يقول الإمام الباقر (عليه السلام): "لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان". ففي شهر رمضان نزل كتاب الله كاملاً، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، والقرآن (هدىً للناس) لإصلاح النفس، حيث تضمّن دستوراً به يحيا الإنسان حياة طيبة ويفوز في الآخرة بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، والقرآن (وبينات من الهدى) حيث إن لهذه الهداية أدلة واضحة، والقرآن هو (والفرقان...) أي ما يفرّق بين الحق والباطل، والرشاد والضلال، إذ قد يهتدي الإنسان إلى الحق لكنه لا يملك القدرة على التمييز بين الحق والباطل. والقرآن كتاب هداية لجميع الناس (هدىً للناس)، فهو ليس لقوم دون قوم، ولا لزمان معين ولا لمكان محدد، بل هو للناس أجمعين. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده".
شهر رمضان أفضل مناسبة يقف فيها الإنسان عند هذا العهد الإلهي ويتدبر بآياته ليرى حقيقة إيمانه وهل هو على هدى أم على ضلال؟ وهل تدينه مجرد ممارسات شكلية يظهر بها أو يتظاهر أمام الأهل والناس؟ وهل هو في سره كما في علانيته؟ وهل هو في البيت كما في المسجد؟ وهل هو في الشدة والرخاء سواء؟ يقول الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): "الإنسان بحاجة في كل عام إلى وقفة مع نفسه ومع الحياة، لأن غبار الحياة قد يتراكم على قلبه فيجرّده عن رؤية الحقيقة. فلابد من غربلة تمهد الطريق إلى دخول شهر رمضان، ولابد للمؤمن الصائم من نفض غبار الجهل واليأس، والأخذ بشآبيب الأمل والتقدم للمضي في طريق راسخ نحو تجديد حياته ليكون هذا التجديد هو السبيل لتقدم حياة المجتمع نحو الأمام".
من استحقاقات شهر الرحمة والمغفرة محاسبة النفس وإصلاحها على مستوى الذات والمجتمع، فهناك من يتخذ إلهه هواه ويحسب أنه يحسن صنعاً (انحراف الفرد على مستوى الذات)، وآخر يعيش وسط مجتمع مشوه القيم والمعتقدات ويشعر إن وظيفته الإصلاحية تتوقف عند حدود الذات أو الأهل فقط، ولا يبالي بمجتمعه (انحراف الفرد على مستوى المجتمع)، يقول الإمام الشيرازي (قدس سره): "في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، ومن الممكن أن يتحول المؤمن إلى أمة كإبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتاً لله".
إصلاح الذات وبناء المجتمع الصالح لابد أن ينطلق من وعي المؤمن بالكتاب المجيد، وأساس الوعي القرآني هو القراءة الصحيحة (لغة ومعنى) للقرآن، فهناك من يقرأ القرآن "هذرمة"، أو أن يكون "همّ القارئ آخر السورة"، يقول الفقيه السعيد آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (قدس سره): "تعد القراءة السطحية للقرآن الكريم في طليعة المشاكل التي يعاني منها كثير من المسلمين في تجاوبهم مع القرآن، فهم يتعاملون معه ككلمات ميتة، وليس كمفاهيم تنبض بالحياة، ويستمعون إليه، ويتلون آياته، ولكن كتمائم سحرية، وطلسمات غيبية، لا يكاد أحد يفهم منها شيئاً!" والسؤال: ما هي أسباب هذه المشكلة التي تمس جوهر إيمان المسلمين؟ ويشير (قدس سره) في كتابه (كيف نفهم القرآن) إلى أن "السطحية في الرؤية والتفكير قد ترضي شهوات الإنسان، ولكنها كثيراً ما توقعه في أخطاء قاتلة". ومن جهة أخرى يؤكد(قدس سره) أن "الاستنباط من آيات الأحكام ونحوها يتوقف على خبروية معينة، لا تحصل إلا ببلوغ الإنسان مرحلة الاجتهاد، فالتدبر في هذه الآيات يكون وقفاً على المجتهدين، أما التدبر في الآيات الأخرى فهو أمر مفتوح للجميع". ويقول (قدس سره): في معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): "مَنْ فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار". تبرز ثلاثة احتمالات وهي:
1- فسّر القرآن بآرائه الشخصية، وذلك بقسميه: فسّر القرآن بهواه، وفسّر القرآن بمسبقاته الفكرية.
2- فسّر القرآن بظنه.
3- فسّر القرآن بفهمه المستقل عن أهل البيت (عليهم السلام)، أو بدون توفر القاعدة العلمية الكافية". مبيناً أنه "يمكن أن يستفيد من إضافة (الهاء) إلى كلمة (رأي) في قول الإمام (عليه السلام) معنى عاماً يشمل كل هذه المعاني.
اضف تعليق