المُنشغلُونَ بالتَّاريخِ المُتجاهلُونَ حاضرهُم ومُستقبلهُم. وهُم الذينَ تركُوا عقُولهُم في كهُوفِ الماضي وعاشُوا الحاضر بأَجسامهِم فقط، المُنشغلُونَ بحاضرهِم ومُستقبلهِم المُتجاهلُونَ للتَّاريخِ. وهُم الذينَ يُنكِرونَ تداعِيات الماضي على حاضرهِم، جهلاً أَو مُكابرةً، لا فرقُ فالنَّتيجةُ واحدةٌ. المُستذكرُونَ التَّاريخ المُنشغلُونَ بحاضرهِم ومُستقبلهِم. وهُم الذين عرِفُوا أَهميَّة الماضي من دُونِ الإِنصهارِ بهِ...
(قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى)
في ذكرى إِستشهادِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في محرابِ صلاةِ الفجرِ في مسجدِ الكوفة [(١٩-٢١) رمضان المُبارك عام ٤٠ للهجرةِ] إِرتأَيتُ أَن أَطرحَ السُّؤَال التَّالي؛ كيفَ نقرأُ التَّاريخ؟! وما عِلاقتُنا بهِ؟! وبماذا ينفعُنا وكيفَ يُمكِنُ أَن يضرَّنا؟!.
هذهِ الأَسئلةُ بسيطةٌ وسهلةٌ جداً بمنطوقِها إِلَّا أَنَّها من أَعقدِ الأَسئلةِ التي اختلفَ عليها النَّاسُ، وتحدِيداً نحنُ المُسلمُونَ، لِما تحملُ في طيَّاتها من عُقدٍ وخِلافاتٍ وقنابِلَ مُتفجِّرةٍ جرَّت على الأُمَّةِ حرُوباً وصِراعات سالت بسببِها الدِّماءُ أَنهاراً إِمتدَّت لحدِّ الآنَ أَكثر من [١٤] قرنٍ وما زالت إِذ لم نرَ لحدِّ الآنَ نوراً في نِهايةِ النَّفقِ.
والمُرعِبُ المُخيفُ في الأَمرِ هو غَياب مَن يُمكنهُ أَن يضعَ حدّاً لهذهِ الحرُوبِ ولسببٍ بسيطٍ جدّاً أَلا وهوَ؛ أَنَّ الذين يعتاشُونَ ويُتاجِرونَ بإِشعالِ هذا النَّوعِ من الحرُوبِ [العبثيَّة] أَقوى بكثيرٍ من الذين يُحاوِلُونَ إطفاءَها وعلى كُلِّ المُستوياتِ، وما يُساعِدُ التجَّارَ هُم الهمجُ الرُّعاع وهُم أَغلبيَّةُ الأُمَّة.
والنَّاسُ بإِزاءِ الجوابِ على هذهِ الأَسئلةِ على ثلاثةِ أَنواعٍ؛
أ/ المُنشغلُونَ بالتَّاريخِ المُتجاهلُونَ حاضرهُم ومُستقبلهُم.
وهُم الذينَ تركُوا عقُولهُم في كهُوفِ الماضي وعاشُوا الحاضر بأَجسامهِم فقط! (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ).
ب/ المُنشغلُونَ بحاضرهِم ومُستقبلهِم المُتجاهلُونَ للتَّاريخِ.
وهُم الذينَ يُنكِرونَ تداعِيات الماضي على حاضرهِم، جهلاً أَو مُكابرةً، لا فرقُ فالنَّتيجةُ واحدةٌ.
ج/ المُستذكرُونَ التَّاريخ المُنشغلُونَ بحاضرهِم ومُستقبلهِم.
وهُم الذين عرِفُوا أَهميَّة الماضي من دُونِ الإِنصهارِ بهِ.
ولكُلِّ واحدٍ من هؤُلاء فلسفتهُ وأَدلَّتهُ ومُنطلقاتهُ وفِهمهُ.
لا أُريدُ هُنا أَن أُناقشَ كُلَّ واحدٍ منهُم بما يذهبُ إِليهِ، فالنِّقاشُ هُنا، وبكُلِّ صراحةٍ ووضُوحٍ، عقيمٌ لا يُنتِجُ شيئاً جديداً فلَو كانَ ينفعُ لظهرَت آثارهُ الإِيجابيَّة في القرُونِ الـ [١٤] التي مضَت! إِلَّا أَنَّني أَعتقدُ بما يلي؛
١/ نحنُ لم نصنَع التَّاريخ ولسنا جُزءاً منهُ، ولذلكَ لا ينبغي أَن نتحمَّل مسؤُوليَّتهُ كما لا ينبغي لنا أَن نسعى لتغييرهِ لأَنَّ التَّاريخَ فِعلٌ ماضٍ.
كذلكَ لا ينبغي أَن ننشغِلَ بإِصدارِ الأَحكامِ على التَّاريخِ بظرُوفِ الحاضرِ ومقاساتهِ (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى* قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) فهذا الجَوابُ كانَ يردُّ بهِ الرُّسُل والأَنبياء كُلَّما واجهُوا سُؤَالَ أَقوامهِم عن الماضي.
نعم نحنُ اليَوم نصنعُ تاريخاً ولذلكَ فنحنُ مسؤُولونَ عمَّا نفعلهُ اليَوم وما نُنجِزهُ بحسناتهِ وسيِّئاتهِ.
٢/ نحنُ نفهم الحَياة بالتَّاريخ، هذا صحيحٌ جدّاً، لكنَّنا نعيشُها بالحاضرِ والمُستقبلِ.
ومن أَجلِ فهمِ التَّاريخ كدرُوسٍ وعِبرٍ يوصي أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) ولدهُ الحسن السِّبط المُجتبى (ع) بقولهِ (واعْرِضْ عَلَيْه أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ وسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وعَمَّا انْتَقَلُوا وأَيْنَ حَلُّوا ونَزَلُوا).
واجِبُنا إِذن أَن نتعلَّمَ في مدرسةِ التَّاريخ ولا نُقيمُ فيها، فالإِقامةُ فيها تُضيِّعُ علينا حاضِرنا ومُستقبلِنا، وبالتَّالي سيضيعُ علينا الماضي والحاضِر والمُستقبل، وهو حالُنا اليَوم!.
أَمَّا القرآن الكريم فيقولُ بنفسِ المعنى والمنهجيَّة (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ).
فالتَّاريخُ أَمثالٌ فحَسب! والعاقِلُ هو الذي يتجنَّبُ تِكرارَ أَسوأِها وأَتعسِها!.
٣/ الحاضرُ الحسَن يصنعُ مُستقبلاً حسناً والعكسُ هو الصَّحيحُ فالحاضرُ الرَّدئُ والسيِّء يصنعُ لنا مُستقبلاً رديئاً، ولهذا المعنى أَشارَ حديثِ رسُولِ الله (ص) بقَولهِ (جاهِدوا تُورِثُوا أَبناءكُم عِزّاً) ولذلكَ فإِنَّ الذينَ يحملُونَ همَّ المُستقبل ليضمِنُونَ أَحسنهُ للجيلِ الجديدِ، عليهِم أَن يحملُوا همَّ حاضرهِم ليصنعُوا منهُ قاعدةً حسنةً لمُستقبلِ أَجيالهِم، فكيفَ يريدُ الأَب مثلاً أَن يضمِنَ مُستقبلاً زاهِراً لأَولادهِ إِذا كانُوا يعيشُونَ حاضِراً تعيساً؟!.
وفي أَروعِ نصيحةٍ لأَميرِ المُؤمنينَ (ع) بذلكَ قَولهُ (يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّه إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اللَّه فِيه بِرِزْقِكَ).
وقَولهُ (ع) (يَا ابْنَ آدَمَ الرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ فَلَا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ، كَفَاكَ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى مَا فِيه فَإِنْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وإِنْ لَمْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِيمَا لَيْسَ لَكَ ولَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ ولَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْه غَالِبٌ ولَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ).
التبعيض في قراءة التاريخ
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
إِذا اعتبرنا أَنَّ التَّاريخَ كتابٌ، وهوَ كذلكَ، فستنطبقُ عليهِ الآية الكريمة التي صدَّرنا بها المَقال، ولكن كيفَ ذلكَ؟!.
إِنَّ الذينَ يؤمنُونَ ببعضِ التَّاريخ ويكفرُونَ ببعضٍ هُم كالذينَ يؤمنُونَ ببعضِ الكتابِ ويكفرُونَ ببعضٍ والذين حدَّثنا القُرآن الكريم عن سببِ ومظاهرِ هذا التَّبعيضِ بقَولهِ (ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ) وهؤلاء هُم المُغرضُونَ الذينَ يسعَونَ دائماً لليِّ عنُقِ الحقائقِ التاريخيَّةِ فيأخذُوا منها ما يُعضِّد مناهجهُم ويخدِم وسائلهُم ويُشرعِن طريقتهُم ويغضُّوا الطَّرفَ عن كُلِّ ما لا يخدِم مصالحهُم ولا يسنِد أَهدافهُم.
وإِذا اضطرُّوا لحاجةٍ في نفُوسهِم فهُم مُستعدُّونَ لتزويرهِ وتحريفهِ وتبديلهِ أَو على الأَقلٍ لتغييرِ فحواهُ وتبديلِ تفسيرهِ ليأتي على مقاساتهِم، وهؤلاء هُم (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أَو (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ).
إِنَّ التَّاريخَ وحدةٌ واحِدةٌ خاصَّةً إِذا تتعلَّقَ بمقطعٍ زمنيٍّ مُحدَّدٍ فإِمَّا أَن نأخذَ بها كلِّها أَو لا نأخُذَ منها شيئاً، أَمَّا الذينَ يقطِّعونَ أَوصالهُ ويقسِّمونَ وحدتهُ وانسجامهُ فهؤُلاء كمَن يُؤمِنُ ببعضِ الكتابِ ويكفرُ ببعضٍ سيَّان.
إِنَّهم يخدعُونَ أَنفُسهُم!.
ولتوضيحِ الفكرةِ نسُوقُ تاريخ الفترة الزَّمنيَّة التي جمعَت حياةَ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) وولداهُ الحسنانِ (ع) ككِتابٍ واحدٍ، فلماذا نأخُذَ بخلافةِ الإِمام (ع) ونتغاضى عن تركِ الحسنِ السِّبطِ (ع) لها؟! لماذا نأخذَ بعاشُوراء الحُسين (ع) ولا نعيرُ لصُلحِ الحسنِ (ع) أَهميَّةً؟!.
لماذا نُحاولُ إِستيعابَ صبرَ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) على تركهِ الخلافة ولا نسعى لفهمِ المَوضُوعِ كأَمرٍ واقعٍ بعيداً عن المثاليَّاتِ أَو التَّفاسيرِ الغيبيَّةِ؟! إِذا كُنَّا نسعى للإِستفادةِ من التَّاريخِ كحلُولٍ [شرعيَّةٍ] لتحدِّياتِ الحاضِرِ؟!.
إِنَّ التَّعامل الإِنتقائي معَ وِحدة التَّاريخ يُضيِّع علينا الكثير ممَّا يُمكنُ أَن يخدمَنا ونحنُ نُواجه تحدِّيات العصر، ولا يتحقَّق فهمَنا لوحدةِ التَّاريخ إِلَّا إِذا تجرَّدنا من العصبيَّة والمِثاليَّة والإِنتقائيَّة!.
لنأخذً مثلاً على ذلكَ من يدَّعي أَنَّهُ يسيرُ على نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) في الحُكمِ والسُّلطةِ.
أَوَّلاً؛ فإِنَّ الإِمام (ع) منهجٌ مُتكامِلٌ لا يجوزُ تقطيعَ أَوصالهِ لخدمةِ أَغراضٍ مشبوهةٍ يتمُّ تغليفها بهويَّةٍ مُقدَّسةٍ.
إِنَّهُ منهجٌ في العلمِ والإِدارةِ والسِّياسةِ والإِقتصادِ والحربِ والسِّلمِ والحقُوقِ والقضاءِ والنَّزاهةِ والأَخلاقِ والدِّينِ والبناءِ والإِعمارِ والعدالةِ والمُواطنةِ الصَّالحةِ وفي كُلِّ شيءٍ، فما الذي أَخذهُ من كُلِّ هذا هؤُلاء المُدَّعونَ؟! أَرُونا نموذجاً لنصدِّقكُم!.
إِنَّ عليّاً (ع) هوَ هوَ لم يتغيَّر يومَ أَن كانَ في السُّلطةِ أَو خارجَها، في السِّلمِ وفي الحربِ، جالساً في دكَّةِ القضاءِ أَو في بيتِ المالِ، فمعيارهُ لم يتغيَّر، العدلُ أَوَّلاً وأَخيراً (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) قائلاً (فَلأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ) وقولهُ (ع) (لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ ولَا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ، الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَه والْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ) ودونَ ذلكَ لا يُعادِلُ عندهُ شروى نقيرٍ أَو عفطةَ عنزٍ أَو (أَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا) على حدِّ وصفهِ.
فأَينَ المُدَّعُونَ من كُلِّ هذا أَو بعضهِ؟! سُوقوا لنا نموذجاً واحداً لنُصدِّقكُم! أَو أَنَّكُم كما يصفهُم أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ ولَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ!) وهذا ليس من نهجِ الإِمامِ في شيءٍ أَبداً.
تأسيساً على ذلكَ فإِنَّ مَن يدَّعي التزامهِ بنهجهِ (ع) في السُّلطةِ يلزم أَن لا تغيِّرهُ سُلطةٌ أَو مالٌ أَو جاهٌ، فإِذا تلوَّنَ كالحرباءِ حسبِ المصالحِ الأَنانيَّةِ الضيِّقةِ ضارِباً القِيم والثَّوابت عَرض الحائطِ فهوَ ليسَ علويّاً أَبداً إِنَّما هوَ أَمويٌّ في نهجهِ وسلوكهِ وإِن تزيَّ بزيِّ الإِمامِ و [عِمامتهِ] فالزيُّ لا يُعبِّرُ عن المُحتوى أَبداً وهوَ ما أَشارَ إِليهِ (ع) بقَولهِ (تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ) وفي قَولٍ (وليسَ تحتَ طَيلسانِهِ) أَي زيِّهِ! فالزيُّ مظهرٌ مُخادِعٌ ما لم يثبُت العكس، ولذلك قالَ رسُولُ الله (ص) (الدِّينُ المُعامَلة) لأَنَّ حقائِق الدِّين تظهر في المُعاملاتِ وليسَ في أَيِّ شيءٍ آخر!.
ولهذا السَّبب حذَّر أَميرُ المُؤمنينَ (ع) من المُخادعينَ الذين سيعتمُّونَ بعمامتهِ للمُتاجرةِ بإِسمهِ ولإِمامتهِ قائلاً (أَلَا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوه ولَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ).
وما أَكثرهُم اليَوم وفي كُلِّ يَومٍ! فلنحذَر!.
اضف تعليق