أَنَّها تُشكِّل سقفاً في كلِّ شيءٍ، في التَّفكيرِ وفي التَّخطيطِ وفي اتِّخاذ القرار، وفي مساعي التَّغييرِ في المُجتمعِ بُكلِّ أَشكالِها لدرجةٍ أَنَّ الصَّنم يُمثِّل كُلَّ شيءٍ فهو الرَّقم الصَّعب، وما دونَهُ لا يُمثِّل شيئاً فالآخرين في الجماعةِ بالنِّسبةِ لهُ أَصفارٌ على يسارِ الرَّقم. فالصنميَّةُ تُصادر الحقَّ المُطلق...
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}.
قد يظنُّ البَعض أَنَّ الصنميَّة هي التي تعني فقط عِبادة النَّاس لرمزٍ من الرُّموز بدلاً عن الله تعالى! أَبداً، ليسَ الأَمرُ كذلكَ، فإِنَّ مُجرَّد الطَّاعة في معصيةٍ هي كذلكَ صنميَّة.
تعالُوا نمرُّ على هذهِ الرِّوايات التي تشرح هذا الموضُوع بشَكلٍ دقيقٍ حتَّى لا نكونَ ضحيَّة اللَّبس في الأَمرِ فنعبُدَ صنماً من دونِ أَن نشعرَ ومِن دونِ أَن نُريدَ ونرغب أَو نحتسِب {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} فالغفلةُ هي بدايةِ الوقُوعِ في الخطأ وبابُ الإِنحرافِ!.
يقولُ رسولُ الله (ص) في قولهِ تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} {أَما إِنَّهم لم يكونُوا يعبدُونهُم ولكنَّهُم كانُوا إِذا أَحلُّوا لهُم شيئاً استحلُّوهُ وإِذا حرَّمُوا عليهِم شيئاً حرَّمُوه}.
وعَن صادقِ أَهلُ البَيت (ع) جعفَر بن مُحمَّد (ع) في تفسيرهِ للآيةِ {والله ما صلُّوا لهُم ولا صامُوا ولكنَّهُم أَحلُّوا لهُم حراماً وحرَّمُوا عليهِم حلالاً فاتَّبعُوهُم}.
وعنهُ (ع) أَيضاً {أَما والله ما دعَوهُم إِلى عبادةِ أَنفسهِم ولَو دعَوهُم إِلى عبادةِ أَنفسهِم ما أَجابوهُم ولكِن أَحلُّوا لهُم حراماً وحرَّمُوا عليهِم حلالاً فعبدُوهُم مِن حيث لا يشعرُون}.
ولخطورةِ مرض الصنميَّة الذي يُلغي شخصيَّة الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع، لدرجةِ أَنَّهُما يتصوَّران أَنَّ المسؤُوليَّة تسقُط عنهُما بوجُودِ البديل، لذلكَ فإِنَّ أَميرِ المُؤمِنينَ (ع) حاربَ هذا المرَض بِلا هوادةٍ من خلالِ ثلاثِ خُطواتٍ أَساسيَّةٍ؛
الأُولى؛ مُحاربةِ التَّقديس المُزيَّف فلقد قالَ (ع) {وَقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ الْأَنْبَارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَاشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ؛ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟! فَقَالُوا خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا فَقَالَ؛ وَاللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ وَمَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ} وقولهُ (ع) {فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ}.
الثَّانية؛ الحث والتَّحريض على المَشوَرة ليُحسِّس المُواطن بشخصيَّتهِ ووجُودهِ وأَهميَّتهِ في الدَّولة فلا يتصوَّر أَنَّه زائِدٌ إِلى جانبِ الحاكمِ، يقُولُ (ع) {وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى}.
الثَّالِثة؛ نشر ثقافة الحقُوق والواجِبات كمُعادلةٍ مُتساويِةٍ ومنظُومةٍ مُتكامِلةٍ خاصَّةً بينَ الرَّاعي والرعيَّة [السُّلطة والشَّعب] فلقد قالَ (ع) {أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ} ويضيف (ع) {ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَلَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ}.
آثار الصنميَّة وأسبابها
{وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّذِیرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَاۤ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ}.
من الآثار المُباشِرة لمرضِ الصنميَّة في المُجتمعِ؛
أ/ أَنَّها تُشكِّل سقفاً في كلِّ شيءٍ، في التَّفكيرِ وفي التَّخطيطِ وفي اتِّخاذ القرار، وفي مساعي التَّغييرِ في المُجتمعِ بُكلِّ أَشكالِها لدرجةٍ أَنَّ الصَّنم يُمثِّل كُلَّ شيءٍ فهو الرَّقم الصَّعب، وما دونَهُ لا يُمثِّل شيئاً فالآخرين في الجماعةِ بالنِّسبةِ لهُ أَصفارٌ على يسارِ الرَّقم.
فالصنميَّةُ تُصادر الحقَّ المُطلق {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.
ب/ إِنَّها تُشكِّل خطراً على الطَّاقات الخلَّاقة والوَاعِدة، ولذلكَ لا يُفكِّرُ أَحدٌ من الذينَ في الدَّائرة أَن يُطوِّر نفسهُ أَو أَن يبحثَ عن الدَّور الذي يستحقَّهُ بالإِعتمادِ على قُدُراتهِ وكفاءاتهِ وخِبراتهِ.
ففي ظلِّ المرض لا يجدُ الكفُوء مكانهُ المُناسب، لأَنَّ الصنميَّة لا تستعمِلُ أَحداً لكفاءتهِ وخبرتهِ ونزاهتهِ وإِنَّما لتملُّقهِ وولائهِ لـ [الصَّنم] ولذلكَ حذَّر أَميرِ المُؤمنينَ(ع) بقَولهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ}.
ج/ إِنَّها تُلغي الرَّأي والرَّأي الآخر، والقُرآنُ الكريم يحثُّ على ذلكَ {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وتقضي على فُرص الجِدال بالتي هيَ أَحسن والله تعالى يقُولُ {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} لتطويرِ الأَفكار وتحسينِ الأَداء خاصَّةً إِذا تعدَّدت الأَصنام فترى لكُلِّ أُمَّةٍ صنمٌ {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} ما يدفع للتفرُّق والتمزُّق والنِّزاع { {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} فكُلٌّ يُقاتِلُ من أَجلِ أَن لا يدوسَ أَحدٌ على ذيلِ صنمهِ وبالتَّالي ستمتلئ الأَرض بزراعةِ الأَصنام التي ستتمدَّد ذيولها لتشملَ كُلَّ المساحات.
وفي هذا الجَو الصَّنمي تغيب الإِهتمامات العامة وتتَّسع الإِهتمامات الخاصَّة!.
د/ وهيَ العبوديَّة بعينِها، والتي تكونُ سبباً في تعطيلِ العقلِ وتمنَع من التَّفكير وبالتَّالي لا تحثُّ على التَّعليمِ والتعلُّم {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} فهي بهذهِ الحالة عبوديَّة بامتيازٍ وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقُولُ {لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيرِكَ وَقَد جعَلَكَ اللهُ حُرّاً}.
مَن السَّببُ إِذن؟! ومَن الذي يتحمَّل المسؤُوليَّة؟!.
أَكيد ليسَ الصَّنم، فكُلُ واحدٍ منَّا يتمنَّى، رُبما، أَن يكونَ صنماً، يرى القِطعان تلهثُ خلفهُ والجمهُور يُصفِّق لهُ مِن دونِ أَن يفهَمَ ما الذي يقولهُ وما الذي يفكِّر فيهِ ويرُومُ إِليهِ.
إِنَّما اللَّومُ على مَن يعبُد الصَّنم، فيُطيعهُ طاعةً عمياءَ ويسيرُ خلفهُ من دونِ أَن يعرفَ إِلى أَينَ يأخذهُ في هذا الطَّريقِ أَو ذاكَ.
وهذا ينطبقُ على الإِنسان الفَرد الذي يحتضِن صنماً وعلى الإِنسان الأُمَّة التي تحتضِن أَصناماً.
وهؤُلاء مُشكلتهُم أَنَّهُم ينتبِهونَ على حالهِم متأَخِّرينَ وفي أَحيانٍ كثيرةٍ [بعدَ فوات الأَوان] {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
والسُّؤَال؛ إِذا كانت الصنميَّة خطِيرة جدّاً على المُجتمع، فلماذا تنمُو عندَنا والله تعالى خلقَنا أَحراراً وخلقَ لنا أَداة الحريَّة والكَرامة [العَقل]؟!.
أَسبابٌ عديدةٌ لعلَّ أَهمَّها؛
١/ الجَهل ولذلكَ يحرص الصَّنم على تجهيل النَّاس ليُسيطِر على عقولهِم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
ويصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حالة التَّجهيل التي سيطرَ بها مُعاوِية على أَهل الشَّام بقَولهِ {أَلَا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
٢/ الإِتِّكاليَّة {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} فعبَدة الأَصنام يجدُونَ أَنفُسهُم فقط في ظلِّ [صنم].
٣/ الرجعيَّة وعدَم الإِستعداد للتطوُّر والتقدُّم والسَّبب أَنَّ النَّاس يتكاسلُونَ عادةً عن دفعِ الثَّمن لأَيِّ تطوُّرٍ ولذلكَ يعبدُونَ صنماً يكفيهِم مؤُونة دفع الثَّمن إِذا أَرادَ ولتبريرِ تقاعُسهِم وتكاسُلهِم.
٤/ فُقدان الرَّصيد الشَّخصي ما يدفع الإِنسان كذلكَ لأَن يسيرَ بظلِّ غيرهِ حتَّى لا يُفتضحَ أَمرهُ بينَ النَّاس.
وإِلَّا فالذي يمتلِك شخصيَّة تتجلَّى في رصيدهِ الشَّخصي من العِلم والمعرِفة والمَكانة والتَّفكير والرَّأي الحَصيف، ما الذي يُجبِرهُ على أَن يعبُدَ صنماً أَو أَن يُساهمَ في صناعةِ صنمٍ ليعبُدهُ؟!.
اضف تعليق