ليسَ بالضَّرورةِ أَن يكونَ قرارَ الإِنسحابِ من مجموعةٍ ما سببٌ للخصامِ والعداوةِ أَبداً، إِذ يلزم أَن ينتبهَ الكُل بأَنَّ قرار الإِستمرار أَو الإِنسحاب هوَ قرارٌ شخصيٌّ يتصرَّف بهِ المرءُ بحريَّةٍ تامَّةٍ لا ينبغي على أَحدٍ إِجبارهُ على اتِّخاذهِ أَو فهمهِ خطأً، فهوَ من الخصُوصيَّة الصِّرفة...
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}.
عندما تكونَ في مجموعةٍ ما [حقيقيَّةٍ أَو إِفتراضيَّةٍ] لا فَرق، يلزم أَن يكونَ قرارَ استمرارِ وجودِكَ أَو إِنسحابِكَ منها وتركِها بيدِكَ، أَنتَ تتَّخذهُ ولا يُمليهِ عليكَ أَحدٌ، وهو قرارٌ يعتمدُ على نوعِ الحديثِ ومادَّةِ الحِوار والنِّقاش الواردِ فيها، فإِذا رأَيتهُ مُفيداً ونافِعاً يصبُّ في صُلبِ اهتماماتِكَ الفكريَّة والثقافيَّة وحتَّى السياسيَّة فتستَمرَّ بالحضُورِ حتَّى إِذا كانت الآراء تختلفَ معكَ في الجزئيَّاتِ والتَّفاصيلِ فالأَصلُ هو نَوع الجِدال وليسَ في تفاصيلهِ فالإِختلافُ وتعدُّد الآراء هُنا نافِعٌ يُزيدُ من المعرفةِ ويوسِّعُ من آفاق الرُّؤية إِذا كان يجري في أَجواءٍ صحيَّةٍ.
أَمَّا إِذا رأَيتَ أَن الحديثَ لا ينفعُ وأَنَّ الحوارَ بيزنطيّاً وسفسطاويّاً لا يصلُ إِلى نِهاياتٍ واضحةٍ ومحدَّدةٍ أَو أَنَّهُ استدراجٌ خطيرٌ لغاياتٍ فاسدةٍ أَو أَنَّهُ يتجاوز على ثوابِتكَ ومتبنَّياتكَ العقديَّة والأَخلاقيَّة والتَّربويَّة وهوَ مِصداقٌ للآيةِ المُباركةِ أَعلاهُ [خَوضٌ معَ الخائضينَ] فينبغي عليكَ الإِنسحابَ منهُ وتركهِ لأَنَّهُ سيكونُ مضيَعةً للوقتِ تُحاسبُ عليهِ دينيّاً وأَخلاقيّاً والله تعالى يقُولُ {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
يلزم أَن نتسلَّحَ بالفلترةِ الذاتيَّةِ قبلَ فلترةِ [الزَّمانِ] فثمنها أَرخص!.
يقولُ تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وللتَّنبيهِ فإِنَّ احتمالِ فَسادِ المجمُوعة [الحقيقيَّة أَو الإِفتراضيَّة] ليسَ بالضَّرورة أَن تكُون عناصِرها مُتعدِّدة الإِتِّجاهاتِ والخلفيَّاتِ أَو حتَّى مُتناقضة لتشعُرَ بضررِها لتُغادرَها، أَبداً، فقَد تكونُ من طبيعةٍ وخلفيَّةٍ واحدةٍ ومُتشابِهةٍ في كُلِّ شيءٍ، إِلَّا أَنَّ فيها عناصِرَ فاسدِة قد تترُكَ أَثر فسادِها على بقيَّةِ المجمُوعةِ كما وصفَ ذلكَ الشَّاعِر؛
لا تربُطَ الجَرباءَ قُربَ صحيحةٍ---خَوفاً على تِلكَ الصَّحيحةِ تجرَبُ
تخيَّل أَنَّ القرآن الكريم ينوِّه إِلى أَنَّهُ قد تكُون عناصر المجمُوعة كلَّها من [المُؤمنينَ]! إِلَّا أَنَّك قد تتعرَّض فيها للبلاءِ والإِمتحانِ والإِختبارِ في العقيدةِ والفكرِ والثَّقافةِ أَو في الأَدواتِ والوسائلِ والأَساليبِ، ولذلكَ فالحذرُ واجبٌ على أَيَّةِ حالٍ.
يقولُ تعالى {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
هؤُلاء الذين {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وهذا هو أَعقد وأَخطر أَنواع البلاء لأَنَّك عادةً ما تسترخي بمثلِ هذا النَّوع من المجمُوعات وتطمئِنَّ لها وبها وتتَّكئ عليها أَكثر من غَيرها ولذلكَ فإِنَّ الخاصرةَ هُنا تكونُ ضعيفةٌ وأَنَّ الحلقةَ الضَّعيفة في السِّلسلةِ تكونُ أَضعف من غيرِها في مجموعاتٍ أُخرى تتنوَّع فيها الإِتِّجاهات والخلفيَّات والتي تكونُ فيها مُستنفَراً ذهنيَّاً خشيةَ أَن تُستغفلَ فتمرُّ عليكَ شاردةً أَو واردةً تُصيبُ عقلكَ وفكركَ وتفكيرَكَ.
وإِنَّما تكونُ المجمُوعة الحواريَّة مفيدةٌ فإِنَّ معيارَها أَحد إِثنَينِ أَو كِلاهُما؛ فإِمَّا أَنَّكَ تستفيدُ مِنها أَو أَنَّها تستفيدُ منكَ، أَمَّا إِذا كانت طبيعتَها لا تنفَع ولا تنتفِع أَو لا تُفيدُ ولا تَستفيدُ فما الدَّاعي للإِستمرارِ فيها؟!.
هذا على مُستوى المُحتوى، أَمَّا على مُستوى الطَّرح وأَساليبهِ فهيَ الأُخرى يلزَم أَن تتميَّز بمعاييرِ العقلانيَّة والإِحترام المُتبادَل وأَخلاقيَّات الحِوار، أَمَّا إِذا كان الأُسلُوب الشَّائع فيها هوَ التَّعييرِ والسبِّ والشَّتمِ والتُّهم والتَّسقيط والفضائحِ ونشرِ الغسيلِ القذرِ وإِشاعةِ الفاحِشةِ، فتلكَ إِذن مجموعةٌ فاسدةٌ لا ترقى إِلى أَن يحترِمَ فيها المرءُ عقلهُ ثُمَّ يستمرَّ فيها.
وليسَ بالضَّرورةِ أَن يكونَ قرارَ الإِنسحابِ من مجموعةٍ ما سببٌ للخصامِ والعداوةِ أَبداً، إِذ يلزم أَن ينتبهَ الكُل بأَنَّ قرار الإِستمرار أَو الإِنسحاب هوَ قرارٌ شخصيٌّ يتصرَّف بهِ المرءُ بحريَّةٍ تامَّةٍ لا ينبغي على أَحدٍ إِجبارهُ على اتِّخاذهِ أَو فهمهِ خطأً، فهوَ من الخصُوصيَّة الصِّرفة فلكُلِّ إِنسانٍ كامل الحريَّة في اتِّخاذهِ متى ما قرَّرَ ذلكَ.
يلزم أَن تشيعُ بيننا ثقافة [النِّهايات السَّعيدة] بمثلِ هذهِ الحالاتِ، أَلا يكفينا أَنَّ نِهاياتِ حُواراتِنا عادةً ما تكُونُ غَير سعيدة [حزينة] لنُضيفَ لها [نِهاياتٍ حزينةٍ] أُخرى بقرارِ الإِنسحابِ من مجمُوعةٍ ما ولأَيِّ سببٍ؟!.
ومن الطَّبيعي جدّاً أَن يُبادر العاقِل لاتِّخاذِ قرارِ الإِنسحابِ وتركِ المجموعةِ التي لا تُناسبهُ لأَيِّ سببٍ كانَ، فكريَّاً أَو أَخلاقيّاً، إِذا شعرَ بأَنَّهُ يبيعُ فيها عقلهُ بثمَنٍ زهيدٍ كأَنَّهُ بدأَ يُناقش أُموراً تافِهةً أَو يتبادل معلوماتٍ لا يقبلَها إِلَّا خفيفُ العقلِ، وغيرِ ذلكَ.
يقولُ تعالى {وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}.
أَو أَنَّهُ لم يعُد يشعر أَنَّ في المجمُوعةِ فُسحةً معقُولةً للقَولِ السَّديدِ وإِنَّما هيَ مكبٌّ لكُلِّ ما هوَ تافِهٌ ففي هذهِ الحالَة كذلكَ يُبادِرُ العاقِل لتركِها من دونِ أَن يثيرَ قرارهُ هذا ضغائِنَ وعداواتٍ، فلقد أَمرنا القرآن الكريم أَن نقولَ دائماً قولاً سديداً أَو أَن نسكُتَ فلا نتورَّط بتناقُلِ التَّوافهِ أَو الإِنجرار للمُناكفاتِ اللَّفظيَّةِ الهابِطةِ أَو لتبادُلِ اللَّكماتِ بالتَّنابُزِ بالأَلقابِ.
يقولُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}.
تسلَّح بالشَّجاعةِ ولا تتردد باتِّخاذِ قرارِ مُغادرةِ أَيَّةِ مجموعةٍ إِذا شعرتَ أَنَّها بدأَت تُشكِّلُ خطراً عليكَ أَو أَنَّها تقودكَ إِلى التَّفاهةِ، فالتردُّدِ بدايةَ الهاوية!.
اضف تعليق