ماذا فعلنا لكي ننقذ شبابنا؟ أي الإجراءات قامت بها الجهات ذات العلاقة لكي تحمي عقول أولادنا، لقد عشنا شهر رمضان وهو يشرف على نهايته، ولكننا لم نلمس ما يكفي لتمكين الثقافة والفكر والوعي الشبابي، لا من جهات ومنظمات واتحادات رسمية، ولا من خلال الجهد المدني...
كُتِبَ الكثير عن مفهوم الغزو الثقافي، وقيل عنه في خلاصات شاملة، أنه نوع من الاستعمار تقوم به دول أقوى على دول أضعف ولكن ليس بقوة السلاح، ولا بالعنف كما فعل المستعمرون القدماء في حملاتهم الحربية، وهذا يعني إن الغزو الثقافي هو حرب ولكن من نوع آخر، لا تُستخدَم فيه البنادق ولا النيران، بل يُستخدم فيه الفكر الغازي.
تقول إيمان الحياري، يُشير مفهوم الغزو الثقافي بالإنجليزية Cultural Invasion إلى الجهود والممارسات التي يبذلها مجتمع مهيمن سياسيًا أو اقتصاديًا لفرض جوانب مختلفة من ثقافته الخاصة على مجتمع آخر غير مهيمن؛ مثل العادات والتقاليد، والدين، واللغة، والأعراف الاجتماعية، والأخلاقية، والجوانب الأخرى للأنظمة الاقتصادية والسياسية التي تُشكل المجتمع المهيمن.
يُعد الغزو الثقافي أحد أشكال الإمبريالية (بالإنجليزيةImperialism) حيث أنّ الدولة المهيمنة تُوسّع بقوة سلطة ثقافة مجتمعها على الشعوب الأخرى بتحويل أو استبدال جوانب ثقافة المجتمع غير المهيمن باستخدام القوة العسكرية، والقانون، والتعليم، وغيرها.
ما يعنينا في هذه الكلمة المركّزة، تلك الأفكار التي تسعى التسلل إلى عقول الشباب، وتهيمن عليهم وتلغي عنهم الهوية الأم، بعد إلحاق الهزيمة بثقافتهم، وأفكارهم الأصيلة، ومحوها، وإغراق عقولهم بالأفكار الدخيلة، وهي في مجملها أفكار ذات طابع مادي الهدف منها خلق الهيمنة الاقتصادية، وتحقيق التبعية من خلال عملية (الغزو الثقافي) الفكري أو المادي السلوكي، كالملبس والمأكل ونشر أنماط حياة مادية تلغي الهوية الأم أو تضعفها.
مخادعات التصميم الإعلاني
مثال عن ذلك طبيعة الملابس التي يروج لها من بعض الدول الغربية، حيث يتم رصد مليارات مع خبرات هائلة في التصميم الإعلاني، مع إرفاق التطور والاختلاف والإثارة مع هذا النوع من الملبس وحتى المأكل، بل تسلل الأمر إلى المفردات اللغوية ومحاولة إلغاء اللغة الأم من خلال تطعيمها بمفردات يتم استخدامها من قبل الشباب في تعاملهم وتحادثهم اليومي.
من الغريب حقا أن تنتشر هيمنة الملابس الممزقة بين الشباب المسلم، ما الغاية من وراء ذلك، والغريب أن أثمانها أعلى من الملابس غير الممزقة، كيف يقتنع الشاب بارتداء سروال (بنطلون) ممزق من الركبة أو عند الأفخاذ، ما الغاية التي تكمن وراء هذا الاختلاف الغريب وهل يمكن تبريره تحت عنوان الحرية الفردية أو الشخصية؟
بعض الشباب بسبب ضعف ثقافة، واختلال ثقته بهويته، وتأثره السريع والشديد بحملات البهرجة الغازية، يفقد إيمانه حتى بنفسه، ويصبح ألعوبة تتحكم بها الإعلانات التي تضج بها شبكات التواصل، والغريب حقا أن مثل هذه الأمور غير الجوهرية تسيطر على عقول شبابنا، وهذا يحدث في الحقيقة كنتيجة واضحة للفراغ الثقافي والفكري الذي يعاني منه هؤلاء الشباب، مما يعني وجود خلل فادح في هذا المجال.
ماذا فعلنا لكي ننقذ شبابنا؟
أي الإجراءات قامت بها الجهات ذات العلاقة لكي تحمي عقول أولادنا، لقد عشنا شهر رمضان وهو يشرف على نهايته، ولكننا لم نلمس ما يكفي لتمكين الثقافة والفكر والوعي الشبابي، لا من جهات ومنظمات واتحادات رسمية، ولا من خلال الجهد المدني، محاولات خجولة تصدر من هنا وهناك لكنها لم تأتِ في إطار برنامج تثقيفي عام وشامل وعميق، واضح المعالم والأهداف ومخطَّط له بدراية وتخصص مسبق.
كان حريّ بمكن يهمه الأمر، لاسيما الجهات الرسمية، والمؤسسات المعنية بالفكر والثقافة، أن تجتذب الشباب بنحو خاص، من خلال برامج تثقيفية مؤثرة وفاعلة ومنتظمة في هذا الشهر المختلف، ونؤكد هنا على اختلاف شهر رمضان عن سواه من الشهور وهذه حقيقة نتفق عليها جميعا، ولكن من المؤسف لم نقم بما يجب القيام به لدعم العقول الشبابية ثقافيا وفكريا وتوجيهيا، ونقنعهم بأن ارتداء السراويل الممزقة لا يمت بصلة للثقافة.
ولا علاقة لمثل هذه السلوكيات بالتطور، ومن المهم توضيح الأمور للشباب على نحو خاص، بأنهم مستهدفون، وأن الحل والحماية تكمن في تمسكهم بثقافتهم الأم وهويتهم الأم، أمام الغزو الثقافي الذي تُرصَد له المليارات والخبرات الهائلة في فن الإعلان والترويج على مستويات عالمية متخصصة بالإعلان.
ختاما، هنا نوجّه الكلام للشاب نفسه، إنه يتحمل مسؤولية هائلة تجاه نفسه، لأنه بالنتيجة هو المتضرر أو على المستوى الفردي، لابد أن يحمي ثقافته، وأفكاره، وهويته، ودينه، وما يؤمن به، وأن يتصدى بوعيه الكامل لماكنة الترويج الإعلامي للغزو الثقافي، وفرصة شهر رمضان تضاعف من قدرات الشاب لهذا النوع من التصدي.
اضف تعليق