أقيمت الجلسة الفكرية الثانية عشرة لنجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي، في مكتب المرجعية بمدينة قم المقدّسة، يوم الخميس الثامن من شهر رجب الأصبّ1438للهجرة (6/4/2017م).
حضر هذه الجلسة العلماء، والفضلاء، وأعضاء مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بمدينة قم المقدّسة، وعدد من الوكلاء، والضيوف من العراق وسوريا، وطلبة العلوم الدينية، وناشطين في المجالات الدينية والثقافية والإعلامية.
تناول نجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في هذه الجلسة، موضوع: (عتبة الإدراك) كارثة العصر.
إليكم رؤوس نقاط الكلمة، بشكل موجز:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين.
ـ قال تعالى: «قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا * وَكَيفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا» سورة الكهف / 66 ـ 68.
ـ قال تعالى في ختام سورة الشعراء: «وَالشُّعَرَاء يتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يقُولُونَ مَا لَا يفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَي مُنقَلَبٍ ينقَلِبُونَ» سورة الشعراء/224 ـ 227.
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس اعلموا أنّه انما هلك الذين من قبلكم بالتكلف، فلا يتكلف أحدكم في دين الله ما لا يعلم، فانّه انما يعذر على الخطأ يوم القيامة ان أجهدت رأيك.
ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أبغض الخلائق الي الله رجلان، (الجاني والفريسة) رجل قمش جهلاً موضعٌ في جُهّال الامّة غادٍ في اغباش الفتنة، عمٍ (أي أعمي) بما في عقد الهُدنة، قد سمّاه أشباه الرجال عالماً وليس به، فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير مما كثر، حتى اذا إرتوى من آجن وأكثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، وان نزل به احدى المبهمات هيأ لها حشواً رثاً من رأيه ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، جاهلٌ خبّاط جهلات، غاش (مخادع) ركاب عشوات، لم يعضَّ على العلم بضرسٍ قاطع يذري الروايات إذراء الريحِ الهشيم، يصرخ من جور قضائه الدماء، وتعجُّ منه المواريث، الي الله اشكو من معشر يعيشون جهّالاً ويموتون ضلاّلاً».
وقال عليه السلام: «أو ليس عجباً ان معاوية يدعو الجفات الطغام الي غير معونة ولا عطاء فيتبعونه، وانا ادعوكم الي المعونة وطائفة من العطاء وانتم تريكة الاسلام وبقية الناس فتختلفون علي وتتفرقون عنّي».
ـ من البديهيات في علم اصول الفقه منذ مئات السنوات، بحيث يرسله الاصوليون ارسال المسلّمات كأنّه غير قابل للنقاش، هو «أن العقل ينحصر دوره وشأنه بالإدراك فحسب، ولا شأن له بالحكم أبداً، وانّ نسبة الحكم إليه في جميع الموارد، كما في قولهم: «كلما حكم به العقل» فهو تعبير مسامحي مجازي» راجع «مفاتيح الاصول» للسيد محمد المجاهد الطباطبائي، استاذ الشيخ الانصاري (الشيخ الأعظم) قبل أكثر من مئتي عام (متوفى 1242هـ) والنائيني في اجود التقريرات/ ج2/ ص172» والخوئي في مصباح الاصول/ ج2/ ص26» والتبريزي في المسائل/ ج4/ ص71.
ـ يقول علماء النفس: «اشهر آفات العقل «آفة الإرساء» وحاصلها: إن العقل لا يبحث عن المعلومة في فراغ وانه لا يكاد يتوقّف عند عتبة الادراك، بل يذهب بعيداً جدّاً وبمراحل عديدة.
ـ بمجرد تلقي العقل وإدراكه لشيء فانه يبدأ باستخدام واستجلاب أية معلومة متاحة (آنياً) وفي لحظة تكون الادراك، فيستخدمها كنقطة مرجعية «مرساة» ثم يبدأ بالتوليف والتكيف.
ـ جنباً الي جنب هذه الآفة الكبرى هناك آفة بنفس الحجم وهي آفة «فريسة الارساء» وهي ترتبط بالناس الذين يقصون فريسة لاستدلالات «الارساء» وصحية باستجابتهم لها.
ـ المصيبة الكبرى في المقام، أن الطائفتين (الجاني والمجني عليه) اي: الذين يقعون في «آفة الارساء والذين يقعون فريسة لها باستجابتهم» لا ينحصرون في الناس ضعاف العقول والسُّذج وخفيفي العقل، بل ان عباقرة البشر يصرّون دائماً في الوقوع في هذا الفخ الهالك المهلك، يتصورون أن «العبقرية» تؤهلهم للخوض والارتجال في كل الوديان.
ـ جميعنا مستعدون (بلا حدود) لكي نكون ضحايا «المِرساة» سواء بالتكوين ام الاستجابة، وأعظم استعدادات البشر في الحياة، هي استعدادهم للسقوط في فخ «المرساة».
ـ اكثر كلمة (في القاموس) يتم انتهاكها واضطهادها واستغلالها وظلمها وقهرها، وتُدّعى جزافاً واكثر جناية ترتكب في الحياة واكثر عمل يقوم به الانسان في الحياة هو تجاوز عتبة الإدراك.
ـ «الإدراك» هو: «اعادة تكوين معطيات حِسّية يوفرها العالم الخارجي» فالإنسان بعدما يدرك العالم الذي من حوله (بشكل لا ارادي) يقوم باستنباط العالم (بشكل إرادي وبإجهاد) فيتحول «الادراك» الي عملية خلاّقة (بلا حدود) اي: ان «الادراك» يسعى دائماً الي احراز «ماوراء الادراك» وهو: «اكتشاف كيفية التكوين في الامور التي تم إدراكها».
ـ حتى الاشياء التي يدركها الانسان، كـ«رموز خفية غامضة» فمن الصعب عليه أن يتوقف عندها دون أن ينتهكها أو يتجاوزها، فيزيد في حِدّتها وغموضها وخفائها بهذا التصرف.
ـ حتى الامور غير المفهومة عقلاً والتي يستحيل أن يجد لها تفسيراً، يحاول الانسان أن يختلق لها صورة أو يجد لها تفسيراً، فلا يستطيع مجانبة القياس حتى في «ذات الله تعالى» من كل الجهات، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تفكّر في ذات الله تزندق» فلا يرتاح الانسان حتى يعبث بكل شيء يجهله حتى يضفي له صورة من خلال حشوه المحزون.
ـ يتجاوز الانسان عتبة الادراك الحسّي الي خمس مراحل، وهي:
1. تقييم المعطيات؛
2. اختفاء الصورة؛
3. توليف المعطيات المدركة مع معطيات اُخرى محزونة أو مع قواعد محزونة سابقاً؛
4. تحفيز النفس؛
5. تنشيط العضلات والحركة الجسمية.
ـ حكايات ايسوب: أعلن (كبير الآلهة لدى الرومان) انه ينوي اختيار ملك للطيور، وحدّد يوماً تمثُلُ فيه جميع الطيور أمام عرشه، ليختار أجملها، ويجعله ملكاً عليها، أرادت الطيور جميعها أن تبدو في ذلك اليوم على أحسن صورة، فاتت صُفّة جدولٍ تغتسل فيه وتنظّفُ ريشها وتتزين، وكان الغراب بينها، وقد ايقن ان فرصة اختياره ضعيفة للغاية كما هو بريشه الاسود، وانتظر حتى انصرف الجميع، وشرع يلتقط اجمل ما سقط منها من ريش ويلصقه بجسمه، حتى بدا أزهاها جميعها، وحينما جاء اليوم الموعود، اجتمعت الطيور عند كبير الآلهة، فبعد أن استعرضها كاد أن يختار الغراب ملكاً، غير أنّ الطيور اجتمعت على المرشح ونزعت عنه ريشه المستعار فارتدّ غراباً كما كان.
ـ الخاتمة: في الدعاء المشهور للامام الحسين عليه السلام ليوم عرفة، هذه الفقرة الفريدة: «الهي انا الجاهل في علمي فكيف لا اكون جهولاً في جهلي»، التصديق الحقيقي من الانسان كفيل بصيانة تامة له من الانزلاقات اليومية في الهاوية اللامحدودة، والتي بإمكانها تحريف المبادي والقيم و(الحكومة والورود) على جميع مكارم الأخلاق وكافة المنظورات الفكرية.
اضف تعليق