يأتي شهر رمضان كمناسبة روحية تهيّئ الأجواء تماما للجميع، فيكون هذا الشهر بمثابة الفرصة الكبيرة والمناسبة لتحقيق الناس هدف السلام النفسي، لاسيما في مجتمعات قلقة، تعصف بها قيم دخيلة وثقافات وافدة، وتتصارع فيها هويات فرعية كثيرة، في هذه الحالة يكون القلق سيد المواقف...
السلام النفسي هو نوع من التوافق الشعوري الداخلي، وهو يبعث على الاطمئنان والهدوء والاستقرار الذي يشمل تفكير الإنسان وسلوكه أيضا، فترى الشخص المطمئن نفسيا، واثقا من كلامه ومن سلوكه، ولا يقترب منه القلق أو التردد، فيعيش حياة هادئة مستقرة.
هذا ما يحصل عليه الإنسان عندما تكتمل في أعماقه دائرة السلام النفسي، والأهم من كل شيء هو اكتساب الإنسان القدرة والمهارة على تجديد هذه الصفة في شخصيته، فالسلام الروحي والنفسي ربما يتهدّم ويتآكل عندما يضيع الإنسان في بحر المشاغل، واضطراب الحياة، واختلاف المواقف والأهداف، لكنه عندما يمتلك القدرة على تنمية السلام النفسي في ذاته يتمكن من معالجة هذا النقص.
يأتي شهر رمضان كمناسبة روحية تهيّئ الأجواء تماما للجميع، فيكون هذا الشهر بمثابة الفرصة الكبيرة والمناسبة لتحقيق الناس هدف السلام النفسي، لاسيما في مجتمعات قلقة، تعصف بها قيم دخيلة وثقافات وافدة، وتتصارع فيها هويات فرعية كثيرة، في هذه الحالة يكون القلق سيد المواقف، وترى الناس تلهث وراء كل شيء من دون أن تكتفي.
إنه شعور بالجوع لكل شيء، وصراع متواصل في كل المجالات، ولهاث محموم للاستحواذ الفردي والعائلي، فتجد الناس خائفين على حاضرهم ومستقبلهم، وكل ظنهم أن كنز الأموال والصراع من أجل الارتزاق هو الحل لكسب الحياة المطمئنة.
الحلول لا تكمن في الصراعات
كثيرون لا يعرفون أن الحل لا يكمن في الصراع مطلقا، ولا في اللهاث ومواصلة الاستحواذ وحرمان الآخرين من حقوقهم، الحل ببساطة يكمن في الآية القرآنية الواضحة في معناها للجميع: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) سورة الذاريات، الآية 22.
فالرزق مكفول للجميع، وهذا الأمر يجب أن يشيع الاطمئنان في النفس، والشعور بالأمان، وتنمية هذا الشعور أمر في غاية الأهمية، كونه ينتهي بالإنسان إلى نوع عميق من السلام النفسي، والابتعاد التام عن القلق والخوف، لذا وجب على كل شخص أن يستثمر أجواء هذا الشهر المختلف عن سواه في كل شيء.
الشروع في تنمية السلام النفسي، يستحسن أن يبدأ من البيت والعائلة، ومن الأفضل أن يجده الإنسان في الحواضن الأخرى، حاضنة المدرسة، حاضنة العمل، حاضنة الأصدقاء، حاضنة التعامل المجتمعي في مختلف المجالات، ولكن الجذور دائما تكمن في المحيط التربوي الأساس أو الأول وهو الأسرة.
زرع الثقة والأمان والاطمئنان في نفوس وقلوب الأطفال، مهمة أساسية للأسرة وبالذات للأب والأم والأخ الأكبر، هؤلاء تقع عليهم مسؤولية تربية الطفل الصغير على الاطمئنان التام، وغرس هذا الشعور في أعماقه، وتنميته فيه منذ الصغر، ولهذا يتم التركيز على أجواء شهر رمضان، واستثماره في تنمية السلام النفسي للجميع.
حتى الأطفال يمكن للآباء والأمهات، أن يغرسوا فيهم بذرة السلام النفسي، من خلال اصطحابهم في شهر رمضان إلى الأماكن التي تغرس في لا وعيهم ولا شعورهم الأمن والسلام، ومنها على سبيل المثال الأماكن التي تعبق بالأضواء والعطور والروائع الطيبة كالمسك والقداح وماء الورد وسواه من القضايا التي تجمّل الأمكنة وتجعلها مرغوبة.
مشاهد مفعمة بالاطمئنان
فذاكرة الطفل وخياله وحتى المراهق لا يزال غضّا، وهو مستعد على الدوام أن يستقبل المشاهد المفعمة بالاطمئنان والسلام، ومنها على سبيل المثال، ما يستمع إليه، وما يراه من مظاهر تدعو إلى الحبور والمودّة، فرحلة الحياة التي تبدأ منذ الصغر، تعتمد على مثل هذه المواقف التي يجب الانتباه لها من قبل الآباء والمربّبين.
لذا فإن الغاية من زرع السلام الروحي في النفوس، والمباشرة في تنميتها أمر في غاية الأهمية، وقضية تجديد هذا الهدف مع كل رمضان جديد، أمر مهم أيضا، فحين يضمحل شعور الإنسان بالسلام الداخلي، سوف يجد في قدوم شهر رمضاني جديد فرصة للنهوض بهذا الهدف مرة أخرى، فالأجواء الرمضانية تساعد على تقريب القلوب من الأمن والسلام.
يشعر الطفل والمراهق والشاب والكهل، وكل الأعمار بأنهم يعيشون في شهر رمضان أوضاعا نفسية مختلفة، تؤهلهم وتشجعهم على طرد القلق والخوف من أعماقهم، وأن الحياة الصحيحة السليمة مفتوحة أمامهم، وأن الحل في طرد الخوف يكمن في التسالم الذاتي، وانسجام الشخص مع قلبه وروحه ونفسه، وهو شرط رغم صعوبته يمكن تحقيقه في هذا الشهر العظيم.
ونختم هذه الكلمة بأهمية السلام النفسي لكل فرد، وبحاجته لهذا النوع من السلام، وبقدرة كل إنسان على تحقيق هذا الهدف من خلال التعامل الجاد والحقيقي مع (شهر رمضان)، ولا ينظر له زمنيا مثل الشهور الأخرى للسنة، بل ينظر له على أنه فرصة روحية نفسية إيمانية تفتح الأبواب الواسعة والصحيحة نحو السلام النفسي الطارد للخوف، فاقتنصوا هذه الفرصة الزمنية الرمضانية وجرّبوا عمليا تنمية السلام النفسي والروحي في أعماقكم.
اضف تعليق