معرفتها بوجه الدقة، وتأديتها كما يجب، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، عناك حقوق للأولاد تقع مسؤوليتها على عاتق الآباء، ولا يجوز التهاون بها مطلقا، بحسب الفرائض الإلهية.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله حول هذا الجانب بكلمته المذكورة نفسها: (توجد على لوالدين والأولاد، فروض بينهما تجاه الآخر. أي واجبات على الوالدين وعلى الأولاد).
وهنالك تأكيدات شديدة ترد في التعاليم الدينية وفي أحاديث أئمتنا المعصومين عليهم السلام، على حتمية احترام التكافؤ في أداء الحقوق بين طرفيّ معادلة الواجبات والحقوق، فالزوج في مقابل الزوجة، والأب في مقابل الابن، والعالم في مقابل الجاهل، وهكذا الأمر مع الجميع، ولا يمكن إهمال أحد الأطراف لقضية الحقوق المتبادلة والواجبات المطلوبة، وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر إلا أن الدين والتعاليم الاسلامية والأحاديث طالبت الجميع بالالتزام بهذه الثنائية التي تساعد على جعل الحياة اكثر توازنا وأفضل بكثير من حدوث حالات الانتهاك والتجاوز على الآخرين.
وثمة أدلة قاطعة على أن التمسك في حالة تكافؤ حقوقية ثابتة بين جميع الأطراف تقود الى الاستقرار الجمعي، وتحسن طبيعة الحياة الأسرية والزوجية والمجتمعية عموما، وتكون النتيجة لصالح بناء مجتمع متماسك قائم على احترام الحقوق والتمسك بها والقيام بالواجبات واحترامها، عملا فيما يريده الله تعالى والانبياء عليهم السلام، وأئمتنا الأطهار في أحاديثهم الشريفة، ويبقى الهدف الأهم في هذا المجال تثبيت حالة التكافؤ الحقوقية بين الأزواج وعموم الأطراف الأخرى للعلاقات المجتمعية المتنوعة، فالأب عليه حقوق على الابن وبالعكس وكذا بالنسبة للزوج والزوج حيال بعضهما، ولكن تطبيق حالة التكافؤ الحقوقية تبدو في غاية الصعوبة.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (من أشدّ الفروض الإلهية أن يؤدّي الوالد والوالدة، ما وجب عليهما تجاه الأولاد. وبالعكس، للوالدين حقوق واجبة على الأولاد. فهل الأولاد، من بنين وبنات، يؤدّون حقوق الوالدين؟ إن كثيرا منهم يرسب في هذا الأمر).
اضف تعليق