q
ملفات - شهر رمضان

النهايات الناجحة

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٧)

النَّاجح هوَ الذي يهتَم بالنِّهايات كما يهتم بالبداياتِ حتَّى يُسجِّل بصمتهِ في حركة التَّاريخ، أَمَّا الفاشِل فقد تراهُ يبذل جهُوداً جبَّارةً ويُقدِّم تضحياتٍ عظيمةً وسخيَّةٍ عند الإِنطلاقِ بالمشرُوعِ إِلَّا أَنَّهُ يفتُر أَو يُغيِّر أَو ينقلِب أَو يتوقَّف قبلَ أَن يصِلَ إِلى خطِّ النِّهايةِ فمثلهُ كمثلِ من ينطلِق بسُرعةٍ...

{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}.

ومِن علاماتِ الفاشل أَنَّهُ يستعجِل الأُمور لأَنَّهُ يتصوَّر أَنَّها تُقاسُ في بدايتِها، وهذا النَّوع من التصوُّر الخطأ يقعُ فيه كثيرُونَ ولذلكَ يخطأُونَ في تقييِّم الأُمورِ ويغضبُونَ لأَنَّ البِداية لم تكُن في صالحهِم ويزعلُونَ لأَنَّ الظَّالم والمُعتدي كسبَ الجَولة الأُولى وهكذا.

ولو كانت الأُمور تُقاسُ في بداياتِها وليسَ في نهاياتِها لانتصرَ فرعَون على نبيِّ الله موسى (ع) وانتصرَ كُلُّ الجبابِرة والطُّغاة والأَقوام الظَّالِمة على أَنبيائهِم ورُسُلهِم وانتصرَ أَبا سُفيان على رسولِ الله (ص) ومُعاوية على أَميرِ المُؤمنينَ (ع) ويَزيد على الحُسين السِّبط (ع).

أَمَّا رسولُ الله (ص) فيقُول {وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا}.

ويصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الفَرق في طريقةِ التَّفكير على هذا المُستوى بقولهِ {إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا}.

فكَم مِن عملٍ كانت بدايتهِ حسَنة من كُّل النَّواحي إِلَّا أَنَّ خاتمتَهُ كانت سيِّئة {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} والعَكس هوَ الصَّحيح، فكم من بداياتٍ نحسبها مُتواضعة إِستهزأَ بها كثيرُونَ إِلَّا أَنَّها غيَّرَت وجهَ العالَم بنهاياتٍ عظيمةٍ {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} والفرقُ في الأَمرَينِ؛

أَنَّ أَصحاب البِدايات الحسَنة يُراهنُونَ على ما بدأُوا بهِ مِن دونِ رقابةٍ للإِستمرارِ بنفسِ النَّهجِ ولذلكَ فقد ينتهُونَ إِلى ما هوَ أَسوء من البِداياتِ، أَمَّا أَصحاب البِدايات المُتواضِعة فعينهُم مُتسمِّرة للأَمامِ فلا يغفلُونَ عن الرَّقابة الذاتيَّة ليستمرُّوا إِلى أَن ينتهُوا بأَفضلِ ممَّا بدأُوا بهِ.

وهذا هوَ المُهم، وهذا هوَ الذي يُحسب كرصيدٍ للإِنسانِ الفَرد والإِنسان المُجتمع، لأَنَّ التَّاريخ يَحتفي بالنِّهايات [العظِيمة] حتَّى إِذا كانت بداياتِها متواضِعة ولا يُعيرُ كثيرَ اهتمامٍ بالبداياتِ مهما كانَت عظيمةً إِذا كانت نهاياتِها تافِهة.

وفي كُلٍّ دروسٍ وعِبَر {وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا} كما يوصي أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ولدهُ الحسَن السِّبط (ع).

والنَّاجح هوَ الذي يهتَم بالنِّهايات كما يهتم بالبداياتِ حتَّى يُسجِّل بصمتهِ في حركة التَّاريخ، أَمَّا الفاشِل فقد تراهُ يبذل جهُوداً [جبَّارةً] ويُقدِّم تضحياتٍ [عظيمةً وسخيَّةٍ] عند الإِنطلاقِ بالمشرُوعِ إِلَّا أَنَّهُ يفتُر أَو يُغيِّر أَو ينقلِب أَو يتوقَّف قبلَ أَن يصِلَ إِلى خطِّ النِّهايةِ! فمثلهُ كمثلِ من ينطلِق بسُرعةٍ قُصوى وفي النيَّة أَن يصلَ إِلى نُقطةٍ مُعيَّنةٍ، لكنَّهُ وبعدَ ساعاتٍ من قيادةِ السيَّارة يجد نفسهُ قد وصلَ إِلى نُقطةٍ مُختلفةٍ لم تكُن في بالهِ أَو ضِمنَ خُطَّة الحرَكة التي رسمَها وبدأَها.

وهُنا تأتي فلسفة الإِستقامَة، التي تعني مُواصلة السَّير بنفسِ الإِتِّجاه وبنفسِ الحماس للوصولِ إِلى الهدفِ المُحدَّد والمرسُوم سلفاً وليسَ أَيِّ هدفٍ كانَ، أَمَّا التنقُّل والإِنتقال والتَّغيير والإِستبدال والإِنقلاب بينَ فترةٍ وأُخرى، فبالتَّأكيد لا تُنتج نِهاياتٍ سعيدةٍ {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} وقولهُ {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.

يقولُ تعالى يُوصي رسولهُ الكَريم (ص) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

وفي وصفهِ لعلاقةِ الإِيمان بالإِستقامة يقولُ عزَّ مَن قائِل {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.

وأَنَّ الإِستقامة هي ثمَن الإِستجابة {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} الإِستجابة للتحدِّيات التي يمرُّ بها المرءُ، كما في قولهِ تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.

فبالإِستقامة تتحقَّق النِّهايات السَّليمة والصَّحيحة المرجوَّة والتي يخطِّط لها عادةً الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع، والتي بحاجةٍ إِلى الصَّبر والتأَنِّي والإِنتظار الإِيجابي الذي يُحرِّض على تحسينِ الأَداء والأَدوات وإِعادة النَّظر بالخُطط لتنسجِم معَ الظُّروف والمُستجدَّات والمُتغيِّرات طِولَ الوقت مِن دونِ غفلةٍ.

اضف تعليق