على كُلِّ صائمٍ يُريدُ أَن يبني التَّقوى في شخصيَّتهِ بالمعنى الأَدق والأَعمق والأَشمل تحسين الأَداء من خلالِ توظيفِ الموسِمِ العبادي والرُّوحي أَن لا يُتابع أَيَّة أَعمال فنيَّة في هذا الشَّهرِ الفضيل، وليتابعَها فيما بعدُ فقد يكونُ تعرَّفَ على حقيقةِ الأَعمالِ والمفيدِ منها وميَّزَ بينَ الغثِّ والسَّمين، فيُتابع ما...
كُلُّ المطلوبِ من شهرِ الله الفضيل رَمضان المُبارك [صِيامهُ وقِيامهُ وتلاوةُ القُرآن الكريم والتدبُّر في آياتهِ والعِبادات والدَّعوات وليالي القَدر] شيءٌ واحدٌ فقط لا غَير أَلا وهوَ أَن نحصدَ [التَّقوى] [الخَشية والخَوف] فيهِ ومُنهِ إِلى القابلِ، فالشَّهرُ الفضيلُ فُرصةٌ سنويَّةٌ عظيمةٌ لترويضِ النَّفسِ بالتَّقوى كما يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) (وإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ وتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ) فهيَ أَفضلُ زادٍ كما يقُولُ (ع) (لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى) وأَفضلها التي أَشارَ إِليها (ع) بقَولهِ (حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ).
فالمُوظَّف في الدَّولةِ يخشى أَن يمُدَّ يدهُ على المالِ العامِّ المُؤتَمنُ عليهِ ويخافُ سرِقة الوَقت الذي يجِبُ أَن يقضيهِ في الدَّوامِ الرَّسمي في خدمةِ المُواطن.
والأَبُ يخشى أَن يظلمَ الأُم ويخافُ الإِنتقاصَ من كرامةِ الأَولادِ أَو لا يتعاملَ معهُم بعدلٍ أَو يُقصِّرَ في حنانٍ أَو عاطفةٍ.
والمُعلِّمُ يخشى التَّساهلَ في إِيصالِ المادَّةِ العلميَّةِ للطلَّابِ ويخافُ التَّسويفَ في الدُّروسِ وتضييعِ الوقتِ على الطلَّابِ.
والعالِمُ والفقيهُ وطالِبُ العلمِ المُعمَّم والخطيبُ الحُسيني أَو خطيبُ الجُمُعةِ يخشى الله تعالى في القِيمِ والمبادئِ والعقائدِ والنُّموذجِ التي ائتمنهُ عليها النَّاسُ ويخافُ العبثَ بها بالتَّضليلِ والتهتُّكِ والدَّجلِ والإِفتراءاتِ وبالتَّدقيقِ في الرِّواياتِ قبلَ ذكرِها.
وهكذا بالنِّسبةِ لكُلِّ فردٍ من أَفرادِ المُجتمعِ.
والتَّقوى على نَوعَينِ؛ فرديَّةٌ [شخصيَّةٌ] وجماعيَّةٌ [مُجتمعيَّةٌ] تجمعُها مكارِمُ الأَخلاقِ التي عدَّدها أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ (لَا شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الإِسْلَامِ ولَا عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى ولَا مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ الْوَرَعِ ولَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ ولَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ ولَا مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَى بِالْقُوتِ، ومَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ وتَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ، والرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ النَّصَبِ ومَطِيَّةُ التَّعَبِ، والْحِرْصُ والْكِبْرُ والْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ، والشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ الْعُيُوبِ).
ولذلكَ فإِنَّ المُشرِّع حرصَ على أَن يحمي الصَّائم وقتهُ في الشَّهرِ الفضيلِ فلا يُضيِّع شيئاً منهُ ولا يقضي ساعاتهِ بالعبثِ ليكونَ بالفعلِ مَوسمٌ لتَطهيرِ الذَّاتِ وإِعادةِ بناءِ الشخصيَّةِ وتحسينِ الأَداءِ على كُلِّ المُستوياتِ.
وإِنَّما قالَ رسولُ الله (ص) (ونَومُكُم فيهِ عِبادَةٌ) لحمايةِ الصَّائم من التَّضييعِ واللَّهوِ والعبثِ، فالوقتُ الذي يمرُّ على الصَّائم إِذا لم يُساعدهُ على إِصلاحِ خللٍ في سلوكهِ أَو إِضافةِ خُلُقٍ حسنٍ، فالنَّومُ لهُ أَفضل على الأَقل من أَجلِ أَن يحمي نفسهُ من المزيدِ من الخطأِ والخطَلِ والخللِ.
ولتحقيقِ كُلِّ ذلكَ تلزَمنا المُعادلة التَّالية؛
أَن نتجنَّبَ مجالس البطَّالين والإِبتعادِ عن كُلِّ ما لم يُحقِّق قاعِدة (قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحى وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي) كما وردَ في دعاءِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) والمعرُوف بدُعاءِ كُميل.
وإِذا تساءلنا الآن؛ هل أَنَّ شهرَ الله الفضيل هوَ بالفعل شهرُ [التَّقوى] وشهرَ تحسين الأَداء وشهرَ توظيف المَوسم الرُّوحي والعِبادي لإِعادةِ بناءِ الشخصيَّة [الذَّات]؟!.
للأَسفِ الشَّديد فإِنَّ الإِجابةَ اليَوم تأتي بالنَّفي، فالشَّهرُ الفضيل هوَ شهرُ المُسلسلات التلفزيونيَّة ومَوسم الأَعمال الدِّراميَّة، فالوقتُ الذي يقضِيه الصَّائم مُتسمِّراً أَمامَ شاشاتِ القنواتِ الفضائيَّةِ وهوَ يُتابعُ ما تُنتجهُ الشَّرِكات أَكثرُ بكثيرٍ من الوَقت الذي يقضِيه وهوَ يفكِّرُ ويتأَمَّلُ، يفكِّرُ بحثاً عن خُلُقٍ سيِّءٍ لإِصلاحهِ أَو بحثاً عن طريقةٍ ليكسِبَ بها خُلُقٍ حَسنٍ يضيفَهُ إِلى سلوكيَّاتهِ أَو بحثاً عن علاقاتٍ مع الآخرينَ سلبيَّةً فيُصلحها أَو إِيجابيَّةٍ فيكرِّسها ويوظِّفها لأَعمالِ الخَيرِ في خدمةِ عبادِ الله.
والذي يُتابعُ هذهِ الأَعمال الدِّراميَّة بدقَّةٍ ويقرأ سيناريوهاتَها بنباهةٍ وذكاءٍ فسيجِد أَنَّ [رسالتها] وهدفها هو غسلِ دماغ المُتلقِّي بكُلِّ ما هوَ سيِّءٌ وسلبيٌّ ومُدمِّرٌ وخطيرٌ، فهيَ تُحرِّض وتُشجِّع وتدعو إِلى؛
- التحلُّل الخلُقي على كُلِّ المُستوياتِ فلم تجِد عملاً فنيّاً يخلو من اللَّقَطات التي تسوِّق الشُّذُوذ الجِنسي، وإِشاعة العِلاقات الجنسيَّة المُحرَّمة والخِيانات الزَّوجيَّة والعبوديَّة للمالِ والجنسِ والسُّلطةِ.
- قلبُ المفاهِيم والقِيَم فزعيمُ عِصابة المُخدَّرات بطلٌ قوميٌّ لأَنَّهُ يتحايَل على قوانين الدَّولة، واللُّصُ والحرامي والفاسِد والقاتِل والمُتآمِر نماذِجَ تُحتذى بها في المُجتمعِ لأَنَّهُم أَذكياء يعرفُونَ كيفَ يفلتُونَ من العقابِ.
- تكريسُ التَّفاهة والسَّطحيَّة وخِفَّة العقل وتغييبِ المنطقِ وتزويرِ الحقائقِ والتَّاريخ وتضييعِ الوقتِ بسيناريوهاتٍ تافهةٍ ليسَ فيها قصَّة وليسَ لها مَعنى وليس لها قِيمة علميَّة أَو تحليليَّة وهي خاليةٌ من رسالةٍ إِنسانيَّةٍ تعتمِدُ بالأَساسِ على الخيالِ لنقلِ المُتلقِّي إِلى عالمٍ بعيدٍ عن واقعهِ لتخديرهِ ومُصادرةِ عقلهِ وإِرادتهِ.
تأسيساً على ذلكَ، فأَنا أَقترحُ على كُلِّ صائمٍ يُريدُ أَن يبني [التَّقوى] في شخصيَّتهِ بالمعنى الأَدق والأَعمق والأَشمل [تحسين الأَداء] من خلالِ توظيفِ الموسِمِ العبادي والرُّوحي أَن لا يُتابع أَيَّة أَعمال [فنيَّة] في هذا الشَّهرِ الفضيل، وليتابعَها فيما بعدُ فقد يكونُ تعرَّفَ على حقيقةِ الأَعمالِ والمفيدِ منها وميَّزَ بينَ الغثِّ والسَّمين، فيُتابع ما هوَ مُفيدٌ إِذا عثرَ عليهِ ويرمي الباقي في سلَّةِ المُهملات، فقد يحجزكَ هذا القَرار عن (تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ) كما يقولُ أَمِيرُ المُومنِينَ (ع).
حرامٌ على الصَّائمِ أَن يُضيِّعَ (شهرٌ هوَ عندَ الله أَفضل الشُّهور وأَيَّامهُ أَفضل الأَيَّام ولياليهِ أَفضل اللَّيالي وساعاتهِ أَفضل السَّاعات، هوَ شهرٌ دُعيتُم فيهِ إِلى ضيافةِ الله وجُعلتُم فيهِ من أَهلِ كرامةِ الله، أَنفاسكُم فيهِ تسبيحٌ ونومكُم فيهِ عِبادةٌ وعملكُم فيهِ مقبولٌ ودعاءكُم فيهِ مُستجابٌ) كما وصفهُ رسولُ الله (ص) في خطبتهِ وهو يستقبِلُ الشَّهر الفضيل، أَن يُضيِّعهُ الصَّائم بمتابعةِ أَعمالٍ [فنيَّةٍ] تافِهةٍ!.
وإِذا لم تستطع مواجَهة تحدِّي النَّفس الأَمَّارة بالسُّوءِ وتحدِّي الرَّأي العام الذي يخلُقُ جوّاً عامّاً قد يُجبِرُ أَيَّ أَحدٍ على المُتابعة من خلالِ انشغالِ السَّاحةِ بالحديثِ عن المُسلسلاتِ فقط طِوال الشَّهر الفضيل، فلتخلُد إِلى النَّوم ليكونَ نومُكَ عبادةً لا ترتكب فيها جُرمَ أَو ذنبَ اللَّهُو.
وذلكَ أَضعفُ [الصِّيام]!.
اضف تعليق