علينا ان نضع لكل فقرة وقتها ونمنح لكل جانب قيمته ووقته، فشهر رمضان وضعنا على الدرجة الأولى من سلم الاستثمار الحقيقي للوقت وعدم التفريط فيه، ويتحتم علينا عدم تأجيل الشروع او تفويت فرصة الصعود نحو القمة ونكون بذلك حظينا بفائدة عبادية ودنيوية...
يحصل ان صديق يؤخر المجموعة في أي دعوة او مشوار خارجي، حتى يكون هذا الطبع ميزة ملاصقة لهذا الفرد دون الآخرين، لكن هنالك مفارقة عجيبة وهي ان هذا الشخص، عند حلول شهر رمضان يصبح من النوع الملتزم بالتوقيتات الرمضانية من حيث تناول الوجبات حسب المواعيد الإلهية والصلاة والعبادات.
واحدة من فلسفات الشهر الفضيل هي التربية الروحية للفرد الصائم، فتحديد المواعيد بهذه الصورة هي جرعة إضافية من جرع الانضباط الذاتي للفرد، فالصائم عليه ان يلتزم التزاما تاما بجميع التعليمات الخاصة بشهر رمضان المبارك، فليس بالإمكان تجاوز احداها او التغافل عن بعضها.
في شهر رمضان لا يحق للفرد ان يتناول لقمة واحدة بعد الموعد المحدد لصلاة الفجر، وكذلك يمنع الاشخاص من الرفث الى النساء بعد هذا التوقيت، وفي وقت قد يكون الشخص من النوع المتمرد على جميع القواعد الحياتية في باقي شهور السنة، وربما يواجه صعوبة في الأيام الأولى من الشهر، لكنه ومع مرور الوقت يتعاد على نظام في المأكل والمشرب والمنام والاستيقاظ.
كسر هذا الروتين المعتاد هو بحد ذاته تربية ذاتية تمكن الفرد من الانتقال الى وضع نفسي أكثر استقرار، فكثيرا ما يكون الفرد فوضويا خلال الــ335 يوم ما عدى أيام شهر رمضان من السنة، يأكل متى يشاء، ويشرب حين شعوره بالعطش، وحتى توقيتات صلاته يشملها الوضع غير المنتظم.
كل هذه الظواهر او السلوكيات تختفي بمجرد حلول الشهر الفضيل، فالصوم بهذه الحالة هو خير للفرد لاكتسابه صفة جديدة وهي الالتزام بالمواعيد وعدم تجاوز حدود الله التي وضعها لعباده وامرهم بعدم تعديها.
ولذلك يقول الله جل وعلى في محكم كتابه "وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"[البقرة: 183-185]، أي الخير في تحسين السلوك وتهذيب النفس وكبح جماحها في الابتعاد عن الملذات التي عادة ما تكون متناثرة في ارجاء المنزل وفي أي مكان يذهب فيه الفرد، لذا يأتي من فوائد الصوم الملموسة على المدى القريب هي التدريب على الامتناع والاجبار واتباع نمط حياتي جديد.
على الفرد الصائم ان يدرك ان الوقت من أثمن الأشياء بالنسبة للإنسان، ولهذا يتوجب عليه ان يراعي التوقيتات وتوزيع الوق فيما بين العبادات والالتزامات الاجتماعية، ولا وجد أي صعوبات في تلك الموازنة، فيما بين هذه وتلك.
إدراك أهمية الوقت من خلال الالتزام في شهر رمضان هو الخطوة المهمة والمرحلة الأولى من مراحل الانسجام والتكييف مع الوضع الجديد الذي فرضه علينا شهر رمضان، وكثيرا ما يستمر الافراد بنفس الطريقة وحرصهم على مواصلة الطريق وصولا الى جعله نمط حياة جديد.
فلا سبيل للوصول الى تحديد النمط الجديد للحياة سوى التنظيم والالتزام، وهنا تكمن النقطة الجوهرية التي أود التأكيد عليها، وهي ان شهر رمضان يمزج بين الطاعة والعمل والسيطرة على الامرين يعني ضرورة تجنب الفوضى لان الفوضى تعني عدم الإنجاز وضياع للجهد والوقت.
وبعد ما تقدم نود التأكيد على أهمية ان سير الحياة وفق مخطط واضح وتوقيت زمني يجعلها أكثر سهولة وبعيدة عن التعقيدات التي توهم الفرد بصعوبة تخطيها. وفي أحيان كثيرة يحول الفرد الى شخص غير منتج او قليل الإنتاجية ليس لسبب، فقط لأنه لا يُجيد فن إدارة الوقت والالتزام فيه.
ومن هنا علينا ان نضع لكل فقرة وقتها ونمنح لكل جانب قيمته ووقته، فشهر رمضان وضعنا على الدرجة الأولى من سلم الاستثمار الحقيقي للوقت وعدم التفريط فيه، ويتحتم علينا عدم تأجيل الشروع او تفويت فرصة الصعود نحو القمة ونكون بذلك حظينا بفائدة عبادية ودنيوية.
اضف تعليق